الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإنترنت.. رقابة في كل مكان

27 مارس 2018 22:04
حين أعلنت روسيا في الآونة الأخيرة أنها مستعدة لأن تدير «إنترنت» خاصاً بها إذا قطع الغرب إمكانية الدخول على الشبكة الدولية، رأى بعض المراقبين في هذا حب استفزاز الخصوم المعهود لدى الرئيس فلاديمير بوتين، وهذا جائز. لكن رغبة موسكو في بناء شبكة يمكنها التحكم فيها هو حلم السلطويين في كل مكان، وليس كل السلطويين في الحكومة. والتحكم في تدفق المعلومات كان هدف كل طاغية منذ أحرق الإمبراطور الصيني «تشين شي هوانج» الكتب عام 213 قبل الميلاد، أملاً في أن تصدق الأجيال التالية أن التاريخ بدأ بحكمه. وحالياً يريد بلد تلو الآخر التحكم في شبكته الخاصة. واتضح أن إغلاق الإنترنت أسهل مما تخيل كثيرون. فقد استطاع ذلك نظام الرئيس حسني مبارك الحاكم في مصر أثناء احتجاجات عام 2011. والآن، يعتبر «سور النار العظيم Great Firewall» في الصين أشهر الجهود لتقييد ما يستطيع المستخدمون العثور عليه في الإنترنت. لكن دولاً حول العالم تبذل قصارى جهدها لتحذو حذو بكين. ولنأخذ مثال إيران. فبالإضافة إلى ما يطلق عليه «الإنترنت الحلال» الذي سيكون محلياً تماماً، شنت إيران حملة مشددة على مجال المدونات الهائل فيها، وتضغط على مقدمي المحتوى أن يستضيفوا مواقعهم على الخوادم داخل حدود البلاد. ورفع النظام الإيراني أسعار الخدمة، وقلص سرعات الاتصال بالإنترنت، أملاً في منع الشعب من الإطلاع على المعلومات التي لا يريدهم أن يطلعوا عليها. وتحل كوريا الشمالية المشكلة بإبقاء شعبها منقطعاً بشكل شبه تام عن الإنترنت. وهناك 4% تقريباً فحسب من الكوريين الشماليين لديهم إمكانية الدخول على الإنترنت. أما في كوبا، فكانت كل حركة للإنترنت، من قبل، يتعين أن تمر عبر عدد صغير من البوابات الحكومية الخاضعة لرقابة مدققة. فما تأثير كل هذا؟ وهذا، في الجانب الاقتصادي، يعتمد على من تسأله. فيجري القول إن «سور النار العظيم» له فضل في تعزيز الأرباح الكبيرة التي تكسبها شركات التجارة الصينية على الإنترنت؛ بسبب القيود التي يفرضها على حرية الناس في الشراء على الإنترنت. وفي الولايات المتحدة، يروقنا أن ندعي أننا أفضل من كل هذا. لكننا لسنا كذلك بالطبع. صحيح أننا لا نغلق الإنترنت برمته. بل نقيد فحسب إمكانية الدخول إلى مواقع بعينها بموجب سياسات خاطئة مثل الصين. والاختلاف الوحيد هو أننا نترك القرار بشأن المعلومات الواجب إتاحتها للشركات الخاصة وليس للحكومة البيروقراطية. وعملياً، لا تمثل خيارات شركات الإنترنت المهيمنة التي تحركها الأيديولوجيات تحسناً كبيراً عن خيارات الوكالات الحكومية التي تحركها الأيديولوجيات. ويوحي عدم تكبد شركات الإنترنت لكلفة سوقية كبيرة نتيجة قراراتها بشأن من يقدمون أو لا يقدمون له الخدمة أن الجمهور حالياً لا يقدر كثيراً قيمة حرية التعبير عن الرأي. وهذا هو تحديداً أهم وقت للإصرار على حماية حرية الرأي. ولكلٍ مسوغ في فرض الرقابة. فالحكومة الروسية تريد «إنترنت» تستطيع السيطرة عليه كي يكون أداة للدفاع الذاتي في حالة قرر الغرب منع دخول البلاد إلى الشبكة الدولية. والنظام الإيراني يقول إنه يحمي ثقافة البلاد. والحكومة الصينية أشارت بين أمور أخرى إلى الأمن القومي. والرقباء المتحمسون في الولايات المتحدة يقولون إنهم يمنعون نشر الكراهية. هناك دائماً سبب، لكن هناك دوماً الضرر نفسه أيضاً. وكل هذه الجهود للتحكم، في الأساس، فيما هو متاح على الإنترنت نابع من عدم الثقة، ليس عدم الثقة في مقدمي المحتوى بل في المتلقين. ويعتقد الرقيب دوماً، سواء كان رسمياً أو غير رسمي، أنه يعرف ما يجب أن يسمح به للآخرين. وكلامنا عن الإنترنت، وليس الكتب، لا يعني أن هذا لم يعد خطأ. *أستاذ القانون في جامعة يل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©