السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمهات «التوحديين» : نظرات الشفقة تعذِّب أبناءنا

أمهات «التوحديين» : نظرات الشفقة تعذِّب أبناءنا
23 ابريل 2010 20:26
جميلة هي الابتسامة على وجوههم لكن مؤلمة ابتسامة الآخرين لهم، فنظرات الشفقة والتعاطف تلاحقهم أينما كانوا، قد تقابلهم في بعض الأحيان نظرات طامحة بابتسامة ساخرة بتعليق عاجز، لكن رغم ذلك هم فئة متميزة وناجحة وقادرة على أن تقدم الكثير مما يعجز عنه الأصحاء منا. لكن للأسف يكتفي المجتمع بعرقلة ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، من حيث عدم تهيئه البيئة المناسبة لهم، وعدم مراعاة ظروفهم النفسية والجسدية، بل ويزداد الأمر سوءاً حين توجه لهم كلمات العطف التي قد يعتقد البعض أنها تخفف من مرضهم، وفي مقابل ذلك لايدركون أنها تسيء إليهم، وتؤلمهم أكثر مما تسعدهم وتساعدهم. نظرة بعض الناس لهم مربكة.. فإذا خرجوا من نطاق الأسرة الضيق إلى المجتمع، وجدوا للأسف أن المجتمع يتعامل معهم كمعاقين بالدرجة الأولى، تلاحقهم نظرات الشفقة والعطف في كل مكان، وليس هنالك ما هو أقسى من هذه النظرات على الشخص المعاق، فهي تتسبب في عدم اتزانه نفسياً وانفعالياً، وبهذا يمكن أن يحرم المجتمع من مساهمة فئة قادرة على العطاء نتيجة لهذه النظرة الخاطئة إلى إعاقته الشخص دون النظر إلى قدراته الأخرى. كثير من أمهات أطفال التوحد يحملن هماً واحداً وهو نظرة الشفقة من المجتمع. في هذا التحقيق ثمة حكايات تدمع لها العين، ويرأف لها القلب. إنسان أولاً طفل التوحد إنسان قبل كل شيء، سواء أكان طفلاً أم شاباً أم رجلاً، ذكراً أم أنثى، هذه مشاعر فاطمة الزيودي التي لديها طفل يعاني من هذا المرض منذ 3 سنوات، تقول بألم: “أنجبت بعد حرمان دام أكثر من 5 سنوات، لكن شاءت الأقدار أن يكون طفلي من فئة المتوحدين، وهذه نعمة أحمد الله عليها”. وبنبرة حزن تعلق على نظرات من حولها من الناس، فتقول: “للأسف هناك تأخر وجهل واضح من قبل بعض الناس لطفل التوحد، فنظرات التعجب والاستغراب تلاحقه أينما كان سواء في المراكز التجارية أو في المطار أو المستشفى، وهم لايعلمون أن تلك النظرات تشكل لديه هماً وغماً، باعتباره مختلفاً عن بقية الأطفال”. تضيف الزيودي: “لقد حاولت جاهدة في كل مرة أن أبعده عن تلك الأماكن أو أتجنب زيارتها، وبحثت عن وسيلة أخرى أكثر راحة من خلال مشاركته مع أصدقائه في مراكز التوحد التي تنظم الفعاليات والأنشطة المختلفة والتي تزرع فيه الثقة والمحبة والتعاون في جو تعليمي وترفيهي”. لا.. للعزل تجربة أخرى لأم لديها طفل توحد تتمنى أن يكون لكلامها صدى واضح اتجاه هذه الفئة التي تمثل فئة صغيرة في مجتمع كبير، تقول شمسة سلطان عن معاناتها بمرارة قاسية: “لا لعزل طفل التوحد بسبب تلك النظرات، فمهما كانت شدة إعاقته يمكنه أن يكون عضواً مميزاً ومبدعاً، وذلك من خلال إشراكه في مراكز خاصة لأطفال التوحد. وتقول شمسة: “إن فكرت في عزله فكأنني أعزل نفسي وأسرتي عن العالم الخارجي”. وبتوتر شديد وحزن تضيف شمسة: “إن نظرات الشفقة والرثاء تنعكس على طفلي بشكل واضح، حيث أجده يتضايق لاشعورياً، وتبدر منه حركات غريبة تنم عن انزعاجه من ضحكات وابتسامات السخرية من بعض الأطفال، وكل ذلك يشعرني بالضجر والقلق على ابني، ولكن سبيلي الوحيد للتخلص من تلك النظرات هو الابتعاد عن الزيارات، ومشاركته في فعاليات وأنشطة مراكز التوحد، فهنا من خلال تفاعله مع الآخرين أجده يشعر بالطمأنينة والراحة”. ابني مميز لا توجد أم تحب أن