الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كولومبيا: نتائج باهتة للحرب على الفقر

22 ابريل 2010 01:29
بعد مضي ثماني سنوات على تولي الرئيس "ألفارو أوريبي" الحكم في كولومبيا، وإنفاقه للمليارات من دولارات المساعدات الأميركية من أجل القضاء على المليشيات الماركسية، أصبحت تلك الدولة بلداً أكثر أماناً بالنسبة للسكان البالغ تعدادهم 45 مليون نسمة، وأيضاً بالنسبة للمستثمرين الذين تدفقوا عليها بشكل ملحوظ. ومع ذلك تكشف معدلات الفقر المرتفعة للغاية في ذلك البلد واقعاً شديد القسوة: فعلى رغم تحسن الحالة الأمنية، والنمو الاقتصادي القوي، إلا أن كولومبيا أخفقت في التخفيف من حدة البؤس الذي يغذي نار الصراع المحتدم هناك منذ ما يزيد عن 46 عاماً، كما يغذي تجارة المخدرات التي تقف وراءه. والراهن أن ما يطلق عليه علماء الاجتماع هنا "النتائج الباهتة" في مقاومة الفقر، بات موضوعاً انتخابيّاً يناقش على نطاق واسع قبل انطلاق الانتخابات في شهر مايو المقبل والتي سيختار فيها الكولومبيون رئيساً جديداً لبلادهم يخلف "أوريبي" الذي يعتبر من أقرب حلفاء واشنطن في أميركا اللاتينية. ويقول الخبراء المهتمون بالصراع الدائر في ذلك البلد إنه ما لم تنجح كولومبيا في تخفيف تدريجي لحدة الفقر الذي تصل نسبته إلى 43 في المئة، فإنها يمكن أن تنتكس، في أية لحظة، على رغم مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية. ويقول النائب الأميركي جيم ماكجفرن ("ديمقراطي" من ولاية ماساشوسيتس)، الذي سافر كثيراً إلى كولومبيا منذ عام 2001: "إن المشكلة ليست في وجود فقر في كولومبيا، ولكنها تكمن في أن بعض هذا الفقر قد وصل إلى حدود قصوى". وهذا الفقر، والهوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء، يتجسد بأجلى صوره هنا في بلدة "الجاروبو" المطلة على الكاريبي، التي تتكون في معظمها من طرق ترابية ومزارع مهجورة ولا يزيد عدد سكانها عن 12 ألف نسمة. ففي هذه البلدة تتلقى إحدى عائلاتها الأكثر ثراء وهي عائلة "دافيلاس" التي تمتلك مساحة شاسعة من مزارع النخيل ما يقرب من مليون دولار منحة عن طريق برنامج تتولاه وزارة الزراعة ويقدم منحاً بملايين الدولارات للعائلات الموسرة في مختلف أنحاء كولومبيا.. في الوقت الذي لا يتلقى فيه الملايين من المزارعين البائسين سوى جزء ضئيل من مساعدات هذا البرنامج مما ساعد على إبقائهم في حالة الفقر المدقع المستدام. وقد أدى الكشف عن الدعم الذي يقدم لعائلة "دافيلاس" والعديد من العائلات الموسرة الأخرى في كولومبيا من قبل مجلة "كامبيو" في شهر أكتوبر الماضي، إلى إشعال فتيل سجال حاد يتحول إلى جدل مرير أحياناً حول ما إذا كانت حكومة الرئيس "أوريبي" تحكم من أجل مصلحة الأغنياء أم من أجل الفقراء؟! ومن المعروف أن حكومة "أوريبي" تتباهى كثيراً بنجاحها في توجيه ضربات قاصمة للعصابات المتمردة التي كانت تبدو وكأنها لا تقهر في فترة من الفترات، وقد حققت حكومة "أوريبي" ذلك بدعم