الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد الحرز: الكتابة تفتح لنا خيارات أخرى في الحياة

محمد الحرز: الكتابة تفتح لنا خيارات أخرى في الحياة
28 مايو 2008 02:54
يقول الشاعر والناقد السعودي المعروف محمد الحرز: لا أعلم من أين تسللت إلى ذهني فكرة الارتباط العضوي بين تصوري للكتابة من جهة، وبين الملامح العامة للطقوس المصاحبة لها من جهة أخرى؟! ربما بسبب قناعتي الفكرية التي تضع مفهومي الإدراك والتصور موضع الرافعة التي تنهض عليها جميع ممارساتي الكتابية بما فيها العادات والطقوس الملازمة لهذه الممارسة· أو ربما بسبب كوني واحداً من الكتّاب الذين ينظرون إلى الكتابة بوصفها طريقة حياة يصعب على الكاتب إذا ما تلبسته من العمق أن يتخلص من الشعور أو الإحساس بهالتها القدسية التي تشبه قدسية الآلهة، كلما أراد أن يقترب من لحظة الكتابة ذاتها· إنه نوع من التماهي يأخذني إلى مناطق أشبه ما تكون ضبابية· ويقول الشاعر محمد الحرز: لا أتعرف فيها أين موضع حياتي من موضع الكتابة! أو ربما كان العكس· هذا الشعور يزيد من قلق الكتابة لدي كلما تورطت أكثر في عالمها الواسع، وكلما أدركت تماماً حقيقة كوننا ذوات لا نملك خيارات العيش كما ينبغي في الحياة، وكأننا مساقون إلى أقدارنا سوقاً، وكأن الريح تدفعنا إلى جهة ما في الحياة، قد تكون هاوية بانتظارنا أو نهر ليست له ذاكرة، أو إلى العدم· فقط الشيء الوحيد الذي نحن متيقنون منه هو أننا جميعاً مساقون إلى ذات الجهة المجهولة· هنا في ظني تأتي الكتابة لتفتح لنا خيارات أخرى في الحياة، لتفتح كوة نهرب منها إلى جهة أخرى مجهولة في الحياة، وما بين هذه الجهة وتلك، يتكثف هذا الشعور بالقلق ليتحول عندي إلى إحساس غامض يتحكم عميقاً في تصوري للكتابة في نهاية المطاف· لذلك لم أشعر يوماً ما بمجانية الكتابة أو سهولة جلبها إلى فضاء العقل أو المخيلة، الصعوبة تحديداً تكمن في هذا الشعور القلق لحظة الكتابة، وهو شعور لا يفرز البهجة على كل حال بقدر ما يفرز الترقب والانتظار والتأمل والأفكار المتناقضة· هذا الفرز بمثابة تدريب على استحضار الكتابة، وإذا ما كان مشروطاً بها فهو سيتحول تدريجياً إلى ما يشبه الطقس والعادة لحظة الكتابة· وهذا هو بالتحديد ما يوجه طقوسي الكتابية من العمق· وعليه وبناء على هذا التوجه كنت ولا أزال أمارس الكتابة تحت تأثير هذا الفرز، مقتنعاً تماماً أن تفضيلي الأماكن المفتوحة للكتابة المأهولة بالبشر كالمقاهي على الأماكن المغلقة والمعزولة هو محاولة للهروب من هكذا شعور يصاحبني عادة لحظة الكتابة، هروب يجد في ضوضاء الناس وصخبهم ما يشبه العزاء من رعب الكتابة ذاتها· لكنها مجرد محاولة لا أدعي كثيراً في ممارستها لأنها حقيقة مشروطة بنوع ما أكتب، فالكتابة المتخيلة غيرها الكتابة الفكرية والفلسفية، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فهو وثيق الصلة إلى كوني لا أملك أوقاتاً محددة للكتابة، لا ليلاً أو نهاراً فقط حين تأتي الكتابة عارية كما هي·
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©