الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ستيفن هاوكينغ: مستقبلنا بين النجوم

ستيفن هاوكينغ: مستقبلنا بين النجوم
29 مارس 2018 01:17
ستيفن هاوكينغ، الفيزيائي والكوسمولوجي المقعد في كرسي خاص إثر مرض ألم به وهو في ريعان شبابه، هذا الرجل الذي لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة على قدميه، غير أنه مع ذلك يستطيع أن يحملك بفكره العلمي الثاقب كي يسافر بك في النجوم ويقف بك على البدايات الأولى لتشكل الكون. قدّر للرجل الذي نُظر إليه دوماً على أنه خليفة أينشتاين، أن يرحل عن عالمنا في هدوء، بعد أن قدّم للعلم خدمات جليلة بكشفه اللثام عن العديد من أسرار الكون مثل الثقوب السوداء، ونشأة الكون، ونظرية كل شيء، وإثارته أيضاً للعديد من القضايا التي ستظل دوما موضع نقاش كفكرة السفر عبر الزمن. ورغم أن هاوكينغ حاول في جل أعماله تبسيط النظريات العلمية وإتاحتها للعامة، إلا أن أفكاره ظلت مع ذلك معقدة وربما لهذا السبب يعرف الناس عن الحياة الشخصية لهاوكينغ أكثر مما يعرفون عن فيزيائه. الصورة الجديدة للكون ما هو إذن الكون كما فهمه ستيفن هاوكينغ؟ وما هو الجديد الذي قدمه هذا العالم للنظريات الفيزيائية الفلكية؟ إن الفكرة التي ظلت سائدة لمدة طويلة في علم الفلك، هي إن الكون عبارة عن كيان ثابت، إنه هنا منذ الأزل وسيظل كذلك. كانت هذه هي النظرية التي دافع عنها الفلكي البريطاني فريد هويل مؤكداً أن الكون ليست له لا بداية ولا نهاية. نعلم أيضاً أن أينشتاين نفسه قد أغرته فكرة ثبات الكون هذه، وأنه أدخل ضمن نظريته النسبية مبدأ «الثابت الكوني» قبل أن يتخلى عنه فيما بعد ويعتبره أحد أكبر أخطائه. أثبت إدوين هابل مستعيناً بمرقاب متطور فوق جبل ويلسون، أن النجوم تبتعد عنا بشكل متسارع، وإذن فالكون برمته يتوسع. لقد كانت هذه واحدة من الملاحظات التجريبية التي دعمت نظرية الانفجار العظيم التي طرحها في البداية القس والفلكي البلجيكي جورج لوميتر، والتي كانت مجرد فرضية علمية سعى من ورائها للتأكيد على فكرة الخلق من عدم. فإذا كان الكون في توسع لا بد أنه بدأ في نقطة ما يطلق عليها فيزيائيا المفردة La singularité وهي نفس الفكرة التي يؤكد عليها ستيفن هاوكينغ ولكن مع بعض الإضافات والتعديلات. نعم للكون وللزمان بكل ما يحتويه من مادة وطاقة تاريخ، إلا أن الزمان الذي نعرفه ليس هو الزمان الوحيد الموجود، بل هناك أزمنة متعددة ما دام أن الكون ذاته لا نهائي. وهو ما يثبته ستيفن هاوكينغ في كتابه الشهير الذي ترجم لكل لغات العالم: «تاريخ مختصر للزمان». إن هذا التاريخ ليس تاريخاً واحداً كما يمكن أن يتبادر إلى ذهننا بل هو تاريخ متعدد. هذه الفكرة يستعيرها هاوكينغ من ريتشارد فاينمان ويقوم بتوسيعها، ومعناها أن الكون ليس واحداً بل هو أكوان متعددة لكل واحد تاريخه الخاص، وهي أكوان انبثقت من العدم. إن ما هو مثير في هذا التصور الجديد للكون هو تطويره لمفهوم الزمان حيث يميّز هاوكينغ بين الزمن الحقيقي الذي ندركه جميعا بحواسنا، والزمن الخيالي الذي يحيلنا على ما قبل الانفجار العظيم، وعلى أن الكون في حقيقة الأمر ليست له لا بداية ولا نهاية. وهكذا منذ أن أدخل اينشتاين فكرة الزمان باعتباره بعداً أساسياً لفهم الظواهر الطبيعية، يبدو أن هاوكينغ يتابع نفس العملية إلا أنه يضيف شيئاً جديداً، ألا وهو ضرورة تطوير مفهوم الزمان ذاته