من المساعدات العسكرية الأميركية التي بلغت قيمتها 7.3 مليار دولار منذ عام 2000، وبنجاحها في مضاعفة الناتج القومي الإجمالي منذ عام 2002 وهو العام الذي تولى فيه "أوريبي" الحكم بفضل الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على البلاد. وعلى رغم هذه الإنجازات فإن هناك كولومبيا أخرى لا تتحدث عنها الحكومة كثيراً وهي كولومبيا التي تفاقمت فيها مظاهر عدم العدالة، وازدادت فيها بشكل مطرد الفجوة بين الأغنياء والفقراء خلال السنوات الأخيرة وفقاً لتقرير "المفوضية الاقتصادية لأميركا اللاتينية" حيث ارتفعت نسبة الفقراء المعدِمين في البلاد من 20.2 في المئة عام 2007 إلى 23 في المئة عام 2008. أي ضعف المعدل السائد في البلدان الأميركية اللاتينية الأخرى. ووفقاً للمفوضية المذكورة انخفضت نسبة الكولومبيين الذين يعانون من الفقر من 51 في المئة عام 2002 إلى 43 في المئة عام 2008 ولكن التناقض بين كولومبيا وبين باقي دول أميركا اللاتينية يبدو حاداً مع ذلك. ففي البرازيل على سبيل المثال التحق 32 مليون فقير بالطبقة الوسطى في البلاد منذ عام 2003 وحتى الآن. كما انخفضت نسبة الفقر في بيرو من 55 في المئة عام 2002 إلى 36.2 بعد ذلك بستة أعوام. ومع ذلك يقول "مارسيلو جيوجيل" مدير البنك الدولي المساعد لشؤون الحد من الفقر في أميركا اللاتينية إن خفض نسبة الفقر بما يزيد عن 1 في المئة سنويّاً كما فعلت كولومبيا يعد شيئاً محترماً". وكذلك مسؤولو الحكومة الكولومبية ذاتهم يعترفون بأن الفقر لا يزال ظاهرة واسعة الانتشار في المناطق الزراعية من البلاد.. كما يقول "ألخاندرو ريس" خبير الأراضي ومؤلف كتاب: "محاربون وفلاحون : نهب الأراضي في كولومبيا" إن حكومة "أوريبي" تعطي أولوية لمنح الإعانات الباهظة لأصحاب المزارع الكبيرة لأنها تعتقد أن أصحاب هذه المزارع أقدر من غيرهم من الفلاحين الصغار على إحياء الاقتصاد الزراعي. وفي ولاية "مجدلينا" الفقيرة التي تتبعها بلدة "الجاروبو" المذكورة يقول مزارع ميسور يُدعى "ألفونسو فيفيس كاباليرو" إن مزرعته الكبيرة التي تزيد عن خمسين فداناً إنجليزيّاً قد تلقت دعماً حكوميّاً بقيمة 200 ألف دولار، ولكنه حصل على هذا الدعم من خلال خطوات قانونية وليس من خلال أي صفقة مسبقة مع مسؤولي الحكومة. وعندما ثارت أقاويل عن ذلك الدعم، جاء وفد من الموظفين الرسميين لزيارة المزرعة وتبين لهم أن هذا الدعم قد استخدم في شراء نظم ري حديثة تساهم في رفع الإنتاج الزراعي. أما الفلاحون الفقراء في المنطقة فيقولون إنهم لا يحسدون عائلة "كاباليرو" على الدعم الذي حصلت عليه، ولكنهم يتساءلون فقط: لماذا لم تقم الحكومة بتقديم دعم لهم هم أيضاً على رغم حاجتهم الماسة إلى ذلك. ويقول أحد هؤلاء ويدعى "إيليميليث رودريجيز" بنبرة لا تخلو من شعور بالمرارة: "إن المزارعين الصغار الفقراء يحتاجون هم أيضاً إلى المساعدة... أليس كذلك". جوان فوريرو - كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©