الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان بين المجاعة والحرب

21 ابريل 2017 21:51
في النهار، تجوب ماري نياراك المستنقعات بحثاً عن الأسماك والنباتات المائية القابلة للأكل. وحين يهبط الظلام، وتعود الميليشيات المقاتلة في جنوب السودان إلى قواعدها، تتسلل هي ومئات آخرون فارون من الحرب الأهلية، التي تدور رحاها منذ ثلاث سنوات هناك، إلى الأراضي الجافة، حيث يعملون في الحقول لتفادي الموت جوعاً. وأشارت هذه المرأة، التي تبلغ 20 عاماً، وهي تجلس تحت أشجار النيم في مقاطعة «لير» في ولاية الوحدة شمال دولة جنوب السودان، إلى أن الضباع التي تتجول ليلاً تشكل خطراً عليها وعلى غيرها ممن يعملون ليلًا، ولكنهم لا يخافون هذه الضباع أكثر مما يخافون المسلحين الذين يمكن أن يظهروا فجأة، في أي وقت. وفي يوم الأربعاء الماضي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس حاجة هيئات الإغاثة التابعة للمنظمة الدولية وبشكل عاجل إلى 4,4 مليار دولار لمكافحة المجاعة في جنوب السودان ودول أخرى. وأكد جوتيريس خطورة أوضاع ملايين الأشخاص الذين يتشبثون بالحياة في ظل سوء التغذية وأعمال العنف والأمراض. وقالت ماري نياراك بعد أن حصلت على بعض البذور من منظمة إغاثة في بلدة ثونيور في ولاية الوحدة إن «الأمر يستحق المخاطرة حتى أستطيع أنا والأطفال الحصول على شيء أفضل لنأكله». وفر زوجها إلى دولة السودان المجاورة حين تصاعدت أعمال العنف في عام 2015، ولذلك فهي تعيش الآن في المستنقعات مع طفلين ليسا من أقاربها. وقد أجبرت الحرب أكثر من مليون نسمة على الفرار عبر حدود جنوب السودان، وأطالت أمد قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة قوامها 11 ألف جندي من أكثر من 50 دولة. والآن هناك نحو 100 ألف شخص يواجهون الجوع ضمن ما وصفته الأمم المتحدة بأنه ناتج عن صراع من صنع الإنسان، حصد بالفعل حياة عشرات الآلاف. وقد لا يجد نحو 5,5 مليون شخص، وهو نحو نصف سكان البلاد، ما يكفي من الطعام بحلول شهر يوليو المقبل. والحرب الأهلية التي بدأت في ديسمبر 2013، في أحدث دول العالم ظهوراً على الخريطة، قلصت بشدة إنتاج الزراعة التي يعتمد عليها غالبية سكان جنوب السودان، مما خلق «عجزاً مزمناً في إنتاج المحاصيل على امتداد البلاد» حسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو». وتفاقم القتال في ولاية الوحدة، التي تقع فيها مقاطعتا لير وماينديت، يعني صعوبة إمكانية وصول جماعات الإغاثة إليها. ويواجه عمال الإغاثة مخاطر الوقوع فريسة لأعمال العنف بعد إعلان الأمم المتحدة المجاعة في ولاية الوحدة. فقد قُتل ثلاثة عمال إغاثة في شمال شرق البلاد، يوم 10 أبريل الجاري، ليصل عدد عمال المساعدات الإنسانية الذين قتلوا في الصراع الدائر في جنوب السودان حتى الآن إلى 82 شخصاً، حسب بيانات للأمم المتحدة. وفي هذا السياق صرح «يوجين أويسو»، منسق مساعدات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في البلاد، للصحفيين يوم الأربعاء الماضي أن 400 ألف شخص في لير وماينديت والمناطق المجاورة لهما حصلوا على مساعدات تنقذ حياتهم، ولكن مازال «يتعين بذل جهد أكبر بكثير». وفر السكان أيضاً من ثونيور التي تقع على بعد 420 كيلومتراً شمال العاصمة جوبا، ولم يتبق هناك إلا المباني المهجورة. ويسيطر على المنطقة متمردون يقاتلون جيش الرئيس سلفاكير المسيطر على بلدة لير، وهي لا تبعد عن ثونيور أكثر من 10 أميال. وينشب القتال من حين إلى آخر على الرغم من إعلان كل من الجانبين التزامه وقف إطلاق النار. وهذه المناطق الشمالية من البلاد غالبية سكانها من قبيلة النوير، وهي ثاني أكبر عرقية في جنوب السودان، وينتمي إليها الزعيم المتمرد ريك مشار. وتؤكد الأمم المتحدة أن القوات المؤيدة للحكومة ارتكبت أعمالاً وحشية ضد المدنيين من قبيلة النوير، وهو الشيء ذاته الذي فعله متمردو النوير أيضاً ضد المدنيين من قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها سلفاكير. ولا تجد «نياجينج نجوين»، البالغة من العمر 45 عاماً، ولها من الأطفال ستة، ملجأ سوى العيش في المستنقعات منذ أن اكتسح المسلحون قريتها في ديسمبر الماضي. وتقول نجوين «إنه إطلاق نار عشوائي بلا تمييز على المدنيين وحرق للمنازل وسرقة للماشية واغتصاب للفتيات وعمليات خطف. حين نفقد ماشيتنا ولا نستطيع الزراعة تصبح الحياة جحيماً لا يطاق»! وبدوره صرح «سكوت دوسيت»، ممثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للصحفيين، أثناء زيارة لير الأسبوع الماضي، أنه يأمل في أن يستطيع السكان المواطنون زراعة الأرض في مايو المقبل، ليحصدوا ما زرعوا في شهر أغسطس. أما «جاتلوك تشول»، البالغ من العمر 70 عاماً الذي يعيش هو أيضاً وسط المستنقعات مع زوجاته الثلاث وأطفاله التسعة، فقال: «إن الأمور قد تصبح أفضل تدريجياً مع وصول المساعدات الغذائية. ولكننا نريد شيئاً أكثر من هذا وهو السلام». *صحفي يعمل في جوبا في جنوب السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©