الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعر المثقفين والصعاليك والسياسيين والحكماء

شعر المثقفين والصعاليك والسياسيين والحكماء
28 مايو 2008 02:58
ثلاثون شاعراً هندياً وثمانون قصيدة هندية، عنوان لابد أن يحيلنا الى تصورات وتخيلات، بعيدة، ونسأل من هؤلاء، وما تلك القصائد· وقبل هذا وذاك، لابد أن نقول إن ثمة غموضاً في هذا العالم الواسع، في تمثلاته الفكرية والحضارية، الشاسع بمساحاته الجغرافية المتنوعة، سهوله، جباله، وديانه·· وبشره المنتشرون فيه، ولا يزال الغموض يلف هذا العالم· منذ أن قرأنا الشعر العالمي·· لا نعرف من الشعراء الهنود إلا طاغور· ومما يثير حقاً أن نعرف الآن أن ''أتال بيهاري فاجبايي 1924 رئيس وزراء الهند منذ عام 96 حتى 2004 ما هو إلا شاعر كبير، أسهم في حركة الشعر الهندي· شعر يقوله المثقفون، يقوله الصعاليك، يقوله المتشردون، السياسيون والحكماء وأبناء الطبقات العالية، والفقراء· كلهم يتساوون عند عتبة الكلمة· ثلاثون شاعراً هندياً مسح تاريخي لحركة الشعر الهندي منذ ولادة ميرزا غالب 1797 حتى الشاعرة سلمى 1964 مروراً بطاغور وعلي سردار جافري ودينا نات ونارايان شيام وكيفي عزمي وكاكاد وجايانتا وراغوفير ساهي وكمالا سريا الرائعة، وراما كانتارات وفاجبيي· ذلك ما قدمه الدكتور شهاب غانم في كتابه ''قصائد من الهند'' التي اختارها عبر تاريخ الشعر الهندي وترجمها عن الإنجليزية ضمن مطبوعات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عام ·2008 ومثلنا نحن تماماً يقول الدكتور شهاب غانم في مقدمته التي عنونها بـ ''تجربتي مع الشعر الهندي'' ''كنت حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي لا أعرف من الشعر الهندي سوى النماذج القليلة التي قرأتها مترجمة الى العربية أو الإنجليزية لطاغور الحائز على جائزة نوبل وللعلامة محمد إقبال صاحب قصيدتي ''شكوى'' و''جواب شكوى'' ضمن أشعار كثيرة، ومن ترجمة أبيات لهاتين القصيدتين تكونت أبيات ''حديث الروح'' التي غنتها أم كثلوم· كما سمعت بميرزا غالب الذي دعيت الى ما يسمى ''مشاعرة'' تنشد فيها بعض أشعاره''· وعندما أقول مثلنا نحن تماماً، فلم أجانب الحقيقة في أن ما كان يتداول في دورياتنا الثقافية إبان الستينيات والسبعينيات والثمانينيات ولثلاثة عقود أسماء ثلاثة لم تتخطها منقولاتنا العربية، طاغور، ومحمد إقبال، وميرزا غالب· وفي أوج انفتاحنا العربي وتحقق أفق الاستقلال الوطني لم تكن وجوهنا ناظرة إلا الى أدب أوروبا الشعري حيث كنا نتصور تماماً أن الشرق قد نضب تماماً، ولم يعد هناك على سواحل المحيط الهندي والوطن العربي إلا الجدب الشعري، المتأرجح بين كلاسيكية طاغور في الهند وكلاسيكية شعرنا العربي في المشرق والذي أراد أبناء هذا الأخير التحرر باتجاه أوروبا حيث الحركات الفكرية والأدبية تتوالد وتنسج خيوطها ليقع فريستها العالم كبيت العنكبوت· ولم نحسب جيداً، ولم نتصور افتراضاً أن روح الشرق لا تزال حية وهي تخاطب مياه المحيط الهندي وأغاني البحارة الذاهبين مع الريح الى خليجهم العربي الذي ظل دوماً روحاً لهذه الروح الحية· 80 قصيدة من الشعر الهندي مسح فني للإبداع، ترى فيه كيف تشكل هذا الشعر وكيف بدأت خيوطه تنسج نفسها وهي تزيح المهترئ لتأتي بالجديد حتى توصلك الى تمثل حي لكيفية بناء هذا الصرح المليء بالعذابات