الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحالف الدكتاتوريات غير المقدس

9 مارس 2011 21:12
يحاول هوجو تشافيز أن يهب لإنقاذ صديقه العقيد معمر القذافي؛ حيث عرض الرئيس الفنزويلي التوسط في الحرب الأهلية الليبية وحذّر من أي تدخل أجنبي لدعم المعارضة الليبية التي تسيطر اليوم على جزء كبير من شرق البلاد، مثل مدينة بنغازي الساحلية التي تحتضن ملعب هوجو تشافيز لكرة القدم. كما انتقدت الحكومة الفنزويلية بشدة طرد ليبيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب قمع القذافي العنيف لشعبه. غير أن محاولة تشافيز (الفائز بجائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان عام 2004) للعب دور في مستقبل ليبيا، من غير المرجح أن تكون أكثر من مناورة تحركها الأهواء والنزوات، وإن كانت إمكانية أن يجد القذافي لنفسه بيتاً مريحاً في فنزويلا ليتقاعد فيه، تظل واردة. ويذكر هنا أن بعض التقارير في وسائل الإعلام البريطانية أفادت بوجود أحد أبناء القذافي في جزيرة مرجريتا الفنزويلية. لكن تضامن تشافيز مع القذافي، الذي شبهه بسيمون بوليفار، يشي بالكثير بشأن مصير الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة أميركا اللاتينية. والمثير للقلق هو حقيقة أن تشافيز ليس الحليفَ الوحيد للقذافي في منطقة أميركا اللاتينية، إذ لطالما اعتُبر فيديل كاسترو (حائز هو أيضاً على جائزة القذافي لحقوق الإنسان لعام 1998) رفيقه في السلاح! والجدير بالذكر هنا أن وزارة الخارجية الكوبية اتهمت وسائل الإعلام الغربية بالتحريض على العنف الحالي في ليبيا. غير أن الأيام الأخيرة لم تعرف زعيماً عالمياً أكثر تحمساً في دعمه للقذافي على نحو غريب من رئيس نيكارجوا دانييل أورتيجا (الحائز هو أيضاً على جائزة القذافي لحقوق الإنسان في عام 2009، والذي افتخر بعدد من المكالمات مع الزعيم الليبي وقال عنه إنه يخوض معركة عظيمة للدفاع عن شعبه. وفي هذا الإطار، قال أورتيجا لتجمع في مانجوا، في الوقت الذي كان يطلق فيه الزعيم الليبي جنود المرتزقة الأجانب على شعبه: "لقد نقلتُ إليه تضامن شعب نيكارجوا". والواقع أن افتتان اليسار الأميركي اللاتيني بالقذافي -والذي يعد من بين أسوأ مظاهر التضامن المناوئ للإمبريالية - يُظهر عدم نضج المجتمع المدني في أميركا اللاتينية ويمثل ضربة للقيم الديمقراطية فيها أيضاً. ومما لا شك فيه أن تشافيز لديه عيوبه، وينبغي أن نشعر بالقلق بشأن علاقة ثورته البوليفارية مع حكم القانون؛ لكنه ليس القذافي، بل ولا حتى قريباً منه. أما الرابط القوي بين العقيدين، فهو كرههما المشترك لـ"الإمبريالية"، علماً بأن تلك المشاعر المناوئة للولايات المتحدة تجسر كل الخلافات الأخرى. ولعل احتضان الرئيس البرازيلي السابق دا سيلفا للرئيس الإيراني خلال السنوات الأخيرة مثال للدينامية المهيمنة حالياً في أميركا الجنوبية، لاسيما أن "لولا" يعد بكل المعايير الأخرى رجلاً ذا مؤهلات ديمقراطية لا غبار عليها. والفكرة الرئيسية هنا أنه حتى "لولا" كان مضطراً للعب هذه اللعبة المملة: إذا كنت إلى جانب "الشعب"، فذلك يعني أن تحتضن بعض الذين وقفوا في وجه الأميركيين، بدءاً بالأخوين كاسترو في المنطقة وليس انتهاءً بالقذافي. ولا يسعنا إلا أن نأمل أن تجعل الصورُ الفظيعة القادمة من ليبيا لعبَ هذه اللعبة أكثر صعوبة، لاسيما أن الزعماء اللاتينيين (من كل الانتماءات الإيديولوجية) يعتبرون الشؤون الخارجية بمثابة مجالهم الحصري المنفصل تماماً عن أي قيود يواجهونها في الداخل، وهذا التقسيم أو الفصل المبالغ فيه يولد العمى الأخلاقي. غير أن العمى صعب في عصر الاتصالات العالمية الفورية، ذلك أن الفنزويليين يرون ما يحدث في ليبيا ويطرحون أسئلة مزعجة حول لماذا شبَّه زعيمهم القذافي ببوليفار وأهداه نسخة من سيف البطل القومي الذي حررهم. كما أن لدى شعب نيكارجوا كل الحق ليسأل لماذا يتم تقديم تضامنه الجماعي إلى حاكم مستبد عاقد العزم على قتل أبناء شعبه؟ لقد كانت أميركا اللاتينية تربة خصبة لانتشار الديمقراطية خلال العقود الأخيرة. ومما لا شك فيه أن ديمقراطياتها تشوبها الكثير من العيوب؛ لكن أميركا اللاتينية، مقارنة ببقية العالم، تظل هي المنطقة التي حققت فيها الديمقراطيةُ تقدما كبيراً من بين مناطق الجنوب. إن تراجيديا الانحياز التلقائي لليسار اللاتيني إلى أمثال القذافي، والانتصار الذي لا جدال فيه للسيادة على أي تحقيق دولي أو فرض لحقوق الإنسان، هي أنها تقلد القيم نفسها التي قاتل من أجلها زعماء ديمقراطيون شجعان مثل "لولا" عندما كان بلده محكوماً من قبل نظام عسكري قمعي. ومن شدة تركيزها على تضامن رجعي مناوئ للإمبريالية، فقد تنازلت أميركا اللاتينية عن مسؤوليتها لتكون صوتاً لحقوق الإنسان والقواعد الديمقراطية في أماكن أخرى من العالم النامي. وهكذا انتهينا إلى الأمور غير المعقولة التي رأيناها مثل عضوية ليبيا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. لابد أن هذا الانتقاد يبدو مألوفاً نوعاً ما بالنسبة للولايات المتحدة: ألم تُعرف دولتنا بتخليها عن القيم التي تعلن عنها في الخارج لدعم خصوم خصومها أو لتحقيق مصالح وطنية أخرى؟ لقد كانت تلك عملية مألوفة ومعمولاً بها خلال الحرب الباردة؛ لكننا في حالة الرئيس المصري مبارك على الأقل قمنا بتغيير مسارنا بسرعة. ونأمل أن يفعل زعماء أميركا اللاتينية الشيء نفسه اليوم، أو على الأقل أن يُقنعوا أنفسهم بأن أفضل طريقة للوقوف في وجه "الإمبراطورية" ليست هي احتضان أعدائها، وإنما الكف عن محاكاة النفاق الذي يتم كشفه في ذلك الفضاء بين القيم المعلنة لدولة ما وسلوكها الفعلي. أندريه مارتينيز زميل مؤسسة »أميركا الجديدة» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترنشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©