وتوسيع مفهومنا العادي عن الزمان المعروف. الثقوب السوداء وهنا لا بد من الإشارة إلى أطروحة ستيفن هاوكينغ عن الثقوب السوداء التي جلبت له شهرة كبيرة ربما أكثر من أفكاره الأخرى. إن ما هو معروف عن هذه الثقوب هو أنها عبارة عن حقول في الفراغ الكوني تحدث عندما ينهار النجم ويبتلع نفسه وكل ما حوله، بل تصبح له قدرة هائلة على جذب كل شيء يقترب منه ويتجاوز أفق الحدث بما فيه الضوء. أما ستيفن هاوكينغ فقد رأى أن الثقوب السوداء ليست سوداء تماما، بل تصدر عنها حرارة سميت بإشعاع هاوكينغ لذلك فهي يمكن أن تفقد مع الوقت كتلتها وتتبخر في العدم. كان هوكينغ يعتقد في البداية أن كل شيء يتحطم داخل الثقب الأسود ويفقد إلى الأبد بما فيه المعلومات، غير أنه في 2004 اعترف أنه أخطأ في هذه الفرضية ثم صحح الأمر مؤكدا على شيء أساسي، وهو أن هناك بعض الجزيئات الصغيرة التي تقع على حافة أفق الحدث والتي بفعل اهتزازات كمومية يمكنها أن تنفلت من الثقب الأسود وتنقل معها معلومات يمكن للكون أن يعتمدها في إعادة بناء نفسه. إن معنى هذا هو أن الثقوب السوداء وبدل أن تكون قبراً للمادة يفنى فيه كل شيء كما تقول النسبية العامة، يمكن عكس ذلك أن تكون مكاناً تحفظ فيه المعلومات التي تظهر على سطحه في شكل هولوغرامي. أو بطريقة أخرى إذا كان الكون قد بدأ بمفردة كما تقول نظرية الانفجار العظيم، فهذه المفردة لن تكون شيئاً آخر سوى ثقب أسود معكوس يلفظ المادة ومعها المعلومات إلى الخارج. نظرية كل شيء لقد جاهد العلم إذن من أجل ردم الهوة بين فيزياء الأجسام الكبيرة وفيزياء الجزيئات، من أجل إيجاد القوانين الواحدة التي تفسّر كل شيء من المتناهي في الصغر إلى المتناهي في الكبر. إن النظرية التي تحاول أن تقيم الجسور بين العالمين تسمى بـ«نظرية كل شيء» أو النظرية M، وهي النظرية التي يكيل لها ستيفن هاوكينغ المدائح في كتابه: «التصميم العظيم» راجياً منها حل الأزمة التي توجد فيها العلوم اليوم. ليس من الغريب إذن إأن يحمل الفيلم الذي يصور قصة حياة ستيفن هاوكينغ عنوان «نظرية كل شيء»، فهذا هو الحلم الذي يعيش من أجله كل فيزيائي. يحكى مثلاً أن أينشتاين حينما مات وُجدت بجانب سريره بعض الأوراق التي تتضمن مبرهنات رياضية يحاول العثور فيها على هذه المعادلة التي بإمكانها تفسير كل شيء في الطبيعة. إن ما يقوم به هاوكينغ هنا هو مسألة حاسمة، وهي أن النسبية العامة لأينشتاين التي تسمح لنا بفهم الكون تظل ناقصة إذا لم يتم استدعاء الفيزياء الكوانطية. بطريقة أخرى ينبغي فهم ما يحدث في المتناهي في الصغر كي نفهم ما يحدث في المتناهي في الكبر. إن الربط بين هذين البعدين مثير للجدل في العلم المعاصر بسبب كون القوانين التي تنطبق على عالم الجزيئات الصغيرة تختلف عن القوانين الموجودة في عالم الأجسام الكبيرة. ظلت هذه الهوة تتعمق منذ ظهور الفيزياء الكوانطية حيث أبانت أن قوانين الحركة في المتناهي في الصغر تختلف عن قوانين الحركة في عالمنا العادي. لقد بقيت الفيزياء المعاصرة تعيش هذه الأزمة كما لو أن الطبيعة تخضع لقانونين ينفي أحدهما الآخر، في حين أن ما هو عادي هو أن يكون هناك قانون واحد نفهم من خلاله كافة الظواهر الطبيعية. الانفجار الكبير في هذا السياق تأتي أهمية «نظرية كل شيء». يتعلق الأمر في نظر هاوكينغ ليس بنظرية واحدة خالصة كما يمكن أن يدل عليها اسمها، بل بعائلة من النظريات