والمسرات والحكايات والسخرية والألم· اختصار هائل بالكلمات، وإيحاء بارع بالصور وتكثيف عال بالرؤية وبراعة بالنسج قل نظيرها· لقد عرف الدكتور شهاب غانم كيف يختار ولمن يختار، فقدم بانوراما دقيقة وجميلة، تضحك وتسر، تبكي وتؤلم، تتحسس الوجع وتفرح للصور الخلابة والانتقاء الجميل· كامالا وساتشيداناندان أبهرا شهاب غانم ولابد له أن يتعرف على تلك العوالم التي جعلت منهما شاعرين كبيرين، فغطس في بحر الشعر الهندي ليجد عذوبة تحت مائه، وجد طعم الكلمة التي ما برحت إلا أن يكون فيها الشعر لغة اللغة· تعدد اللغات من لغة المالايالم الى الهندية والبنغالية والأوردو والمارائية والتاميلية والبنجابية والسندية والكشميرية والأوروسية والأسابية والتلحو والإنجليزية والفارسية جاءت هذه الثمانون قصيدة، متوجة بكل اللغات، مصحوبة بتراكيب غريبة، وبتشكلات تختلف عن بعضها، فلكل لغة نظامها الرمزي وعلاقاتها البنيوية والاصطلاحية، إلا أن روح الشاعر تبقى واحدة، والتقاطاته تبقى آسرة، ولمعان الكلمة يبقى مأخوذا بالصور: تلمس الكلمة كلمة أخرى تقبل الكلمة كلمة أخرى تريح كلمة رأسها بين كلمتين هكذا يصور أشوك فاجبيي (ولد عام 1941) الكلمة بين أخواتها الكلمات في سياقات لغات متعددة، لا نظير لتشكلاتها· تخترق كلمة كلمة أخرى تكمل كلمة كلمة أخرى تثقل كلمة كلمة أخرى الكلام صنعه الوجود، قيمة الفكرة، قطار المشاعر، جبال الحروف، بحر الوجدان· لقد سددت حساباتي مع الأشباح والسحرة منذ زمن طويل ولكن اللغويين والنحويين لن يتركوني أذهب تلك هي معضلة الشاعر التي يلخصها ساشيداناندان ''ولد عام ''1946 وهو الخائف من مطاردة اللغويين والنحويين له بعد أن سدد حسابه مع الجميع غيرهم· وتبقى لدى الكثير من هؤلاء الشعراء تلك اللقطات الصغيرة التي تكثف الفكرة حتى تحيلها الى عالم شاسع يثير المشاعر: لأنني ولدت في الماء لا تخلف أقدامي آثاراً في الوحل (جناناكوثان ـ ولد عام 1938)· هم شعراء من ماء، بل هم أرق من الماء، قلوبهم مليئة بالحب وبالعذوبة، وبالخوف من القدر· يعيشون لحظات السعادة بالكلمات، يعيشون لحظات التعاسة في الواقع· يبكون حد الفزع لرؤية الالم ويرقصون حد الهوس لرؤية الحياة· يقول أتور رافيفارما (ولد عام 1931): بينما يتجه كل منزل نحو الغرب يتجه منزلي نحو الشرق بينما لكل ابن أم جميلة أمي داكنة اللون وليست جميلة بينما يسير كل شخص بسرعة أنا مجرد سارية عاطلة عن العمل وعندما يقترعون عليّ الضحك أكون دائماً الخاسر هل يخسر الشعراء حقاً، هل يمكن أن نتصور خسارتهم وهم صانعو مجد الشعوب· مجد الكلمات وعطرها، هل صحيح أن الشعر عطر اللغة· لقد تعددت موضوعات وأغراض قصائد شعراء الهند منذ ميرزا غالب حتى اليوم بين الحب والموت والفقر والجوع والألم والحرية والمساواة وجزيئات الحياة البسيطة، والحكايات الآسرة والالتقاطات الغربية، واتجه شعرهم نحو التكثيف واللاسردية حتى أصبحت القصائد لديهم أشبه بالهايكو في إيحاءاته الواسعة ورؤاه الحالمة، لقد تجاوز الشعر لديهم ملحمة المهابهارتا والأوفيدا قبل 5000 سنة فلم تعد هناك بطولات فالآلهة غادرت ولم تبق سوى تماثيلها والأفكار تنوعت وأوروبا أصبحت غير مغرية شعرياً ما دام الشرق، الهند، العالم العربي·· من أقصى مغربه حتى خليجه يعرف أن حضارته تنبض بالشعر والكلمات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©