الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وروسيا.. ونهاية الحرب الباردة! جاك ماتلوك

16 مارس 2014 11:10
جاك متلوك السفير الأميركي لدى الاتحاد السوفييتي من 1987 إلى 1991 بعد ظهر أحد أيام شهر سبتمبر من عام 1987، جلس وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز على طاولة اجتماع في مقابل وزير الخارجية السوفييتي إدوارد شيفرنادزة في قاعة اجتماعات بنيويورك، وكان كل منهما في المدينة لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومثلما اعتاد شولتز في بداية مثل هذا الاجتماعات، سلم شيفرنادزة قائمة بانتهاكات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي. وكان وزير الخارجية السوفييتي السابق أندريه جروميكو دائماً ما يتسلم مثل هذه القوائم على مضض ثم يحاضر علينا حول التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للاتحاد السوفييتي. ولكن في هذه المرة، نظر شيفرنادزة إلى عيني شولتز وقال له عبر مترجم: «جورج.. سأدرس هذه القائمة، وإذا وجدت أن معلوماتك صحيحة، فسأبذل قصارى جهدي كي أصحح المشكلة، ولكن أريدك أن تعلم شيئاً واحداً: أنني لا أفعل ذلك لأنك طلبته مني، ولكن لأن هذا ما يحتاج بلدي فعله». وعندئذ أجاب شولتز: «إدوارد، ينبغي أن يكون ذلك هو السبب في أن يفعل كل منا أي شيء، ودعني أطمئنك بأنني لن أطلب منك القيام بشيء أعتقد أنه ليس في صالح بلدك». ووقف كل منهما وتصافحا، وبينما كنت أراقب المشهد بعاطفة جياشة تنم عن الإعجاب، انتابني الشعور بأن الحرب الباردة قد انتهت بالفعل. وقد أضحت مهمة السفير الأميركي في موسكو عقب ذلك أسهل بالنسبة لي مما كانت عليه بالنسبة للسفراء السابقين. وقد فكرت مليّاً في تلك اللحظة وتذكرتها عندما فشلت المحادثات بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي الأسبوع الماضي في حل الأزمة في أوكرانيا. ومن المثير للدهشة أن اللغة المستخدمة الآن علانية أكثر حدة من لغتنا المستخدمة آنذاك سراً وعلانية، إذ أعلن كيري يوم الأربعاء الماضي أن الأمر يمكن أن يصبح «قبيحاً» بشكل سريع، إذا ما تم اتخاذ خيارات خاطئة، في تهديد بفرض عقوبات. ولا أصدق أننا نشاهد الآن تجدد أجواء الحرب الباردة، فالتوترات بين روسيا والغرب تتركز بشكل كبير على سوء التفاهم وضعف التمثيل وإيماءات للجماهير المحلية أكثر من أي تعارض حقيقي بين الأيديولوجيات أو المصالح الوطنية، كما أن جميع القضايا أقل بكثير عدداً وخطراً من تلك التي كنا نتعامل معها أثناء الحرب الباردة. ولكن الإخفاق في تقدير كيفية انتهاء الحرب الباردة كان له أبلغ الأثر على المواقف الغربية والروسية، وقد يساعدنا على فهم ما نراه في الوقت الراهن. ولاشك في أن الفرضية الشائعة بأن الغرب فرض انهيار الاتحاد السوفييتي، ومن ثم انتصر في الحرب الباردة تجافي الصواب، والحقيقة هي أن تلك الحرب انتهت بالتفاوض لمصلحة الطرفين. وفي قمة مالطا التي عقدت في ديسمبر عام 1989، أكد الرئيسان ميخائيل جورباتشوف وجورج بوش الأب أن الأساس الأيديولوجي للحرب لم يعد له وجود، وشددا على أن كلتا الدولتين لم تعودا تعتبران بعضهما بعضاً عدوتين. وخلال العامين التاليين، تعاونا مع السوفييت عن كثب أكثر حتى من بعض حلفائنا، وأوقفنا سوياً سباق التسلح وحظرنا استخدام الأسلحة الكيميائية واتفقنا على تقليص الأسلحة النووية تدريجياً. وقد شاهدت أيضاً رفع الستار الحديدي، وتحرير أوروبا الشرقية والتخلي الطوعي عن الأيديولوجية الشيوعية من قبل