الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

كيلفين كلاي.. قاهر الصعاب

كيلفين كلاي.. قاهر الصعاب
21 ابريل 2017 21:38
أمين الدوبلي (أبوظبي) عندما ولد كيلفين كلاي معاقاً بلا أقدام ظنت أسرته أن الحياة أعطت له ظهرها، وعندما طالت الإعاقة يديه أشفقت عليه والدته وظنت أنه سيبقي طفلاً طول العمر، يطلب المساعدة من الآخرين، لا يمكنه أن يعتمد على نفسه في الكثير من الأمور، فكانت الدموع لا تفارقها، وكانت الفرحة غائبة عن البيت لسنوات، وثقلت الحياة عليها وعلى زوجها فانفصلا لتتفاقم أزمة كيلفين كلاي، ويجد نفسه أمام القسوة بكل معانيها. كيلفين كلاي كان يعيش في بدايات حياته في برازيليا المدينة الهادئة الصغيرة التي أحبها وأحب معها الحياة تدريجياً، فمع والدته كان يتعلم كل يوم درساً من دروس الاعتماد على النفس، فيوماً كان يحاول أن يأكل بنفسه، معتمداً على بقايا يديه، وظلت محاولاته مستمرة حتى نجح، ويوماً كان يحاول أن ينظف البيت ليصنع مفاجأة لوالدته التي عاش معها وضحت من أجله، وكان ينجح، ويوماً ثالثاً كان يصنع لهم الطعام فترتسم الابتسامة على وجهها ولا تصدق نفسها. الحالة الذهنية لكيلفين رائعة، فهو يفهم كل شيء، يملك عقلاً متزناً، يسمع جيداً، ويرد بأعلى جودة، منذ ولد كان يظن أن هناك هامشاً في الحياة من الممكن أن يرسم به الابتسامة، وأن يسعد والده الذي ما زال على اتصال به ويتابع أمره، يزوره ويلتقيه، يقدم له المساعدة، قبل أن يتركه ويمضي إلى حيث يعمل، وإلى حيث أسرته الثانية بعد زواجه الثاني، وفي كل الأحوال كانت أخته الصغرى هي صديقته وأقرب الناس إليه، إنها شريكته في كل أفكاره، وفي كل أفعاله، أول من يفرح له، وأول من تقدم له يد العون. عندما انتقل إلى ريو دي جانيرو مع والدته وقضى بها 7 سنوات يقول كيلفين إنها كانت صعبة، وإنه لم يشعر بالسعادة في تلك المدينة المزدحمة، ولم يجد من يبتسم في وجهه، مثلما كان الحال في برازيليا، ولأنه يعشق التحدي، فقد أراد أن يستثمر تلك الفرصة في التعليم، وواصل رحلته مع الدراسة ليختتم مراحل التعليم الأساسي، ويضع قدمه على بداية الطريق في كلية الحقوق، كان ينجح ويتجاوز الاختبارات أفضل وأسرع من الأسوياء، وكانت إرادته تعوض قصور قدميه، ويديه، لكن أكثر شيء كان يؤلمه- بحسب وصفه- هو نظرة الشفقة من الآخرين، التي كانت تمثل له سهاماً تخترق جلده لتستقر في القلب، فتسقط دموعه أحياناً دون أن يتحكم فيها، ويهزمها أحياناً أخرى فيبقيها، معلناً رفضه لمشاعر الشفقة لأنه يملك الإرادة. يقول إن الحياة عادت لها الابتسامة بعد عودته إلى برازيليا وإن قدرته على تحمل أعبائها قد زادت، وإنه عاد ليتنفس الهواء النظيف، ويكمل مشواره مع التعليم، ويزرع الأمل في كل مكان يمشي به، فهو يستطيع أن يمشي، ويمكنه أن يجري، وفي كل مرة كان يخرج فيها من بيته كان يمر على أكاديمية للجو جيتسو، يقف أمامها بعض الوقت، ينظر لمن بداخلها وهو يتساءل هل يمكنني أن أمارس الرياضة؟ هل أستطيع أن أقاتل، ظل يمر شهوراً وسنيناً على نفس المكان، وينظر لمن بداخله ويكرر نفس السؤال، إلى أن رأه المدرب من داخل الصالة فخرج إليه، وسأله عن سر هذا التردد على الصالة، والوقوف بنفس المكان كل يوم تقريباً. كان ذلك قبل 4 سنوات وكان عمر كيلفين 18 عاماً، وقال له المدرب أنت تستطيع أن تدخل معنا وتتدرب معنا، تستطيع أن تكون بطلاً وليس مقاتلاً، فقط عليك أن تتحلى بالصبر، وأن تتمسك بالأمل، فرياضتنا تعزز قيم الصبر، وتصنع الأمل في قلب المستحيل، وتجعل صاحبها واثقاً من نفسه، قادراً على مواجهة كل التحديات.. مرت تلك الكلمات على كيلفين وكأنها حلم، وعندما ارتدى الكيمونو «بدلة الجو جيتسو» للمرة الأولى لم يصدق نفسه، ويؤكد أن دموعه لم تتوقف من الفرحة، وأن المدرب كان يعطيه كل شيء، فنون الرياضة، وقيمها وسلوكيات أصحابها، والأمل في المستقبل، والإصرار على مواجهة التحديات. يقول كيلفين: في كل يوم كنت أمضيه بالتدريبات كنت أصنع صديقاً جديداً، لقد أصبح عدد أصدقائي في تلك الرياضة بالمئات، كلهم ينظرون إلي بفخر، بعد أن كانت سهام نظراتهم تخترق الضلوع لتستقر في القلب وتدميه، كنت أتطور في التدريبات، وأحرص على التمرين مرتين، ومع الجو جيتسو أصبحت أخدم نفسي في كل شيء، أنظف بيتي، أصنع الطعام، وأستمتع بالحياة بلا أي قيود، وتركتني والدتي مطمئنة علي وذهبت لحياتها الجديدة مع زوجها الجديد منذ عامين، ومعها أختي فبقيت وحيداً في البيت. ولكنني مع الجو جيتسو لم أكن وحيداً، واجهت الوحدة بمنتهى الشجاعة وانتصرت عليها، وبدأت أتخيل أنني قادر على صنع التاريخ لأسرتي ولبلدي، ويمكنني أن أسعد المدرب الذي راهن علي، وأصدقائي الذين منحوني الثقة والقدرة على التحدي، فقررت المشاركة في أول بطولة. ويؤكد: دعوت والدي لحضور النزال النهائي، قررت أن يكون هذا النزال في ريو دي جانيرو التي شعرت فيها بالعجز، كي أهزم هذا الشعور، وأثبت لمن فيها أنني من حقي الحياة بلا نظرات الشفقة القاسية، أستطيع أن أكون بطلاً يفخر به الجميع، وعندما بدأ النزال كنت أرى والدي في آخر الصفوف يرفع يده ويشجعني، وكان نزالاً قوياً للغاية أنهيته في صالحي، وعندما رفع الحكم يدي لأعلى معلناً فوزي، نظرت إلى والدي فوجدته يبكي، وكانت تلك هي أصعب لحظة في حياتي، شعرت فيها بالاختناق، ففاضت دموعي، ولكنها دموع الفرحة، وقفزت لأمضي إلى والدي، وأحتضنه، وقال لي: أنا فخور بك، أنت بطل من ذهب، فقلت له: نعم أنا أستطيع، فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس. يقول كيلفين: لي أصدقاء بالآلاف يتابعونني عبر حساباتي في «تويتر» و«فيسبوك»، وأصبحت مشهوراً يقف الناس ينتظرونني، تذكرني الصحف والمواقع، تأتيني الفضائيات، وعندما تلقيت دعوة المشاركة في عالمية أبوظبي للجو جيتسو كانت تلك أسعد لحظة في حياتي، وعندما أتيت إلى هنا شعرت أن الدنيا تكافئني على صلابتي وتماسكي، وعندما فزت بالذهبية، تحدثت إلى أختي ووالدتي في الهاتف، وعلمت أن المئات في انتظاري بالمطار كي يحتفلوا معي، إن رحلة أبوظبي بالنسبة لي هي رحلة المجد، الذي عرفت طريقه وسأمضي فيه لآخر المشوار، لأنني ما زلت في المنتصف، فعمري 22 عاماً فقط، وتنتظرني محطات كثيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©