السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاوزات خطيرة لقوات حفظ السلام في الكونجو

تجاوزات خطيرة لقوات حفظ السلام في الكونجو
25 مايو 2008 00:16
بعد تعرضها لانتقادات حادة بسبب فشلها في مراقبة أداء قوات حفظ السلام التابعة لها في الكونجو، قررت الأمم المتحدة الرد على الهجوم بتعبئة مسؤوليها الإعلاميين لنفي وجود أية مشاكل، وهو مسلك أختلف معه كلياً بناء على تجربتي الشخصية في الأمم المتحدة، فقد عرضت ''بي·بي·سي'' ومنظمة ''هيومان رايتس ووتش'' أدلة دامغة تفيد بأن الأمم المتحدة قامت فعلاً بتغطية معلومات بشأن تورط قواتها لحفظ السلام بالكونجو في تهريب الذهب والمتاجرة في السلاح، وحسب تلك المعلومات انخرطت قوات حفظ السلام في عمليات غير مشروعة مع إحدى الميليشيات المحلية الأكثر تورطاً في أعمال القتل والعنف المنتشرة في البلاد، حيث لقي الملايين من الأشخاص حتفهم في أحد الصراعات الأكثر دموية والأقل حضوراً على الساحة الدولية، لكن في الأسبوع الماضي نقلت هيئة الإذاعة البريطانية على لسان ''إنجا بريت ألينيس'' -مديرة مكتب المراقبة الداخلية التابع للأمم المتحدة- قولها إن المحققين توصلوا إلى نتائج، اعتماداً على الأدلة المتوفرة لديهم، تستبعد ما يبرر المتابعة القضائية، أو استكمال التحقيق· والحقيقة أن ما جاء على لسان المسؤولة الأممية ليس صحيحاً، فقد كنت مسؤولاً عن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة في العام 2006 وعندما نظرت في مزاعم ارتكاب قوات حفظ السلام الباكستانية لانتهاكات خطيرة في الكونجو وجدتها ذات مصداقية ولا يمكن بأي حال استبعادها، لكن التحقيق انتزع من فريقي بسبب مقاومتنا للضغوط وما اعتبرناه محاولات للتدخل في نتائج التحقيق، وفوجئت، أنا وفريق التحقيق، بالتقرير النهائي الذي جاء، بعد رفعه إلى المسؤولين في الأمم المتحدة، خالياً من الأدلة في محاولة مكشوفة للتغطية على الادعاءات· ففي العام 2006 سلمت التقارير التي تحقق في مزاعم الانتهاكات إلى الإدارة العليا، وتضم أدلة ومعلومات مستقاة من شهود يؤكدون وجود معاملات مشبوهة جمعت بين قوات حفظ السلام الباكستانية وأمراء الحرب من ''جبهة الاندماج الوطني''، إحدى الميليشيات الإثنية المعروفة بوحشيتها في اقتراف أعمال القتل خلال الحرب الأهلية المستمرة إلى غاية اليوم في الكونجو· وقد عثرنا خلال التحقيق على معلومات مؤكدة تشير إلى أن ضباطاً كباراً في الكتيبة الباكستانية أعادوا سراً السلاح الذي تم احتجازه سابقاً إلى أمراء الحرب مقابل الحصول على الذهب، بل الأكثر من ذلك اكتشفنا أن بعض الضباط في الكتيبة أبلغوا الميليشيا المسلحة معلومات قبل التوجه لاعتقالهم مكنتهم من الهرب، ومع ذلك حذفت المعلومات والأدلة التي توصل إليها التحقيق من التقرير النهائي الذي أصدرته الأمم المتحدة خلال الصيف الماضي، بما فيه من معلومات أكدها أمراء الحرب أنفسهم· وبحلول مايو ،2007 وفي ظل الضغوط التي كان يتعرض لها مكتب المراقبة الداخلية، لم أجد بُداً من تقديم استقالتي، لكن ذلك لا يعني أني كنت الوحيد المستاء مما يجري، فقد عبر زملائي الذين يشرفون حالياً على التحقيق في تُهم موجهة ضد قوات حفظ السلام الهندية في الكونجو عن نفس التوجس من أن تلاقي نتائج التحقيق المصير ذاته الذي تعرضت له النتائج السابقة، ويتم تجاهل الأدلة والمعلومات للخروج بتقرير لا يدين أحداً· الأكثر من ذلك أن تقريريْن خارجييْن أُجْرِيا حول عمل مكتب المراقبة الداخلية، أشارا إلى قصور في أدائه ووجّها له انتقادات اعترفت بها مديرته الحالية ''إنجا-بريت ألينيس''، حيث قالت في لقاء مع ''واشنطن بوست'' -أجري معها الشهر الماضي-: ''إن السرية التي تغلف عمل المكتب لا تخدم أهدافنا''، لكن إذا كان الأمر كذلك، كما تقر مديرة مكتب المراقبة الداخلية، لماذا يستمر الوضع على ما هو عليه؟ ولماذا تأتي التقارير مبتورة وخالية من الأدلة؟ فمعروف أن المكتب يوظف أمهر المحققين وأكثرهم حنكة في مجال تخصصهم، وهم مطالبون باحترام معايير النزاهة والمصداقية، ومع ذلك لم يقم المكتب بما يلزم لضمان تقيد الإدارة بتلك المعايير، ولعل أحد الأسباب التي تدفع الإدارة في الأمم المتحدة إلى التخفيف من لهجة التقارير هو المشاركة الهندية والباكستانية الكبيرة ضمن قوات حفظ السلام الأممية، بحيث يسعى الجميع إلى تفادي إغضابهم خشية تعريض مهمة الأمم المتحدة في الكونجو للتفكك والانهيار· الواقع أني التقيت بالعديد من أفراد قوات حفظ السلام، ووجدت أن معظم الجنود محترفون ويلتزمون بالمعايير الدولية، بل هم مستعدون للتضحية بحياتهم لإحلال السلام في بلدان مثل الكونجو، لكن عندما تكتشف بعض التجاوزات، مهما كانت منفردة ونادرة، يتعين على الأمم المتحدة الاعتراف بها ومعاقبة المتورطين فيها، فلكي تضمن الأمم المتحدة نجاح مهامها في حفظ السلام وتقديم يد العون للسكان في البؤر المتوترة عليها ألا تغمض عيونها، أو تصم آذانها على السلوك السيئ الذي يطعن في مصداقيتها ويقوض جهودها، وسيكون الأمر صادماً حقاً أن يعجز الجهاز الرقابي داخل الأمم المتحدة في التصدي لادعاءات التعاون بين قوات حفظ السلام ومجرمي الحرب، فالمفروض أن تكون المنظمة الأممية مستعدة للتعامل مع الجرائم التي يرتكبها بعض عناصر حفظ السلام في المناطق الشرقية من الكونجو، كما يفترض بها أن تكون مستعدة لقول الحقيقة وعدم إخفائها· ماتياس باسانيسي نائب رئيس محققي الأمم المتحدة في الكونجو خلال الفترة بين 2005 و2007 ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©