المترابطة والتي كل واحدة منها تفسر جهة معينة من الطبيعة. إن ما يثير الجدل في هذه النظرية هو أنها تدفعنا إلى تصور ليس انفجاراً واحداً بل انفجارات عديدة تؤدي إلى خلق أكوان متعددة، بحيث كل انفجار يحدث طبقاً لقوانين فيزيائية. بطريقة أخرى رأى هاوكينغ أن الانفجار العظيم الذي أدى إلى ولادة الكون الذي نوجد فيه لا يحتاج إلى عود ثقاب. هذا الموقف الأخير جلب له عداء الدين، الذي بطبيعة الحال يؤكد على وجود قوة ما فوق الطبيعة تتحكم في كل هذا التصميم العظيم. والحق أن هاوكينغ ربما أخذه الحماس أكثر من اللازم وهو يتحدث عن نظرية كل شيء. وفي إمكانية أن يفسر العلم كل شيء وأن يحل كل ألغاز الطبيعة يقول: «لعلنا لم يحكم علينا بأن نظل دائما نتلمس طريقنا في الظلام. وقد ننجح في التوصل إلى نظرية كاملة عن الكون. وفي هذه الحالة سنكون حقاً سادة هذا الكون» («الثقوب السوداء» ص 7). هذا الكلام الذي يذكّرنا بحماسة ديكارت وهو يتكلم عن الهيمنة والسيادة على الطبيعة، عليه مع ذلك أن لا ينسينا السؤال الأساسي حول طبيعة الانفجار الكبير ذاته، أو بصيغة أخرى أية قوانين فيزيائية توجد داخل ما كان يسميه جورج لوميتر «البيضة الكونية»، أو ما اعتدنا على تسميته بالمفردة؟ يبدو أن ثمة تناقض بين نظرية كل شيء الطامحة إلى تقديم وصف شامل للوجود، وبين فكرة إقصاء كل الأسئلة المتعلقة بما قبل الانفجار العظيم، والتي يعتبر هاوكينغ بأنها ليست مهمة، يقول: «إن الأحداث التي وقعت قبل الانفجار الكبير ليست بذات تبعات، ولا يجب أن تشكل أي جزء من النموذج العلمي للكون» («تاريخ موجز للزمن» ص 78) وهكذا فلغز الانفجار العظيم ما زال قائماً والعلم بإمكانه أن يطلعنا على الكيفية التي يشتغل بها الكون، ولكنه غير قادر بعد على معرفة السؤال الأساسي وهو لماذا أصلاً هذا الكون موجود؟ تساعدنا الفيزياء النظرية وعلم الفلك على فهم بنية الكون وأصل تكونه، وهي تخبرنا أيضاً عن مصير هذا الكون ومصير الإنسان كذلك. لذلك وبالنظر إلى ما ينتظر البشرية من أخطار يؤكد هاوكينغ أن مستقبل الإنسان لا بد أن يكون بين النجوم، وبالتالي علينا الانتقال لتعمير الكواكب الأخرى على الأقل خلال المائة سنة القادمة إذا ما أردنا ضمان بقاء الإنسانية. حصل ستيفن هاوكينغ على العديد من التشريفات والأوسمة عرفانا لعلمه الغزير في علم الفلك والفيزياء النظرية، ولكنه مع ذلك لم ينل الجائزة الأكبر في هذا المجال وهي جائزة نوبل لأن الفرضيات العلمية التي قدمها من الصعب إثباتها تجريبياً. غير أنه سيظل ولأمد طويل أيقونة علمية ورمزاً من رموز الإرادة القوية للإنسان وما يمكن أن تبلغ الروح البشرية، سواء في كفاحه من أجل تحدي المرض، أو في إصراره على مواجهة أسرار الكون وألغاز الحياة. المرض والإنجاز في سن الواحدة والعشرين من عمره بدأت تظهر على ستيفن هاوكينغ علامات مرض غريب يطلق عليه طبياً ALS «التصلب الجانبي الضموري»، وهو مرض اعتقد الأطباء أنه سيمهله سنتين على أكثر تقدير قبل أن يفارق الحياة. غير أن إرادته القوية وتحديه للمرض والإعاقة جعلته يكذب هذه النبوءة إلى أن بلغ 76 من عمره. ألّف ستيفن هاوكينغ العديد من الكتب العلمية أشهرها «تاريخ موجز للزمن» سنة 1988، و»الكون بإيجاز» سنة 2001، ثم «الثقوب السوداء والأكوان الناشئة»، ومؤخراً كتاب «التصميم العظيم» سنة 2010.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©