السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين... نفوذ متنامٍ في أميركا اللاتينية

الصين... نفوذ متنامٍ في أميركا اللاتينية
14 يوليو 2009 01:25
قبل عشر سنوات فحسب، لم يكن للصين وجود يذكر في منطقة أميركا اللاتينية. لكنها اليوم تحولت إلى قوة اقتصادية مؤثرة هناك. فهي تنهمك في صناعة السيارات في الأروجواي، وتتبرع لكوستاريكا ببناء استاد رياضي لكرة القدم، بينما تقرض أكبر شركة نفط برازيلية مبلغاً قدره 10 مليارات دولار. وفي البرازيل بالذات هناك من المؤشرات القوية التي تؤكد سد الصين للفراغ الاقتصادي الذي تركته الولايات المتحدة الأميركية، لتصبح بكين وليست واشنطن شريكاً اقتصادياً رئيسياً للبرازيل. وبينما انشغلت واشنطن بحروبها الأخيرة في كل من العراق وأفغانستان، وعصفت الأزمة الاقتصادية المالية العالمية باقتصادها وسط كل تلك الحروب، يلاحظ أن بكين كثفت من وجودها وأنشطتها الاستثمارية في أميركا الجنوبية، لتسد الفراغ الذي تركته أميركا هناك خلال السنوات الأخيرة الماضية. هذا ما أكده البروفيسور «رويردان رويت» أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز بقوله عبر لقاء هاتفي أجري معه: يلاحظ صعود الصين وانحسار الولايات المتحدة الأميركية في أميركا اللاتينية. فللصين وجود مكثف هناك، ينطلق من سياسة حكومية تدفع بتوسيع الوجود السلمي للصين في منطقة أميركا اللاتينية. ويتخذ تكثيف هذا الوجود أشكالا عديدة منها افتتاح سفارات جديدة في كافة دول المنطقة، وكذلك افتتاح عدد من «مراكز كونفوشيوس» بهدف التعريف بالثقافة الصينية، إضافة لإرسال وفود تجارية رفيعة المستوى إلى دول المنطقة كلها، فضلا عن السماح للمواطنين الصينيين العاديين بالرحلات السياحية إلى المنطقة، لزيارة «ريو» ومواقع حضارة الماكاو وغيرها من المواقع الأثرية. من بين هؤلاء جاءت «إيبنج يوان» في زيارة إلى ريو دي جانيرو في عام 1997 ووقعت في غرام معها فقررت البقاء. وهناك تعلمت اللغة البرتغالية، ثم افتتحت أول مدرسة في ريو دي جانيرو في عام 2004 لتعليم اللغة الصينية «الماندرين» على إثر أول زيارة رسمية قام بها الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى بكين. بدأت تلك المدرسة بداية صغيرة متواضعة بستة طلاب فحسب، إلا إن عدد الدارسين فيها ارتفع الآن إلى 300، بمن فيهم مديرون تنفيذيون لكبرى الشركات البرازيلية مثل شركة بتروبراس -التي تعد أكبر شركة نفط وطنية- وكذلك إداريون من شركة «فيل دو ريو دوسي» المنتجة الرئيسية للمعادن في البلاد. ولكلتا الشركتين استثمارات نامية في الصين. تقول «يوان» باسمة وراضية عن أداء مدرستها: اللغة الصينية هي لغة مستقبل البرازيل. كما أقامت الصين تحالفاً استراتيجياً مع البرازيل، سمح للدولتين بإبرام شراكة مع كل من الهند وروسيا في مجموعة BRIC التي تطالب بأن يكون لها صوت أقوى في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدولية. وبالمثل تدفع الصين بعلاقات كهذه مع غالبية الدول النامية. والمصلحة الأهم التي تدفع بكين إلى تعزيز علاقاتها بمنطقة أميركا اللاتينية، هي ضمان إيجاد منافذ لها للمواد الخام التي تنتجها المنطقة، وخاصة النفط والحديد الصلب والنحاس ومحصولات فول الصويا، مع العلم أنها جميعاً مواد تسهم في دفع النمو الاقتصادي الصيني الهائل. وبسبب انخفاض سعر المنسوجات الصينية، فقد حلت هذه المنسوجات محل نظيرتها المحلية في الكثير من دول المنطقة والعالم كله. وقد أثار تنامي الدور الصيني في المنطقة انتباه بعض صناع السياسات في واشنطن. بيد أن الصين كانت من الحذر بحيث تفادت أن يكون لها أي وجود عسكري في أميركا اللاتينية. فهي تدرك أن وجوداً كهذا سوف يثير عليها غضب واشنطن، التي تتعامل مع منطقة أميركا اللاتينية باعتبارها منطقة تابعة لنفوذها منذ تطبيق «مبدأ مونريو» في عام 1823. تعليقاً على هذه العلاقة قال «ألكساندر باربوسا» -المستشار بمجموعة بروسبيكتيفا الاستشارية في سان باولو-: تعامل بكين هوجو شافيز تماماً مثلما تعامل غيره من قادة دول المنطقة، وخاصةً «أوريبي» و»لولا»، في إشارة منه إلى رؤساء فنزويلا وكولومبيا والبرازيل. فجميعهم مهتمون بالاستثمار كما يقول «باربوسا». وبالفعل أظهرت المنطقة نهماً عارماً للاستثمار، بدليل النمو الهائل الذي حققته الاستثمارات الصينية في مختلف دول القارة. ففي عام 2000 كان يبلغ حجم الاستثمارات الصينية هناك حوالي 10 مليارات دولار. أما في عام 2008، فسجل ذلك الحجم رقماً قياسياً هو 140 مليار دولار. تشتري الصين الزنك من البيرو والنحاس من تشيلي والحديد الصلب من البرازيل. وفي المقابل تصدّر للبرازيل الأجهزة الإلكترونية، والحافلات إلى كوبا، والملابس والمنسوجات إلى المكسيك، ثم السيارات إلى البيرو. ثم إن للصين من السيولة النقدية ما يمكنها من إقراض دول وشركات أميركا اللاتينية. وفي هذا المجال أصبحت الصين منافساً قوياً لكل من البنك الدولي وبنك التنمية الأميركية. فعلى سبيل المثال اقترضت شركة «بتروبراس» من الصين مبلغ 10 مليارات دولار، تم الاتفاق على تسديدها في شكل شحنات نفط خام ترسل إلى الصين خلال العامين المقبلين. كما اقترضت الإكوادور مبلغ مليار دولار لتمويل شركة نفطها الوطنية، إضافة إلى مبلغ 1.7 مليار دولار لبناء أكبر سد لتوليد الطاقة المائية. أما فنزويلا فتشتري من الصين تكنولوجيا استخراج النفط المتطورة، مقابل إرسال شحنة من النفط الخام إلى الصين قدرها 380 ألف برميل يومياً، في إطار مساعي هوجو شافيز لقطع صادراته عن الولايات المتحدة الأميركية التي يعتبرها عدواً أول له. غير أن هذا لا يبرر الوصول إلى الاستنتاج السهل القائل برضا الجميع في أميركا اللاتينية عن هذا التوسع الصيني. ولكن سواء كانت الصين صديقاً لدول المنطقة، أم منافساً لا يرحم لأميركا، فمن المؤكد أن استمرار التوسع الصيني هناك أصبح حقيقة لا مفر منها. تايلور بريدجز - ريو دي جانيرو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©