ينظر لطفلها على أنه مختلف عن الآخرين. هكذا بدأت الأم المناضلة أمل صبري، مديرة مركز الإمارات للتوحد بأبوظبي، تحكي تجربتها مع طفلها قائلا:” من أجل ابني عملت المستحيل، تعبت واجتهدت وناضلت وسهرت الليالي، من أجل أن أرى ابتسامته ترتسم على وجهه، فمنذ 19 سنة اجتهدت على نفسي، فتعلمت ودرست وثقفت نفسي، وبحثت عن الكثير من الأمور التي أجهلها عن مرض التوحد، حتى أصبحت لدي خبرة طويلة في هذا المجال، ومن هذا المنطلق أسست مركز الإمارات للتوحد وساهمت في تأسيس 3 مراكز أخرى للتوحد بأبوظبي، وبفضل ذلك استطعت أن يكون طفلي هو أول طفل يتم دمجه بالمدارس الحكومية في عام (2001)، ليتم بعد ذلك فتح باب الدمج لبقية أطفال التوحد، ليكون مشواري الذي بدأته بميل أصبح ألف ميل”. تلفت إلى جوانب مهمه لاحتياجات طفل التوحد، وتقول: “طفل التوحد ليس بحاجة إلى نظرات الشفقة والرثاء، إنما هو بحاجة إلى تبني مراكز التوحد الخاصة، ومد يد العون والمساعدة لتلك المراكز من قبل الكثير من المؤسسات والهيئات والوزارات والجهات الحكومية بتوفير الإمكانيات اللازمة التي يحتاجها، فكل طفل توحد يحتاج إلى مدرس واحد ليتعلم منه، لكن الإمكانيات الموجودة لاتفي بالعدد الكبير الذي يصل إلى 50 طفلاً فما فوق”. وحول نظرات الشفقة التي تلاحق أطفال التوحد، تقول عن تجربة مريرة: “أتمنى أن يرأف المجتمع بنا، ويرحم أبناءنا وبناتنا، وألا ينظروا إليهم وكأنهم مخلوقات غريبة قادمة من الفضاء، هم أناس عاديون، لهم حق التصرف والخروج والتنزه مثل الأطفال الباقين، وكون الأم والأسرة قد تميزت بهذا الطفل، فهذا التمييز تم بمشيئة الله سبحانه وتعالى، حتى يميز كل أم وأسرة يوم القيامة بأجر وثواب عظيم. أناس عاديون من جهتها، تقول الاختصاصية النفسية غادة الشيخ عن نظرة المجتمع لطفل التوحد: “في البداية لابد من أن يعرف الجميع أن التوحد هو إحدى حالات الإعاقة التي تعوق المخ عن استيعاب المعلومات وكيفية معالجتها، وتؤدي إلى حدوث مشاكل لدى الطفل في كيفية الاتصال بمن حوله، واضطرابات في اكتساب مهارات التعليم السلوكي والاجتماعي، ويعتبر من أكثر الأمراض التي تصيب الجهاز التطوري للطفل شيوعاً “. وتضيف الشيخ :”يظهر مرض التوحد خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل ويستمر مدى الحياة، كما قد يعاني البعض من أعراض أخرى. ونظرة المجتمع لأطفال التوحد قد يكون فيها شيء من عدم التقبل، أو اتهام الآباء بعدم قدرتهم على التربية السليمة للطفل، وكل ذلك نتيجة عدم معرفة المجتمع بكيفية التعامل مع مريض التوحد، أو سمات هذا المرض، وقد نجد آباء كثيرين لايفضلون البوح بأن أبناءهم عندهم توحد، لذلك هنا بعض التصرفات التي يفعلها الطفل نتيجة هذا المرض، ومنها إذا كنت تعمل أو تعيش مع أشخاص مصابين بالتوحد، فإنك تعلم أن هناك الكثير من السلوكيات السلبية التي تود تعديلها، وقد تشعر بأنك لا تعرف من أين تبدأ، وعلينا بالدرجة الأولى فهم الأسباب المحتملة للسلوكيات السلبية التي قد تصيب الأشخاص المصابين بالتوحد”. وتطلب الشيخ من أفراد المجتمع التعامل مع أطفال التوحد باعتبارهم أناساً عاديين لايختلفون عن الأسوياء، موضحة ذلك بالقول:”في حالة قيام طفل التوحد بسلوكيات غريبة كالضرب أو معانقة أحد بشدة أو القيام بتصرفات غير لائقة ومزعجة، يجدر بنا أن لانعطي الأمر أهمية كبرى، وفي حالة مشاهدته يقوم بالصراخ والبكاء فإن مثل هذه السلوكيات تبدر منه لشعوره بالخوف من المحيطين به”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©