الزعيم السوفييتي. ومن دون هيمنة سباق التسلح على الاقتصاد السوفييتي والشمولية الأبدية، تفرغ جورباتشوف للتركيز على الإصلاحات الداخلية. ونظراً إلى أن انهيار الاتحاد السوفييتي وقع بعد ذلك مباشرة، يخلط الناس كثيراً بينه وبين نهاية الحرب الباردة، ولكنهما كانا حدثين منفصلين، ولم يكن الانهيار نتيجة مباشرة لنهاية الحرب. وعلاوة على ذلك، لم يكن تفكك جمهوريات الاتحاد السوفييتي إلى 15 دولة منفصلة شيئاً تسببت فيه الولايات المتحدة أو أرادته، وإنما كنا نأمل أن يتمكن جورباتشوف من تشكيل اتحاد طوعي بين الجمهوريات السوفييتية، باستثناء دول البلطيق الثلاث. وقد أوضح بوش ذلك جليّاً في أغسطس عام 1991 عندما حضّ الدول السوفييتية غير الروسية على تبني معاهدة الاتحاد التي اقترحها جورباتشوف وحذر من «القومية الانتحارية». وعلى الروس الذين أسفوا على انهيار الاتحاد السوفييتي أن يتذكروا أن الزعيم الروسي المنتخب آنذاك بوريس يلتسين هو من تآمر مع نظيريه الأوكراني والبيلاروسي لاستبدال الاتحاد السوفييتي برابطة «كومنولث» مطاطة لا نفوذ لها. وحتى بعد تفكك الاتحاد، أصرّ جورباتشوف على أن «نهاية الحرب الباردة كانت انتصاراً مشتركاً للطرفين»، وعلى رغم ذلك أصرت الولايات المتحدة على معاملة روسيا على أنها انهزمت، ولم تكن هذه اللهجة مدمرة في حد ذاتها، ولكن عززتها التحركات التي اتخذها الرؤساء الثلاثة الذين خلفوا جورج بوش الأب. وقد أيد بيل كلنتون قصف حلف «الناتو» لصربيا من دون موافقة مجلس الأمن، وتوسع الحلف ليشمل دولاً موقعة على اتفاقية وارسو، وهو ما بدا انتهاكاً للتفاهم بأن واشنطن لن تسعى للاستفادة من الانسحاب السوفييتي من أوروبا الشرقية. وقد كان تأثير ذلك على ثقة الروس في الولايات المتحدة مدمراً، ففي عام 1991، أشارت استطلاعات الرأي إلى أن نحو 80 في المئة من المواطنين الروس كانت لديهم رؤية محابية للولايات المتحدة، وفي عام 1999، كانت للنسبة نفسها تقريباً رؤية معارضة. وتم انتخاب بوتين في عام 2000، وفي البداية انتهج توجهاً مؤيداً للغرب، وعندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر كان أول زعيم أجنبي يتصل ويعرض المساندة، وتعاون مع الولايات المتحدة عندما غزت أفغانستان، وأغلق طواعية قواعد روسية كانت موجودة في كوبا وخليج «كام رانه» في فيتنام. ولكن ما حصل عليه في المقابل كان بعض المدح الذي لا طائل من ورائه من قبل بوش الابن، الذي عمد إلى توسيع «الناتو» ليشمل دول البلطيق والبلقان، ووضع خططاً لإنشاء قواعد أميركية هناك، إلى جانب الانسحاب من معاهدة مكافحة الصواريخ الباليستية، ثم كان غزو العراق من دون موافقة أممية، والمشاركة السرية في «الثورات الملونة» في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان. وعلاوة على ذلك، تجاوزت الولايات المتحدة الخطوط الحمراء الراسخة لأي زعيم روسي بالحديث عن ضم جورجيا وأوكرانيا إلى حلف «الناتو»، وكان على الأميركيين أن يفهموا أن روسيا شديدة الحساسية تجاه أي تحالفات عسكرية تهيمن عليها دولة أجنبية تقترب أو تلامس حدودها. وعلى رغم أن أوباما حاول استعادة العلاقات مع روسيا، إلا أن الحقيقة المحزنة هي أن دائرة الإجراءات الازدرائية التي اتخذتها واشنطن قوبلت بردود أفعال مفرطة من موسكو أدت إلى تسمم العلاقة بدرجة جعلت من المستحيل استخدام الدبلوماسية الهادئة، كتلك التي أنهت الحرب الباردة، عندما اندلعت أزمة أوكرانيا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©