الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المنظمات الإنسانية... والفاعلية المهنية في أفغانستان

المنظمات الإنسانية... والفاعلية المهنية في أفغانستان
13 يوليو 2009 01:01
قال القائد الجديد لقوات التحالف في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال: «إن الشعب الأفغاني هو محور مهمتنا، بل إنه هو المهمة نفسها». وكان الجنرال ذو الأربع نجمات يرتدي الزي العسكري، ولكن كلماته بدت كما لو أنها صادرة عن شخص مدني. وعندما شرح الرئيس أوباما في شهر مارس الماضي كيف أن الولايات المتحدة تعتزم «تفكيك وهزيمة القاعدة في باكستان وأفغانستان»، أمر أيضاً بـ «زيادة الجهد المدني» في أفغانستان. ولكن لتكن الأمور واضحة من البداية: إن الجزء المدني من العمليات الأميركية هنا في أفغانستان خاضع للجهد العسكري، والاثنان يُعرفان معاً بـ«المقاربة المتكاملة». بيد أن مشكلة هذه المقاربة تكمن في أنه حين تقوم الهياكل العسكرية بمهام مدنية أو تشرف عليها، فإن العمل الإنساني غير العسكري يصبح في أحيان كثيرة مسيّساً ومعسكراً، ويصبح الفرق بين الاثنين ضبابياً وصعب التحديد. وبالتالي، فإذا نُفذت «الزيادة المدنية» مثلما هو مخطط لها، فإنها يمكن أن تزيد الأمور سوءاً هنا؛ ذلك أن إدخال مزيد من المدنيين ضمن الهياكل العسكرية يعني عسكرةً أكبر لما هو في الأصل عمل إنساني بحت. وهذا لا يخدم مصلحة الشعب الأفغاني، الذي يتوقع الأمن من قوات التحالف، والمساعدةَ من وكالات المساعدة المدنية. والوجهة الرئيسية لهذه «الزيادة» هي فرق «إعادة الإعمار الإقليمية»، التي يُنتقد أداؤها في أفغانستان من قبل المنظمات الإنسانية العاملة هناك، حيث قال عامل ميداني من منظمة غير حكومية أوروبية إنها تتصرف «كثور في دكان خزف». وحين كنتُ أعمل في مدينة جلال آباد الواقعة شرق البلاد، العام الماضي، سمعت قصصاً كثيرة ينطبق عليها هذا الوصف؛ والضحايا الرئيسيون فيها هم الأهالي الذين كانت فرق «إعادة الإعمار الإقليمية» تسعى لمساعدتهم. وفي هذا الإطار، حكى لي أفغاني يعمل مع منظمة آسيوية غير حكومية كيف أن 15 مركبة «هامفي» عسكرية دخلت مجمعهم بدون سابق إشعار، ثم شرع «الفرنجيون» (ومعناها «الأجانب» لدى الأفغان) ببدلاتهم العسكرية يجرون فحوصات طبية سريعة -45 ثانية لكل مريض- حرصوا أثناءها على التقاط الصور لعمليات الفحص من أجل توثيق مساعداتهم للسكان. (بعد شكاوى من المنظمات غير الحكومية، أعلن الأميركيون أنهم أمضوا فعلا ما متوسطه 105 ثوانٍ على كل مريض، وليس 45 ثانية فقط). ثم هناك المرة التي زار فيها عسكريون أميركيون مؤسسةً خيرية للأيتام من أجل توزيع الأقلام والدفاتر، كما حُكي لي؛ غير أن الأميركيين الذين كانوا يرتدون بدلات عسكرية ومسلحين أفزعوا موظفات المؤسسة والأطفال الصغار. وقد زرتُ جلال آباد مرة أخرى في شهر مايو، ومازالت وكالة المساعدات التي أعملُ معها، «لجنة الإغاثة الدولية»، تواصل تنفيذ برامجها هناك؛ غير أن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية حتى الآن يعني أننا مضطرون للاعتماد على موظفينا الأفغان الذين نثق بهم. وقد زرتُ فرق «إعادة الإعمار الإقليمية» في جلال آباد، حيث استقبلني مسؤول الشؤون المدنية الذي قال لي ولزميل أفغاني إن الأميركيين لم يعودوا يخرجون إلى البلدات بدون دعوة. قلتُ له إن الخطر مازال قائماً بالنسبة للسكان المحليين الذين تتصل بهم فرقُ إعادة الإعمار الإقليمية - والذين يمكن أن يوصفوا بـ «العملاء»- ولكن المسؤول لم يرَ أي مشكلة في ذلك وقال: «إن وجودنا يرغمهم على الاختيار: إما أن يدعموا الحكومة أو يدعموا طالبان»، مضيفاً «لابد من بعض الشجاعة إن كانوا يريدون الحرية، فالحرية لا تأتي بالمجان». إن التوجيهات التي لدى فرق «إعادة الإعمار الإقليمية» بـ «الفوز بالعقول والقلوب» وبتنفيذ «مشاريع ذات وقع سريع»، إنما تليق بمساعدات خيرية أكثر منها باستراتيجية لإعادة الإعمار والتنمية معاً. وبعبارة أخرى، فإن فرق «إعادة الإعمار الإقليمية» هي أداة عسكرية تحاول القيام بمهام مدنية. ونتيجة لذلك، فإنها تُضعف الفَرق والتمييز الضروريين بين الأهداف التنموية لعمال المساعدات الإنسانية، والأهداف السياسية- العسكرية لقوات التحالف. إن أعمال الإنقاذ والتنمية تتم على نحو أكثر فعالية حين تتولاها وكالاتُ مساعدات مستقلة وذات تجربة تعمل بشراكة مع الأهالي الذين تخدمهم. ثم إن أعضاء المنظمات غير الحكومية الرئيسية في أفغانستان معظمهم مواطنون (99 في المئة من لجنة الإغاثة الدولية هم أفغان) ويعرفون اللغات والثقافة المحلية؛ وبالتالي، فإنهم لا يحتاجون إلى حماية باهظة. كما أنهم يتمتعون بتجربة كبيرة في توزيع المساعدات. وعلاوة على ذلك، فإن معظم المنظمات غير الحكومية تعمل مع الأفغان منذ عدة سنوات وهي ملتزمة بإرساء الاستقرار في البلاد. إن المدنيين في أفغانستان عالقون بين «طالبان» وقوات التحالف. ولكن المنظمات الإنسانية لا يمكنها أن تكون فِرقاً لـ«تعزيز قدرات الجيش» أو لـ«تنظيف ما تخلفه المعارك»؛ بل إنها هي الوحيدة التي تتمتع بما يكفي من الحياد لتوفير المساعدة للشعب الأفغاني. والحقيقة أن الأمر محسوم بالنسبة للعاملين في هذه المنظمات: إن الشعب الأفغاني هو قطعاً «مهمتنا». آنا هوزارسكا مستشارة «لجنة الإغاثة الدولية» تعمل في أفغانستان منذ 1988 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©