الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر... أولوية أميركا في الشرق الأوسط

مصر... أولوية أميركا في الشرق الأوسط
9 مارس 2011 21:12
مع تصاعد العنف الأهوج في ليبيا وانتقال لهيب الثورة إلى اليمن، واستمرار مطالب الإصلاح السياسي في الأردن والمغرب، أخشى أن تغفل الولايات المتحدة وأوروبا ما يعتبر أكبر أولوياتها في المنطقة والمتمثلة في مساعدة الشعب المصري على استكمال انتقاله إلى الديمقراطية وتوفير فرصة جديدة أمامه للازدهار. لكن لماذا تكتسي مصر كل هذه الأهمية؟ لأنها قلب العالم العربي، فقد كان المكان الذي شهد ولادة القومية العربية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ومنطلق السلام في الشرق الأوسط تحت حكم أنور السادات، وبتعداد سكاني يفوق ثمانين مليون نسمة تضم مصر ما يعادل سكان السعودية والعراق وسوريا مجتمعين، هذا فضلاً عن حيوية مجتمعها المدني وجرأة صحافتها وتعدد القوى السياسية التي تعتمل في المجتمع، دون أن ننسى نظامها القضائي المحترم، لذا فإن مصر لو نجحت في تحقيق انتقال ناجح إلى الديمقراطية فإنها لا شك ستقود الطريق إلى حقبة جديدة في العالم العربي. وإذا انتكست القاهرة مجدداً إلى الديكتاتورية بطريقة أو بأخرى، فإنه من غير المرجح أن تتحرك المنطقة بمعزل عن مصر، ولا نبالغ إذا قلنا إن الربيع العربي إما سيحيا أو يموت على أرض الكنانة. لكن وفي المقابل، نتفهم تخوف إدارة أوباما وحذرها من التدخل مباشرة في الشؤون المصرية، لا سيما وأن المصريين كشعب فخور بنفسه وواثق من قدراته لا يحبذ ديمقراطية تدمغ عليها عبارة صنع في أميركا، وأكثر ما يجب أن نتجنبه في التعامل مع مصر هو فرض أي نوع من القوى السياسية، أو الجماعات بضرورة مشاركتها في العملية السياسية، أو إقصائها وإبعادها منها. ومع ذلك، ورغم الحذر الواجب، هناك صنوف عدة من المساعدة، يمكن تقديمها لمصر دون إثارة حساسية الشعب، لعل أهمها الدعم الاقتصادي، فعلى غرار أوروبا الشرقية، لا شك أن موجة الحماس الأولى للديمقراطية ستعقبها أسئلة جوهرية حول الخدمات الملموسة التي تستطيع الحكومة تقديمها للمواطن. وما تحتاجه مصر من الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو تقديم مساعدات ذكية دون تأخر تشمل مجموعة من النقاط العاجلة نجملها فيما يلي: - الإعفاء من الديون: فمصر تدين بمليارات الدولارات إلى الولايات المتحدة وأوروبا، لذا يتعين إلغاء تلك الديون، أو على الأقل تخفيضها عن نحو مهم. - التجارة الحرة: لقد اقتربت إدارة بوش من إطلاق مفاوضات التجارة الحرة مع مصر في عام 2005، لكنها تراجعت عن ذلك أمام استمرار نظام مبارك في قمع خصومه السياسيين والتضييق على الحريات، واليوم ما أن تنبثق حكومة مصرية تمثل حقيقة الشعب المصري وتحترم حقوقه سيكون على الولايات المتحدة إعادة طرح عرضها التفاوضي لتحرير التجارة بينهما كمحفز لتبني إصلاحات اقتصادية تنسجم مع فلسفة تحرير الأسواق، وفي الوقت نفسه على واشنطن طرح اتفاقية تجارية تفضيلية مع مصر على أن يسارع الكونجرس إلى التصديق عليها. - إعادة التفكير في حزمة المساعدات الأميركية: لقد طالبت الإدارة الأميركية في موازنة السنة المقبلة الاحتفاظ بنفس القدر من المساعدة المالية التي كانت تستفيد منها مصر في الأعوام الماضية قبل سقوط مبارك. ومع أن المنطق يملي علينا الاستمرار في تقديم المساعدة اليوم بعد دخول مصر في مرحلة الديمقراطية، إلا أنه علينا توجيه الجزء الأكبر منها إلى الاقتصاد بدل المؤسسة العسكرية التي عليها أن تُظهر للشعب المصري استعدادها لمنح الشعب المصري قسطاً أكبر من المساعدات الأميركية. - الاستثمارات الخاصة: مؤخراً رجع السيناتور جون ماكين وجوزيف ليبرمان من زيارة إلى مصر برسالة واضحة مفادها أن المصريين يريدون دخول الشركات الأجنبية واستثمارها في البلاد، وقد اقترح الرجلان إرسال وفد أميركي رفيع المستوى من مدراء الشركات إلى مصر وتونس، وهو ما يتعين على الإدارة الأميركية المساهمة في تحقيقه. - تعيين مسؤول كبير عن الانتقال الديمقراطي في الشرق الأوسط: والهدف أن يتولى الإشراف على الجهود الأميركية والتنسيق مع كافة الجهات من وزارة الدفاع إلى وزارة الخارجية والتجارة والخزينة وغيرها، بالإضافة إلى التواصل مع القطاع الخاص في أميركا وحثه على الاستثمار في مصر وتونس. هذا وتحتاج الولايات المتحدة إبداء دعمها المتواصل والمبدئي سواء في العلن أو في السر لمطالب المتظاهرين من أجل الديمقراطية مثل مطالبتهم حالياً بإبطاء سرعة إجراء الانتخابات التي حددها المجلس العسكري والمسارعة في إصلاح الجهاز الأمني لضمان عدم استمرار ممارسات التعذيب وإذلال المواطنين التي كانت سائدة في الماضي، فمع أن مصر قادرة على إجراء انتخابات رئاسية في الخريف المقبل، إلا أنه يتعين الانتظار قبل عقد انتخابات برلمانية حتى يتشكل المشهد السياسي وتتضح معالمه. ولئن كان نجاح الربيع العربي من عدمه يعتمد أساساً على الشعوب العربية نفسها، إلا أن ذلك لا يبرر تقاعس الولايات المتحدة وباقي الدول الديمقراطية عن تقديم ما تستطيعه من مساعدة. وحتى في ظل الريبة التي يشعر بها العديد من المصريين تجاه المساعدات الأميركية بالنظر إلى الدعم الذي قدمته واشنطن على مدى عقود لأنظمة ديكتاتورية، يتعين عدم إضاعة الفرصة التاريخية من خلال التأكيد دائماً على أننا لن ندخر جهداً للوقوف إلى جانب رغبة الشعب المصري في التحرر والديمقراطية. روبرت كاجان باحث بارز في معهد بروكينجز ميشال دون باحث في مركز كارنيجي للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©