الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الإنفاق الاجتماعي يفوق الاستثمارات في الموازنة المصرية

الإنفاق الاجتماعي يفوق الاستثمارات في الموازنة المصرية
23 ابريل 2010 21:12
كشف مشروع الموازنة العامة للدولة المصرية للعام المالي القادم 2010- 2011 الذي سيبدأ البرلمان مناقشته خلال أيام، عدداً من الحقائق المتعلقة بالأداء الاقتصادي العام وأظهر ملامح توجهات الحكومة وسياستها المالية في المرحلة المقبلة. فالميزانية التي تعد الأضخم من حيث الاستخدامات والموارد تنطوي على سياسة مالية تكشف الانحياز الواضح لمبدأ تعظيم الإنفاق الاجتماعي وإعطائه أولوية قصوى، حتى لو تم ذلك على حساب ضغط المبالغ المخصصة للاستثمارات العامة. وتشير أرقام مشروع الموازنة الى ارتفاع معظم بنود الموازنة سواء المتعلقة بالمصروفات أو بالايرادات، فقد قدرت استخدامات الموازنة العامة بنحو 480.9 مليار جنيه بينما قدرت الايرادات ومتحصلات الدولة من الاقراض ومبيعات الأصول بنحو 293.4 مليار جنيه وبعجز كلي يقدر بنحو 187 مليارات. وحسب المادة الثانية من مشروع الموازنة، تم توزيع الاستخدامات على ثلاثة بنود رئيسية تشمل المصروفات ثم حيازة الأصول ثم سداد القروض. ويقدر اجمالي المصروفات بنحو 394.3 مليار جنيه موزعة على ستة أبواب رئيسية فالأجور وتعويضات العاملين تستحوذ على 94.6 مليار وشراء السلع والخدمات 28.3 مليار والفوائد 90.6 مليار، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 115.9 مليار ومصروفات أخرى 31.1 مليار جنيه بالإضافة إلى 33.8 مليار لشراء الأصول غير المالية والمقصود بها الاستثمارات العامة. وتم تخصيص 42.3 مليار لحيازة الأصول المالية وجاءت ضمن الباب السابع لاستخدامات الموازنة، وحصل الباب الثامن الخاص بسداد القروض المحلية أو الأجنبية على 82.2 مليار. وقدر مشروع الموازنة الايرادات العامة للدولة للسنة المالية 2010 -2011 بمبلغ 280.6 مليار جنيه موزعة على الضرائب، أي الموارد السيادية للدولة من ضرائب ورسوم وجمارك وغيرها وهذا الباب مسؤول عن توفير ايرادات قدرها 197 مليار جنيه. أما الموارد من المنح فلم تزد في مشروع الموازنة على 3.1 مليار جنيه الى جانب ايرادات أخرى قدرها 80.2 مليار جنيه. وتقدر المتحصلات من الاقراض ومبيعات الأصول المالية وغيرها بمبلغ 12.7 مليار جنيه. ويبقى بعد هذه الأرقام عجز يقدر بمبلغ 187 مليار جنيه يمثل الفرق بين المصروفات والموارد وهو عجز تم تخصيص المادة الرابعة من مشروع الموازنة لمعالجته بعنوان الاقتراض واصدار الأوراق المالية ـ سندات خزانة ـ بخلاف الأسهم ومن الجهاز المصرفي. ولمعرفة ما تعنيه هذه الأرقام لابد من العودة الى أرقام موازنة العام الجاري، حتى يتبين لنا الفرق سواء في الموارد والمصروفات الاجمالية أو في كل بند من بنود المصروفات، لاسيما المتعلقة بحياة الناس اليومية وأبرزها الأجور ومخصصات الدعم وغيرها من أوجه الانفاق. ففي مجال الأجور ارتفع المخصص لهذا البند 7 مليارات جنيه ليقفز من 87.4 مليار في موازنة العام المالي الجاري 2009- 2010 الى 94.6 مليار في مشروع موازنة العام المالي الجديد: وزاد المخصص لشراء السلع والخدمات بنحو مليار جنيه ليرتفع من 27 الى 28 مليارا وقفز المخصص للفوائد من 71 الى 90 مليارا، وارتفع مخصص الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من 73.4 الى 115.9 مليار وبند المصروفات الأخرى من 28 الى 31.1 مليار بينما تراجع المخصص للاستثمارات العامة من 46.6 الى 33.8 مليار في العام الجديد. وكانت الاستثمارات العامة قد ارتفعت في موازنة العام الجاري بفضل برنامج التحفيز الاقتصادي الذي طبقته الحكومة على مدى عامين، لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها على الاقتصاد المصري ومع بدء انحسار هذه التداعيات وظهور مؤشرات تؤكد امكانية أن يحقق الاقتصاد معدل نمو في حدود 5 بالمئة العام الجاري، انتفى السبب الخاص بضخ المزيد من الأموال