الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من مسرح «ثيربانتيس»

من مسرح «ثيربانتيس»
9 مارس 2011 19:40
كان ميجيل دي ثيربانتيس أهم كاتب إسباني في مطلع العصر الذهبي لأدبهم، وقبل أن يؤسس لفن الرواية العالمية شغف بالمسرح، وقد شغل في بداية حياته بكتابة قطع قصيرة تتخلل العروض المسرحية وتتخلص من الطابع الديني لتتناول قضايا الحياة المباشرة، ثم مالبث أن عمد إلى تجاربه الشخصية ليجسدها على المسرح، فكتب عن فترة أسره في الجزائر مسرحية بعنوان “تجربة الجزائر” ولكنه لم يلبث أن راجعها وأضاف إليها أبعادا نفسية وتجارب روحية وعاطفية في مسرحية أخرى بعنوان “حمامات الجزائر”. غير أن المسرحية التى اعتبرت قمة أعماله تسمى “نومانثيا” numancia وهي أقدم مأساة كبرى في الأدب الإسباني. وقد ظفرت بتقدير منقطع النظير لدى المفكرين ابتداء من القرن التاسع عشر، إلى الحد الذي اعتبروها واحدة من أعظم المآسي الإنسانية بعد أعمال “سوفوكليس” وغالى في الاعتداد بها الكتاب الرومانسيون خاصة الألمان مثل شليجل وشوبنهور وشيلي. يقول عنها شوبنهور: “لقد صور فيها ثيربانتيس انتحار شعب بأكمله”.. وذلك لما تمجده من بطولات جماعية تصل إلى حافة الجنون، ولكنها تتلفع برداء أسطوري محبب يعطيها قوة درامية، على الرغم من ارتكازها على قاعدة تاريخية صلبة، وموضوعها هو العمل الفدائي، وقد ترجمت إلى العربية محرفة بعنوان “ثورة الفلاحين” واختاره المترجم الدكتور حسين مؤنس ليناسب عصر عبدالناصر. تستمد المسرحية أحداثها التاريخية مما جرى بالفعل لمدينة “نومانثيا” التى كانت عاصمة لإسبانيا القديمة منذ سنة 133 قبل الميلاد، عندما حاصرها القائد الروماني “أشيبيون”، فلما لم يجد أهلها مفرا من الاستسلام قرروا القيام بعمل انتحاري هائل، أشعلوا نارا هائلة مثل الجحيم وقذفوا كل شيء فيها، ثم ما لبثوا أن ألقوا بأنفسهم كذلك، والتهمت النيران البلد بأكملها فلم ينج منها إلا طفل صغير رمى بنفسه من فوق أبراج المدينة أمام الأعداء الذاهلين. وتقع المسرحية فى أربعة فصول، وتحكي بطريقة ملحمية قصة هذه المأساة بقوة وأصالة، إذ يرسم لنا المؤلف في ثناياها لوحة ناطقة للجوانب الإنسانية في العلاقات الفردية والعائلية ذات الأطراف المتعددة، وكلها تصب في تيار واحد من العواطف الحارة التي تتدفق بها هذه المواقف الجريئة. فنرى مثلا عاطفة الأمومة المتقدة أو مشاعر الحب بين فتى وصبية خلال المحنة، وهذا هو الميدان النفسي الذي يبرع فيه المؤلف، وقد كان هو نفسه شديد الإحساس بذلك، وعلى الرغم مما عيب على المسرحية من تعدد أطرافها في لوحات سريعة ذات طابع ملحمي، وتقديمها لبعض الشخصيات الرمزية مثل تشخيص اسبانيا ونهر الدويرو فإن ذلك اعتبر من قبيل المجاز الخصب الذي لا يكسر التصور الواقعي للأحداث، خاصة وهي تتنبأ بأن المدينة بعد احتراق الأخضر واليابس فيها لن تلبث أن تشرق عليها الشمس مرة ثانية لتنعم بمجد خالد سطرته بطولات أبنائها الأبرار مما يوحي بالمغزى التاريخي والإنساني النبيل للتضحيات الخلاقة. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©