الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأساة التتار والآمال المسروقة

16 مارس 2014 11:18
مارك تشامبيون محلل سياسي أميركي بعيداً عن القضايا الجيوسياسية التي تكتنف ضم روسيا في الوقت الراهن لشبه جزيرة القرم، ثمة أسباب إنسانية وراء الاهتمام بالتتار هناك، إذ عانى التتار المسلمون من الاضطهاد المتكرر منذ أن تخلى العثمانيون عن شبه الجزيرة لمصلحة الإمبراطورية الروسية، بما في ذلك محاولات الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها في ظل حكم ستالين. وفي عام 1944، نزح سكان شبه الجزيرة بأسرهم، أو تم نقلهم عنوة، إلى آسيا الوسطى وسيبريا، بينما تعرض ما يزيد على نصفهم للقتل. ولم تكن هناك غرف غاز ومعسكرات نازية، ولكن أفضل طريقة لفهم مخاوف التتار هي تخيلهم كما لو كانوا يهوداً في أوروبا الشرقية معرضين لتهديد الاحتلال مرة أخرى من قبل ألمانيا التي لا يزال عليها إلى الآن الاعتراف بمسؤوليتها الجماعية عن الهولوكوست. وربما تبدو تلك مبالغة في التشبيه، لكن بالنظر إلى أن مجموعة من السفاحين في الأيام الأخيرة دنسوا منازل التتار بعلامات «إكس إس» السوداء في القرم، حسب التقارير الإخبارية، فإن ذلك يعتبر تذكيراً مروعاً بالطريقة التي كان يتم تحديدهم بها للترحيل في عام 1944. وكان أحمد بيربر من بين هؤلاء الذين تم إرسالهم إلى أوزبكستان أو سيبريا عندما كان طفلا، لكن هذا الميكانيكي المتقاعد البالغ من العمر الآن 79 عاماً، لا يزال يمتلك ذاكرة فولاذية. لقد كان بيربر في روضة الأطفال عندما أعلنت ألمانيا الحرب على الاتحاد السوفييتي في عام 1941، ولا يزال يتذكر صوت رجال يتحدثون لغات غير مفهومة (الألمانية والرومانية) بينما كانوا يحاولون فتح مرآب يختبئ فيه مع أسرته في قرية خارج مدينة «سيمفروبول». ويقول بيربر الذي لا يزال يئن ويتحسر بسبب اتهام ستالين للتتار بأنهم كانوا عملاء للألمان، «لم يتبق هناك سوى الأطفال وكبار السن». ورغم ذلك، قاتل بالفعل بعض التتار لمصلحة الألمان في حرب شرسة مع أنصار السوفييت، لكن كثيراً منهم قاتلوا أيضاً في صفوف قوات الاتحاد السوفييتي. وقبيل الفجر في يوم 18 مايو 1944، استيقظ بيربر، الذي كان لا يزال في الثامنة من عمره، على ألم في أسنانه عندما وصل أشخاص يتحدثون الروسية مدججون بأسلحة نصف آلية إلى باب منزله، حيث تم إخبار الجميع بضرورة الخروج في غضون خمس عشرة دقيقة. تكدس كل خمس أسر في شاحنة حملتهم إلى القرية، ومن ثم تم اقتيادهم إلى محطة قطار في سيمفيروبول. ويذكر الميكانيكي المتقاعد أنه تم وضعه في عربة شحن مع أسرته ونحو 50 شخصاً آخرين. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها بيربر قطاراً، لافتاً إلى أنه «اعتقد أن هذا كان منزلاً جديداً سيعيشون فيه، لكنه تفاجأ عندما بدأ في التحرك». واستغرقت الرحلة إلى أوزبكستان 18 يوماً، ولم تكن هناك سوى كمية محدودة من الغذاء، وكان الأشخاص يقفزون عندما يتوقف القطار لإشعال النيران بشكل سريع وعمل الخبز من الدقيق الذي أحضروه معهم، لكن لم يكن الحظ يحالفهم في كل مرة. وبمرور الأيام ضعفت أجسادهم، ومات البعض في سيارات الشحن، ومن ثم بدأ القطار يتوقف على الجسور كي يتمكن الحراس من فتح الأبواب وإلقاء الجثث في الأنهار، «وكأنهم كلاب» حسب وصف بيربر. وفي نهاية الرحلة، تم إفراغ عربتهم، ومعها عربتان أخريان، في منطقة نائية في أوزبكستان، ثم نقلوا إلى مجموعة من الثكنات التي كانت بالفعل مكتظة بالبولنديين. وفي غضون أشهر توفي جدّا بيربر، ولحقت بهما شقيقته الكبرى، إذ كان الناس ضعافاً جداً لدرجة أنهم لم يكونوا يستطيعون حفر القبور على عمق كاف لدفن الموتى، وكانت الحيوانات تنبشها. وفي النهاية، عثر قائد المعسكر على منزل لأسرة بيربر في قرية مجاورة، وحتى عام 1956، لم يكن مسموحاً لهم بمغادرته، لكنهم بدؤوا بناء حياتهم تدريجياً. وفي عام 1990، بات الطريق ممهداً للتتار كي يعودوا لمنازلهم في شبه جزيرة القرم. ونظراً لأنهم غادروا أوزبكستان جملة واحدة، لم تكن السوق هناك تستوعب شراء منازلهم، بينما أكل التضخم مدخراتهم، ولم تخصص لهم أراض أو منازل في القرم، ومن ثم سعوا لامتلاك منازل بوضع اليد، وفي النهاية منحتهم السلطات الأوكرانية عقود ملكية، وللمرة الأولى شعر بيربر وأسرته بالحرية. ويعيش الآن بيربر مع أحد أبنائه في منزل من الطوب الإسمنتي في ضواحي سيمفيروبول. وتبدو مزاعم موسكوا زيفاً في عين بيربر، وتُذكِّره بالانتهاكات في عهد ستالين، فعندما سئل: «هل تابعت اجتماع بوتين مع الصحافيين قبل بضعة أيام؟»، أجاب قائلا: «لم أشاهد شخصاً بهذا الكذب، فكل كلمة يتفوه بها افتراء». وهناك مجموعات قليلة غير التتار في المنطقة تحتاج إلى الحماية والحقوق التي كان سيحققها الاندماج التدريجي لأوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي. لكن مع قدوم المسلحين المقنعين من الروس، وإغلاق المحطات التلفزيونية والمنافذ الإعلامية الإخبارية، وإعلان الاستفتاء المقررة نتيجته مسبقاً بشأن الانضمام إلى روسيا، يحلق احتمال الفرار سريعاً في الأفق. وانهارت زوجة بيربر من جراء الصدمة عندما تم إعلان الاستفتاء، ولا تزال في المستشفى، بينما بدأ الشباب التتار في القيام بدوريات مراقبة، مشكلين ما يبدو قوة دفاع ذاتية، وإن كانوا لا يستطيعون فعل الكثير. وقال بيربر: «ليست هناك حرية في روسيا، ونحن نعلم ذلك»، مضيفاً: «لقد سرقوا آمالنا». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©