الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأقليات في الصين... حزمة الخيارات المؤلمة

الأقليات في الصين... حزمة الخيارات المؤلمة
12 يوليو 2009 00:51
على بعد بضع خطوات من الزجاج المحطم والقضبان المعدنية المعوجة وغيرها من بقايا مطعم أحد أبناء قومية الإيجور المسلمة، يختبئ الآن «يي إيركينج» وأسرته؛ حيث آثر «يي» وزوجته، وشقيقه الأصغر، وشقيقة زوجته، وبنت أخيه، ووالدته، السلامةَ ولم يجازفوا بالخروج من شقتهم منذ ثلاثة أيام كانوا يأكلون خلالها الخبز الحافي والماء لا غير. فبعد الاشتباكات الدامية التي اندلعت بين المتظاهرين الإيجور وقوات الأمن الحكومية يوم الأحد الماضي في أورومتشي، عاصمة إقليم زينجيانج الواقع في أقصى غرب البلاد، قال «يي» إنه لم يكن يريد المخاطرة بأفراد أسرته والخروج إلى الشارع. غير أن الأمر لم يقف هنا، ففي حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا من يوم الثلاثاء، شنت مجموعات غوغاء من الصينيين «الهان»، الذين كانوا يحملون الهراوات والمطارق، هجوماً على المطعم الواقع قبالة شقة «يي»، ما أدى إلى تخريبه في وقت كان هو وعائلته يدعون الله ألا يصل إليهم أحد في الداخل. ويقول «يي»: «قلتُ في نفسي، إذا اقتحموا البيت، فإنها ستكون نهايتنا جميعاً». والواقع أن أسرة «يي» هي مجرد واحدة فقط من بين أسر كثيرة أخرى في أورومتشي وجدت نفسها في مفترق طرق غير متوقع عقب عنف هذا الأسبوع الذي حصد أرواح 156 شخصا على الأقل؛ حيث وجد «يي» وعائلته، الخائفين من جيرانهم «الهان» والمتعودين في الوقت نفسه على حياة المدينة، أنفسهم فجأة مضطرين إلى تقييم مزايا البقاء في مكان لم يعودوا يشعرون فيه بأنهم محل ترحيب، أو العودة إلى الريف حيث سيتقلص دخلهم إلى النصف على الأرجح. وفي يوم الأربعاء، اتخذ «يي» وزوجته، «مو هيتي»، القرار المؤلم بالعودة إلى منطقة «إيلي» الريفية شمال زينجيانج، منضمين بذلك إلى عملية هجرة كبيرة للأقليات الإثنية من أورومتشي بدت واضحة في محطات الحافلات والقطارات خلال الأيام الأخيرة. وقبل ليلة الثلاثاء، كان الرجل يعتقد أن أعمال العنف ستمر بسرعة وأن الحياة في أورومتشي ستعود إلى طبيعتها. ذلك أن «يي»، 40 عاماً، وهو من أصل كازاخستاني، وزوجته «مو»، 36 عاماً، وهي من قومية الإيجور، وبقية أفراد عائلتهما الكبيرة، يعيشون في هذه المدينة منذ ثماني سنوات، حيث يعمل مترجماً من الصينية إلى الروسية. وكان أفراد عائلته قد تعودوا على هذه الحياة وأحبوها؛ ففي شهر جيد، يستطيع «يي» كسب ما قد يصل إلى 3000 يوان، أو حوالي 450 دولاراً، وهو مبلغ جيد بالنظر إلى أن عائلته كلها كانت بالكاد تستطيع تدبر أحوالها بالـ75 دولاراً في الشهر التي كانت تجنيها من زراعة عباد الشمس والقطن في بلدتها الأصلية. غير أن عشقه لأورومتشي يتعدى أيضاً المال. ذلك أن «يي» من عشاق لعبة «ماجونج»، وهي لعبة صينية تقليدية يلعبها «الهان»، وقد اعتاد على لعبها مع الأصدقاء؛ في حين تحب «مو» الجلوس خارج البيت مع صديقاتها لاحتساء الشاي ومشاهدة المدينة وهي تعج بالحركة. أما ابنة أخ «يي»، واسمها «يي زيانج»، 12 عاماً، فقد كانت التلميذة الوحيدة التي تنحدر من أقلية عرقية في إحدى أجود المدارس الابتدائية في المدينة وكان لديها أصدقاء وصديقات من أبناء الصينيين «الهان»؛ وكانت تتعلم اللغة الإنجليزية وكثيراً ما كانت تتحدث عن رغبتها في مواصلة الدراسة في الجامعة حتى تصبح طبيبة. غير أن كل ذلك يبدو الآن بعيداً في ضوء أعمال العنف الأخيرة، كما يقول «يي» و«مو». والواقع أن التوترات بين السكان «الهان»، الذين يشكلون الأغلبية في الصين، وسكان إقليم زينجيانج الأصليين -ومعظمهم من الإيجور، وهم مجموعة إثنية من الشعوب التركية؛ والكازاخ، الذين يتركزون في المناطق الحدودية مع كازاخستان ومعظمهم مسلمون ويتحدثون لغتهم التركية الخاصة بهم- موجودة منذ أن دخلت القوات الصينية زينجيانج قبل 60 عاماً. وتقول الصين دائماً إنها «حررت» السكان، ولكن العديد من الإيجور والكازاخ يشتكون من السياسات الحكومية التي يقولون إن هدفها هو القضاء على لغتهم وثقافتهم وديانتهم باسم الاندماج والانصهار. والواقع أن شكاويهم شبيهة بشكاوى سكان إقليم التيبت، وهم مجموعة أخرى من الأقليات الإثنية الـ56 المعترف بها رسمياً في الصين. ففي مارس 2008، اندلعت في التيبت احتجاجات ضد الحكم الصيني سرعان ما تحولت إلى أعمال عنف. وعلى غرار سكان التيبت خلال العام الماضي، يشتكي الإيجور من ازدواجية معايير الحكومة بخصوص كيفية تعاملها مع مرتكبي أعمال العنف -اعتقال الإيجور بأعداد كبيرة في الوقت الذي تترك فيه الصينيين «الهان» أحراراً طلقاء. وعلاوة على ذلك، فقد شهدت منطقة زينجيانج خلال السنوات الأخيرة تدفقاً كبيراً للصينيين «الهان» الذي جذبهم «برنامج تنمية الغرب» الحكومي الطموح، الذي يسعى إلى استنساخ نجاح المناطق الساحلية الأغنى في غرب البلاد. ونتيجة لذلك، قفز سكان المنطقة «الهان» من 6 في المئة عام 1949 إلى أزيد من 40 في المئة عام 2000، وفق آخر إحصاء. وإذا كان البرنامج قد رفع دخل السكان في المنطقة، فإنه أفضى في الوقت نفسه إلى تشكل هرمية غير مريحة: الكثيرون من رؤساء العمل الجدد من «الهان» في حين أن العمال من الأقليات الإثنية. وتُظهر أعمال الشغب الدموية التي اندلعت يوم الأحد مدى عمق انعدام الثقة بين الصينيين «الهان» والمجموعات الإثنية الأخرى، ومدى السرعة التي يمكن أن يتصاعد بها خلاف صغير ويتخذ أبعاداً خطيرة. فقد بدأ العنف بعد انتشار إشاعة كاذبة على الإنترنت حول اغتصاب فتاتين من «الهان» من قبل عاملين من الإيجور، مما أدى إلى اندلاع شجار في مصنع للعب في مدينة شاوجوان الواقعة جنوب البلاد، أسفر عن مقتل رجلين من الإيجور. غير أن التحقيق في مقتل العاملين، الذي شعر بعض الإيجور بأنه غير كافٍ، أدى إلى اندلاع مظاهرة احتجاجية في أورومتشي يوم الأحد. وسرعان ما خرجت المظاهرات عن نطاق السيطرة بعد أن أطلقت القوات شبه العسكرية النار على المحتجين، وقام مثيرو أعمال الشغب بإحراق السيارات والمحال التجارية. ويقول عدد من المارة «الهان» إنهم هوجموا بدون أن يصدر عنهم أي عمل استفزازي. وبعد يومين على ذلك، اندلعت أعمال العنف بعد أن شنت مجموعات من «الهان» هجمات انتقامية على الإيجور. وفي هذه الأثناء، تقول الحكومة الصينية إن الوضع في أورومتشي اليوم بات تحت السيطرة؛ غير أن إصلاح الأضرار النفسية التي تركها العنف الإثني على السكان المحليين سيستغرق وقتاً طويلا بدون شك. أريانا أونجانج تشا - أورومتشي، الصين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©