السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورات ليست دائماً دموية

الثورات ليست دائماً دموية
9 مارس 2011 19:35
بعد سنوات طويلة من الصمت التام أو الإدانة لكلمة الثورة ومعناها، عاد الحديث مجددا في الساحة المصرية والعربية عن مفهوم الثورة وتاريخ الثورات، ذلك أن ما حدث في مصر ابتداء من 25 يناير 2011 وحتى تنحي الرئيس مبارك أو تخليه عن السلطة أطلق عليه “ثورة”. ويجب أن نذكر أن ما جرى في مصر يوم 23 يوليو 1952 أطلق عليه في البداية لفظ انقلاب، ثم حركة، أو الحركة المباركة، وأخيرا استقر الأمر على اعتباره ثورة، وقد استغرق ذلك أكثر من عامين، لكن ما جرى يوم 25 يناير، كان مظاهرات ثم انتفاضة وأخيرا ثورة، واستغرقت هذه التحولات والتبدلات أياما، وكان مفهوم الثورة محملا بالإدانة منذ الانتقادات الحادة لثورة يوليو 1952 وممارساتها السلطوية، ثم انهار الاتحاد السوفياتي الذي بني على ثورة 1917، وكل هذا أخذ الوعي العربي بعيدا عن معنى “الثورة” ومفهومها، حتى أن بعض المفكرين باتوا يستعملون عبارات أخرى مثل النهضة والتطور والاصلاح وغيرها. وبناء على ذلك، أعاد المفكر السوري الطيب يرنين النظر في مشروعه “من التراث إلى الثورة” ليصبح “من التراث إلى النهضة. 4 ثورات ويبدو أن سوق النشر في مصر سوف تشهد قريباً رد الاعتبار لمفهوم الثورة واصدار العديد من الدراسات حولها، ووجدنا الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة تصدر كتاب “دراسات تحليلية للثورات” للمؤلف الأميركي كرين برنتون وترجمة عبدالعزيز فهمي ويتناول الكتاب بالدراسة أربع ثورات هي الثورة الإنجليزية في القرن السابع عشر، ثم الثورة الفرنسية، وبعدها الثورة الأميركية، وأخيراً الثورة الروسية عام 1917. والكتاب كما نرى ليس فيه أي شيء عن منطقتنا ولا عن بلادنا ولا الثورات التي عرفتها وعاشتها في مراحل مختلفة من تاريخها. ومن الصعب الحديث عن نظرية للثورات تحدد كل شيء عنها، وليس هناك قانون موحد لها، فما يحدث في مجتمع قد لا يكون هو نفسه في بلد آخر، ومن ثم ليس هناك “كتالوج” للثورة نطبقه هنا وهناك، لكن هناك بعض الملامح المتشابهة، بين حالة وأخرى، مثلا في فرنسا وفي روسيا، قبل قيام الثورة يتزايد الحديث العقلي عنها ويزداد الوعي بالتوتر الاجتماعي والغضب لدى فئات بأكملها، ويمكن أن يكون هناك من يتوقع قيام الثورة أو يتنبأ بها، كما فعل أرجنون الذي تنبأ بالثورة الفرنسية قبل وقوعها بأربعين عاما، لكن الملاحظ أن الناس لا يتوقعون قيام الثورة في حياتهم وأمام أعينهم، بل يتوقعونها في فترة بعيدة، قد تكون في عصر أبنائهم وربما أحفادهم، لذا فإنها حين تقوم تفاجئهم تماما. وهناك دلائل عامة في المجتمع على إمكانية قيام الثورة أو توقع حدوثها مثل العجز المالي للحكومة عن تلبية مطالب واحتياجات المواطنين، والشكاوى من فداحة الضرائب، وانحياز الحكومة لمجموعة من المصالح الاقتصادية على حساب مصالح أخرى، وفقدان الثقة بين أعضاء الطبقة الحاكمة، وازدياد حدة التناقضات الاجتماعية، فضلا عن إغلاق أبواب العمل أمام ذوي الكفاءات مما يؤدي إلى نوع من التمييز الاجتماعي. وعادة تشهد السنوات التي تسبق اندلاع الثورة سيلا من الاحتجاجات ومظاهرات الغضب العارم ضد استبداد الحكومة وطغيانها، فضلا عن صدور الكثير من الكتب والأعمال الإبداعية التي تندد بالظلم وتمتلئ بالشكوى من أوضاع ونظم فاسدة، ويصاحب ذلك ازدياد أنشطة الجماعات الضاغطة صاحبة المصلحة. ورغم مظاهر الغضب والسخط فإن الحكومة عادة لا تستطيع أن ترتفع إلى مستوى مطالب المعارضين لذا تسارع الى محاولة قمع الخصوم، وعادة تفشل مما يزيدهم قوة ويكسبهم انصارا جددا ومع قيام الثورة قد ينضم اليها بعض افراد الطبقة الحاكمة. التطور والثورة واخطر ما في الثورات أعمال العنف والإرهاب التي تصاحبها، ذلك أن ازاحة طبقة او مجموعة من الحكم لتحل محلها مجموعة أخرى ترتبط بعمليات عنف وإرهاب او تصفيات وتطهير، وابرز نموذج على ذلك الثورة الفرنسية فقد عرفت ما يعرف بعهد الإرهاب وعمليات الاطاحة بالخصوم التي قام بها “روبسبير” وراح ضحيتها مئات القتلى، والأمر نفسه نجده بصورة أشد قسوة وحدة مع الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، حيث تمت الإطاحة بالأسرة القيصرية والعناصر المرتبطة بها، لكن العنف والارهاب لا يأتيان دائما من جانب الثوار او من قاموا بالثورة، ذلك أن النظم القديمة عادة ما تقابل المعارضين الثوار في البداية بعنف وقسوة، تصل إلى حد اطلاق الرصاص والإبادة الجماعية لهم. العنف ليس ضروريا ولا لازما للثورة، هناك ثورات سلمية، كما حدث في بريطانيا عام 1945 حيث تسلم الحكم الاشتراكيون “حزب العمال” عبر صناديق الانتخابات، واعتبرها الأميركيون ثورة وأطلقوا عليها “الثورة بالتراضي” لكن الكثيرين حتى في بريطانيا نفسها لم يعتبروها ثورة، ويمكن القول كذلك إن ما حدث في فرنسا مع ثورة الشباب عام 1968 كان ثورة أدت إلى قيام ما بات يعرف الجمهورية الرابعة ولم يصاحبها عنف ولا إرهاب لكن كثيرا من الدارسين والمتابعين في فرنسا يرون ما حدث ثورة بالمعنى الكامل. المؤلف الأميركي يقول: “نحن الأميركيين نبدو في كثير من النواحي مجتمعا مستقرا وسط مجتمعات تخوض تغييرا ثوريا ـ اننا نخاف قليلا من الثورات ـ النوع الخطأ من الثورات والثورات الشيوعية او الفاشية”. وينحاز المؤلف إلى مفهوم سائد في اميركا هو “التطور لا الثورة” ويرى ان التطور هو الذي يمكن ان يجنب المجتمع الثورة. الكتاب: دراسات تحليلة للثورات المؤلف: كرين برنتون ترجمة: عبدالعزيز فهمي مراجعة: د. محمد أنيس الناشر: الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©