الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بينا نيتو».. صديق كوبا الجديد

14 مارس 2014 23:12
هناك العديد من النظريات التي تدور حول أسباب تقرب المكسيك إلى نظام كوبا وغض النظر عن قيام الرئيس الفنزويلي «نيكولا مادورو» باستخدام أساليب عنيفة ضد المظاهرات التي تجتاح الشوارع، ولكنني أعتقد أن أكثر هذه النظريات مصداقية تتلخص في كلمة واحدة هي «الخوف». وقد أخبرني محللون مطلعون في مجال السياسة الخارجية بأن تجاهل الرئيس المكسيكي «إنريك بينا نيتو» للدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية في كوبا وفنزويلا يرجع جزئياً إلى الخوف من أن تستخدم هاتان الدولتان نفوذهما مع الحركات اليسارية في المكسيك لإثارة المشاكل في البلاد. وقد مرر «بينا نيتو» في الآونة الأخيرة إصلاحات طموحة في مجالات الطاقة والتعليم والاتصالات، لاقت ترحيباً من «وول ستريت»، ولكنها واجهت معارضة من معظم الحركات اليسارية في المكسيك. وآخر ما يريده الرئيس «بينا نيتو» هو أن تشجع كوبا وفنزويلا تلك الجماعات اليسارية لعرقلة الموافقة على هذه الإصلاحات في الكونجرس، أو من خلال تحريك المظاهرات في الشوارع. ومن جانبه، ذكر «ميجل هاكيم» وكيل وزارة الخارجية المكسيكية السابق لشؤون أميركا اللاتينية، أن «الموقف من كوبا وفنزويلا يراعي قضايا السياسة الداخلية في المكسيك. وأن حكومة بينا نيتو لا تريد منهما إثارة المتاعب والاضطرابات في البلاد، بينما يحاول الرئيس تنفيذ إصلاحاته في مجالي الطاقة والتعليم». وفي نهاية العام الماضي، بادر الرئيس «بينا نيتو» بإعفاء ما يقرب من 70 في المئة من ديون كوبا لبلاده التي تبلغ نحو 500 مليون دولار. وفي هذا الصدد، ذكر وزير المالية المكسيكي لويس فيديجاراي، أن بلاده تعتزم شطب 70 في المئة من إجمالي ديون كوبا خلال العقد الماضي، والبالغة 487 مليون دولار. وأضاف أن الـ30 في المئة المتبقية سيجرى سدادها خلال العقد المقبل لتعزيز العلاقات الاقتصادية «الوثيقة» بين البلدين. وخلال زيارة رسمية للجزيرة في شهر يناير، التقى الرئيس المكسيكي والزعيم الكوبي شبه المتقاعد «فيدل كاسترو» وأثنى عليه باعتباره «الزعيم السياسي والمعنوي لكوبا» كما ظلت حكومة الرئيس المكسيكي صامتة إلى حد كبير تجاه نظام الرئيس «مادورو» أثناء تعامله مع المظاهرات التي عمت الشوارع وخلفت ما يقرب من 20 قتيلاً. وقد ذكر لي مساعدون مقربون من الرئيس «بينا نيتو» أن البراجماتية (أو الواقعية) هي البوصلة المرشدة لسياسة المكسيك الخارجية. هذا إلى جانب رغبة البلاد في أن تكون لاعباً رئيسياً في المجتمع الدبلوماسي لأميركا اللاتينية. وخلال الحكومات الأخيرة للرئيس «فيسنتي فوكس» (2000- 2006) و«فيليبي كالديرون» (2006 – 2012)، تبنت المكسيك موقفاً أكثر تأييداً لحقوق الإنسان والديمقراطية بالنسبة لكوبا وفنزويلا، مما أغضب قادة هذين البلدين. وخلال المقابلة التي أجريتها معه الأسبوع الماضي، قال لي «أوريليو نونو» رئيس الأركان المكسيكي: «لدينا وجهة نظر واقعية للغاية حول كيفية ممارسة سياستنا الخارجية. ففي حالة فنزويلا، نفضل أن نتحلى بالحكمة. فنحن لا نعتقد أن المواقف الحادة ستؤدي إلى نتائج مثمرة». والحال أن معظم دول أميركا الجنوبية، وفي مقدمتها البرازيل، تدعم علناً حكومة «مادورو» في فنزويلا. ولكن تأييد البرازيل لكوبا وفنزويلا -الذي هو أكثر وضوحاً من المكسيك- لا يشكل مفاجأة كبيرة، لأنه يتفق مع سياسة البرازيل الخارجية السلبية فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في السنوات الأخيرة. وفي سعيها لكي تصبح قوة في العالم الثالث، أصبحت البرازيل صديقاً لبعض أكثر النظم عنفاً في الأميركتين وأفريقيا وآسيا. كما تتبع حكومة البرازيل اليسارية سياسات اقتصاد السوق الحر، بينما تحافظ على دعم قاعدتها اليسارية من خلال السياسة الخارجية المؤيدة لكل من كوبا وفنزويلا. كما استثمرت البرازيل أيضاً بكثافة على مدار العشر سنوات الماضية في مشروعات النفط والبنية التحتية في هاتين الدولتين. ومن بين حكومات أميركا اللاتينية القليلة التي أعربت عن قلقها إزاء احتقان الوضع في فنزويلا تأتي تشيلي والبيرو وكولومبيا وبنما. وقد ذكر لي الرئيس التشيلي المنتهية ولايته «سيباستيان بينيرا» خلال مقابلة أجريتها معه الشهر الماضي أن دول أميركا اللاتينية «تتشارك في التزامها بالدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ليس فقط داخل حدودنا، ولكن أيضاً خارجها». وفي رأيي الشخصي أن سياسة «بينا نيتو» تجاه كوبا وفنزويلا لا تتصف بـ«البراجماتية» ولكنها -إلى جانب التجاهل السلبي لمعاهدات أميركا اللاتينية التي تلزم الدول بالدفاع عن الحريات- هي حالة نموذجية لرد الفعل المفرط في الدبلوماسية. وإن أراد «بينا نيتو» إبعاد كوبا وفنزويلا عن إثارة الحركات اليسارية في المكسيك، فقد كان بوسعه فعل ذلك من خلال دبلوماسية مهذبة بدون الحاجة إلى أن يصف بـ«الزعيم المعنوي» زعيماً مصنفاً غربياً على أنه ديكتاتور ولم يسمح بإجراء انتخابات حرة طوال خمسة عقود. وفي محاولة لإبعاد نفسه عن سابقيه، ربما بالغ «بينا نيتو» في الوصف. وبالإضافة إلى ذلك، فإن صداقة «بينا نيتو» الجديدة مع كوبا ستسيء إلى صورة المكسيك. فمع تمرير المكسيك في الآونة الأخيرة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها تحولت مرة أخرى إلى دولة محبوبة في أوساط المجتمع المالي الدولي، ولكن إذا كانت المكسيك ترغب في ترويج نفسها للعالم كديمقراطية حديثة، فإنها لن تساعد نفسها من خلال الاصطفاف مع كوبا وفنزويلا. إن المكسيك ستجد صعوبة في الانضمام إلى العالم الأول إذا ما احتضنت بعض الأنظمة المصنفة في الخانة السلبية في العالم الثالث. ‎أندريس أوبنهايمر صحفي أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©