في مجال الاستثمارات العامة واعادة توجيه مبالغ كبيرة للدعم وغيره. وتزايد الاهتمام الحكومي بالانفاق الاجتماعي الذي يهدف الى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وتوفير المزيد من الحماية للفقراء ومحدودي الدخل، ليؤكد ذلك استمرار الالتزام الحكومي بالإنفاق الاجتماعي بكافة صوره بل وزيادة المخصصات المالية لهذا الانفاق. فهناك أكثر من 42 مليار جنيه زيادة في الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، سوف تصب في موازنات النواحي الخدمية لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم الى جانب استمرار دعم السلع الرئيسية. وهذا الانفاق الكبير على النواحي الاجتماعية لاينفي استمرار التشوهات الهيكلية في ملف الدعم، حيث لايزال دعم الطاقة يلتهم الجزء الأكبر من المخصصات الأمر الذي يستلزم حسم هذه القضية التي ربما تضر بالعدالة الاجتماعية، حيث أنه من المعروف أن معظم دعم الطاقة يذهب لجيوب الأغنياء من ملاك السيارات والمصانع ومستخدمي أجهزة التكييف وغيرها. وتراجع الاستثمارات العامة وانخفاض المبالغ المخصصة لهذا البند لا يعني انصراف الحكومة عن الاهتمام بهذا النوع من الاستثمارات، ولكن هناك نوعا من اعادة ترتيب الأولويات في الموازنة الجديدة بالنظر الى عدد من العوامل في مقدمتها بدء انحسار الأزمة المالية العالمية وبدء دخول القطاع الخاص كمستثمر في مشاريع البنية التحتية التي كانت توجه اليها تلقائيا الاستثمارات الحكومية العامة، وذلك بعد اقرار قانون الشراكة المعروف باسم p.p.p وكذلك ابداء البنوك المحلية أو الاقليمية استعدادها لتمويل مشاريع البنية الأساسية التي ينفذها القطاع الخاص، الأمر الذي يعني تخفيف الاعباء المالية عن كاهل الحكومة. وهناك ملاحظة تتعلق ببند سداد القروض المحلية والأجنبية والذي شهد المبلغ المخصص له ارتفاعا كبيرا، حيث قفز من 27 الى 82 مليار جنيه في العام المالي 2010 ـ 2011 وبما يزيد على ثلاثة أمثال. والملاحظة الأخرى تتعلق ببند الموارد خاصة الضرائب حيث تكشف الأرقام عن زيادة حصيلة الضرائب المتوقعة من 145.5 الى 197 مليار جنيه في العام المالي 2010 -2011 وبزيادة 52 مليارا، الأمر الذي يؤشر إلى وجود توسعات سوف تشهدها أنشطة القطاع الخاص وبالتالي سوف ترتفع أرباحه ويسدد المزيد من الضرائب ولا يمكن لأحد أن يتكهن بأن دخول موارد الضريبة العقارية هو الذي سوف يرفع الحصيلة على هذا النحو الكبير، لأن الحصيلة المتوقعة من الضريبة العقارية وباعتراف وزير المالية نفسه الدكتور يوسف بطرس غالي أثناء مناقشة القانون لن تزيد على المليار أو المليار ونصف المليار جنيه في أفضل الأحوال. والملاحظ أن الموارد من المنح سوف تنخفض بنحو 60 بالمئة لتتراجع من 7.6 مليار جنيه العام الجاري الى 3.1 مليار في العام الجديد. أما الملمح الرئيسي لمشروع الموازنة، فهو ذلك المتمثل في استمرار عجز الموازنة بل وزيادة هذا العجز عاما بعد آخر، حيث تشير الأرقام الى أن العجز قفز من 126.8 الى 187.5 مليار جنيه وبزيادة 61.5 مليار، وهذا العجز سوف يتم تمويله من الاقتراض الداخلي عبر سلسلة من الطروحات العامة سواء في شكل سندات أو أذون خزانة. الأمر الذي قد يشكل عبئا على معدلات السيولة في السوق والجهاز المصرفي ويحرم المشاريع الاستثمارية من التمويل الكافي من البنوك التي ستجد نفسها أمام خيارات صعبة لتوظيف السيولة المتاحة لديها، ومن المتوقع أن تشهد السيولة المالية انكماشا في العام الجديد، وقد يقول البعض إن ودائع القطاع العائلي التي تنمو بمعدلات معقولة سوف تعوض هذا الانكماش ولكن تبقى المشكلة في عجز مستمر بل يزيد كل يوم، الأمر الذي يستلزم ضرورة البحث عن وسيلة لسد هذا الثقب الذي يتسع بمرور الوقت، ويؤثر سلبا على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ونصيب ومستقبل الأجيال القادمة التي ستكون مطالبة بسداد المديونية المحلية الضخمة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©