الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة في الفضاء الثالث

الكتابة في الفضاء الثالث
28 مايو 2008 02:52
يقول محمود درويش في قصيدة ''أطوار أنات'': الشعر سلّمُنا إلى قمر تعلّقُه أناتُ على حديقتها، كمرآة لعشاق بلا أمل، وتمضي في براري نفسها امرأتين لا تتصالحان: هناك امرأة تعيد الماء للينبوع وامرأة تقود النار في الغابات أما الخيل فلترقص طويلا بين هاويتين لا موت هناك ولا حياة üüü لا أنا أحيا هنالك، أو أموت وهنا فإن محمود درويش يقدم فهمه الرمزي لعمودية الشعر، فالشطر الأول من البيت أو الصدر يشبهه بامرأة تعيد الماء للينبوع، أما الشطر الثاني أو العجز تقود النار في الغابات، أي أن الشطر الأول تراجع والشطر الثاني تقدم، الأول انكسار وانطفاء والثاني انتصار واشتعال، وما بينهما فراغ، لا موت ولا حياة· وهذا التفسير الرمزي للشعر لا يقدمه محمود درويش من أجل تفسير الشعر نفسه، وإنما من أجل أن يخلص إلى الواقع ويفسر وجوده فيه منطلقا من الشعر، فمثلما يفهم محمود درويش الشعرية بوصفها محكومة بثنائية التراجع والمضي غير المتصلين ببعضهما، إذ يكشفان عن فراغ خال من المعنى، فإنه يريد أن يقود قارئه إلى واقعه حيث يجد نفسه فيه في الوسط كالخيل الراقصة، وخلفه الذات في تراجع تام، وأمامه الآخر في تقدم تام، فلا يعرف هل يحيا هناك أم يموت· إن هذه المقدمة من وجهة نظري مهمة جدا لتبين موقف الشاعر من الشعرية، وكما هو واضح فإنه ليس موقفا ذهنيا وفنيا، وإنما موقف فرضه الواقع القائم على التهجين الثقافي، وفيه الشاعر يبحث عن منطقة الأعراف ليقف عليها، ومنطقة الأعراف هذه تقتضي مزج كل شيء الذات بالآخر والإيقاع بالنثر والهوية بالتفكك والحضور بالغياب· وهنا سأقرأ جملة من النصوص للتدليل على فكرة الهوة أو النتوء البارز من خلال إصدام شيئين متنافرين، على الأقل في الفكر التقليدي يقول عبد الله الغذامي: ''قصيدة النثر حالة مروق لا تشاكل الشعر ولا تشاكل النثر، هي تأسيس يمثّل جلداً متلفعاً لجسم الشعرية الحي، فقصيدة النثر نص··· منفعل بنفسه مثل زهرة الجوري فيها صفات الذكر والأنثى معاً، وقصيدة النثر فيها صفات الشعر وصفات النثر معاً''· يقول حاتم الصكر: ''بين الشعر وقصيدة النثر وشيجة حلمية··· حيث لا ندري هل أصبح الشعر نثراً أم النثر هو الذي حلم أنه صار في القصيدة شعراً''· يبدو واضحا أن عبد الله الغذامي وحاتم الصكر لم يشغلا بتعيين الحدود التي تفصل الشعر عن السرد، وإنما يدل موقفهما على وجود فضاء ثالث تتهجّن فيه الأنواع، ولذلك يصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن القواعد التي تجعل من الشعر شعرا، أو العكس· ali@althakerah.net
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©