الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستقطاب السياسي بين المدن والأرياف

22 ابريل 2017 21:42
أصبحت حالة الانفصام المتفاقمة بين سكان الحواضر المقيمين في المدن الكبرى، وبين الفلاحين سكان الأرياف، هي التي تحكم على طبيعة السياسات المتبعة في معظم دول العالم. وهي التي دفعت باتجاه تنظيم استفتاء الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت، وأتت أيضاً بدونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ويوم السبت الماضي، فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستفتاء يهدف إلى تكريس سلطاته في الحكم مدعوماً بأصوات سكان معظم المناطق التركية ما عدا المدن الكبرى. وتتحكم مدن اسطنبول وأنقرة وإزمير بنحو 46 في المئة من الناتج الاقتصادي لتركيا على رغم أنها لا تضم سوى 23 في المئة من مجموع عدد سكان البلاد. وهذه المدن الكبرى الثلاث صوتت (بشكل عام) ضدّ تكريس السلطات الاستثنائية لأردوغان، وهي السلطات التي حوّلت النظام السياسي في تركيا إلى «جمهورية رئاسية قوية». وكما هو حال كل رؤساء الجمهوريات، بات في وسع أردوغان تشكيل الحكومة، وتسمية قضاة المحكمة العليا، والاحتفاظ إلى جانب كل ذلك بعضوية حزبه السياسي. ويبدو أن تجاوز الإرادة الانتخابية لسكان المدن الكبرى من طرف ناخبي الأرياف، أصبح ظاهرة معتادة أيضاً في الولايات المتحدة. وبعد أن صوت سكان المدن بكثافة ضد ترامب في انتخابات شهر نوفمبر الماضي، وظهرت نتائجها لصالحه، خرجوا في مظاهرات احتجاجية ملأت الشوارع، تماماً مثلما فعل سكان اسطنبول وأنقرة وإزمير في ساعة متأخرة من مساء يوم السبت الماضي. وتكررت القصة ذاتها أيضاً في العاصمة البولندية وارسو التي صوت معظم سكانها في انتخابات عام 2015 ضد «حزب القانون والعدالة» القومي اليميني المتطرف. وكذلك مدينة لندن التي صوتت ضد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وإذا خسرت مارين لوبن الانتخابات الرئاسية، فستنضم فرنسا إلى نادي الدول التي يُسجل فيها انتصار جديد لإرادة سكان المدن الكبرى. وسبق أن حدث مثل هذا في الانتخابات الرئاسية النمساوية في عام 2016، وأيضاً في الانتخابات البرلمانية الهولندية الشهر الماضي، حيث انتصر المرشحون الليبراليون المدعومون من سكان الحواضر الكبرى على القوميين الذين يتلقون الدعم من القواعد الشعبية القوية لسكان الأقاليم والأرياف. وحتى في الدول التي تحكمها أنظمة شديدة التمسك بالسلطة، نجد أن سكان المدن الكبرى لا يرحبون ببقاء تلك الأنظمة. ومن الأمثلة على ذلك، مدينة موسكو التي حصل فيها حزب الرئيس فلاديمير بوتين على أسوأ نتائجه الانتخابية. وكان حزب رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان «الحزب القومي المحافظ»، قد فاز في انتخابات عام 2014 في كل المناطق، ولكنّه لم يحصل إلا على أغلبية ضئيلة في العاصمة بوادبست. ويمكن أن يُعزى هذا الانفصام في التوجهات السياسية بين سكان الحواضر والأرياف للعولمة التي أفرزت رابحين من سكان المدن الكبرى وخاسرين من سكان الأرياف. ويمكن تبسيط ذلك بمثال واضح. فأردوغان الذي سبق له أن شغل منصب محافظ اسطنبول، لم يخسر أي انتخابات فيها، إلا أن هذه العاصمة التجارية التركية رفضت التعديلات الدستورية التي اقترحها بنسبة 51,4 في المئة من أصوات الناخبين. ويبدو وكأن هناك لغة سياسية وطنية معينة خاصة بكل دولة لمخاطبة الجماهير. وأولئك الذين يتقنون التحدث بها بطريقة مقنعة هم الذين يفوزون بأصوات سكان الأرياف. وهذا ينطبق على الولايات المتحدة مثلما ينطبق على تركيا. إنه حديث القوة العسكرية والتمسك بالعادات والتقاليد. وغالباً ما تذكرهم هذه اللغة بالعصور الذهبية التي عاشتها بلادهم في العصور الماضية. ويمكننا أن نفترض أن سكان المدن تتزايد لديهم المشاعر المعارضة للعولمة بسبب ما تمثله من ميل لتسطيح الثقافات العالمية ودمجها في بعضها بعضاً. ووفقاً لهذا التوجّه الذي أؤمن به، فإنني أعتبر نفسي شخصياً من سكان موسكو بأكثر من كوني مواطناً روسياً. وبما أنني أعيش الآن في برلين، فإنني أشعر بأنني «برليني» بأكثر من شعوري بأنني ألماني. وقد أظهرت استطلاعات رأي نظمت قبل عدة سنوت أن عدداً متزايداً من سكان لندن يشعرون بأنهم أكثر تعلقاً بمدينتهم من تعلقهم بالمملكة المتحدة. وقد قابلت الكثير من سكان نيويورك الذين قالوا لي إنهم يعتبرون أنفسهم «نيويوركيين» بالدرجة الأولى، وأميركيين بالدرجة الثانية، وهو الشعور الذي بدا متضخماً من خلال موقف التحدي الذي سجله حاكم المدينة ضد سياسات ترامب المعادية للهجرة. واسطنبول، واحدة من المدن التاريخية القديمة التي يتغلب فيها الانتماء المحلي على الانتماء الوطني. وتتطلب الروح الحضرية للمدينة نظام حكم أكثر ميلاً للامركزية من ذلك الذي عرضه أردوغان للاستفتاء. وتكمن صعوبة التخاطب مع سكان المدن في أن الكثير من الأنظمة الانتخابية انقلبت عليهم. ويعتبر نظام «المجمع الانتخابي للولايات المتحدة» الذي يمنح الولايات الصغيرة من عدد الأصوات ما لا يتناسب مع حجمها، مثالاً حياً عن هذه الظاهرة. والسياسيون الذين يفوزون بأصوات الناخبين الريفيين يبذلون أقصى الجهود لتوسيع الرقعة الجغرافية لنجاحهم. وفي المثال المقابل، يسعى «حزب القانون والعدالة» البولندي لتوسيع قاعدته الانتخابية حتى تشمل 32 دائرة انتخابية تحيط بالعاصمة وارسو لكي يضمن أغلبية مقاعد مجلس العاصمة في الانتخابات التشريعية المقبلة. *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©