الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالعزيز جاسم يصطدم بالوجود ويمجد الجمال والحب

عبدالعزيز جاسم يصطدم بالوجود ويمجد الجمال والحب
25 ابريل 2010 21:44
تأتي مجموعة عبدالعزيز جاسم الجديدة “افتح تابوتك وطر” الصادرة ضمن منشورات هيئة أبوظبي للثقافة والتراث “قلم”، بعد ما يقارب خمسة عشر عاما من صدور مجموعته “لا لزوم لي” الصادرة عن دار الجديد اللبنانية منتصف التسعينات، لتكرس صوتا متميزا في اختلافه وخروجه على مألوف الشعر العربي وما عرفته قصيدة النثر منذ السبعينات. وهنا لسنا بصدد قراءة للنص بقدر محاولة رصد أثر النص وما يتبقى منه بعد الانتهاء من قراءته. منذ عنوان المجموعة، يصطدم الشاعر بالسؤالين الأساسيين في الوجود، فيجد القارئ نفسه أمام ثنائية الموت والطيران/ الحرية، الموت الفيزيقي أو المعنوي، والحرية بمعناها المطلق، الحرية التي تبدأ من الوعي القديم متمثلا في مقولة وتساؤل جلال الدين الرومي “فامض يا طير الدار، فماذا تعرف أنت، ماذا نصنع نحن طيور الماء في ذلك البحر؟”. إنه الاصطدام الحاد بالكون ومكوناته وكائناته وعناصره البدئية. نحن هنا في صدد شعر يكثف مأساة الإنسان إزاء الوجود، ويقدم عصارة رؤيته الفكرية والنفسية والعاطفية لما يعيش ويرى ويحس ويحلم، رؤية تتقطر من تجارب المعيش والمرئي والمفكّر والمحلوم، بما ينتج القصيدة الشعرية ذات الأبعاد الفلسفية العميقة، والتي لا تخلو من البعد الغنائي الشفيف. وتتلون القصائد هنا أيضا ببعد سوريالي يختلط بالصوفي الزاهد، ولكن القوي المواجه والمتحدي لقوى الشر والعفن والتسلط والقهر. بعد العنوان، تحضر تحية الوداع، وتتفجر في “وداعا.. وداعا” نبرة التحريض والتحدي، ونفتح قاموس الشاعر لنقرأ شيئا من مفرداته: افقأ حدقة الرماد، العفن وسوس العظام، قفل، خريطة، النمل، غريبا عشت ووحيدا، كما عشت تموت، مزق الكفن، اركل سقفك الواطئ، طر طيرانك الخرافي، المنشق، طيرانك البهيج، اخرج من مقابرهم. وتتصعد هذه النبرة في قصيدة “أوبرا لمدينة في طنجرة”، التي تحتل حيزا كبيرا في المجموعة، بل تشكل العصب الرئيس لها في ما يخص العلاقة مع المدينة، وما تشير إليه من معالم الكون، فالمدينة هنا تمثيل لهذا الكون وما ينطوي عليه. وفي هذه المدينة (الكون) يستخدم الشاعر السلم الموسيقي ليقدم لنا “طبخة” سوريالية للمدينة، تبدأ من “دو”، حيث بداية الطبخ، وتنتقل إلى “ري” حيث تأمل الذات متمثلة في علاقتها مع الآخر (طريقهم.. طريقك)، وتأتي “مي” التي يقف فيها الشاعر، الإنسان في مواجهة غياب روحه ويمزج الواقعي بالأسطوري: أسياد الغابة.. طعنوا الوعل الشارد والخنزير البري. وفي درجة “فا” نقرأ الشرود، ثم نقرأ في “صول” شياط الطبخ، والنشنشة الفوارة. هنا يستخدم الشاعر أدواته الشعرية والبلاغية والموسيقية، فتكون “الطبخة” مفتاحا إلى علاقته بالعالم، ونقف على استعاراته الحاملة لرؤيته فنقرأ “نفز نفزة، رأس مستقبل، حناجر متبلة.. رئات مخنوقة.. طحال المحبة.. دلق أشلاء مدينة مقطعة إلى مائة قطعة في الطنجرة، وأحكم إغلاقها!”. سؤال مهم من أسئلة هذه القصيدة يتعلق بالمواجهة بين المدينة والقرية، بين الراهن والماضي، وما يمثله كل منهما، حيث “المدن سراويل ضيقة مهما رحبت.. القرى قمصان واسعة بلا أكمام”. فالمدينة رمز الشر “مدينة منفوخة كلها بالسيليكون”، وهي عبارة عن “طابور من الأنياب”، يصرخ الشاعر فيها “اختنقنا بالمازوت والكراهية”. وفي السياق نرى شخصا “حاذى زمنا ليس للبشر”. وفي هذه القصيدة يكسر الشاعر السلم الموسيقي، متنقلا بطريقة جديدة من “دو” إلى “فا” كما ينتقل المشرد من حضارة إلى أخرى، من إرم وسبأ وعمان ودلمون وغيرها، فهو “يسافر موحودا”، بل إنه يركب قطارا “من دون صوت” وحين يكتشف أن الصبية ذات الشعر الأبيض وراء المقود هي “سائقة الأبدية” ترتد روحه إليه و”يجول كالمخطوف.. خارج الزمان.. كشعب كامل من العشاق.. متسكعا في ألف مدينة شفقية”. القصائد الأخرى لا تختلف في الجوهر، فهي غوص في المجهول، بحثا عن الجمال والخير، ومرافقة للبؤساء والمشردين. ففي “قميص طنجة” ثمة “ليل العصابات” حيث حميد والكلاب والمقصلة”، وهنا النيجيري الذي “دفن في فسلته”، وهنا المرأة البربرية التي “بدرهمين تبيع كازابلانكا”، وثمة “الحاجة الحشاشة”، وهنا شاب ورفيقته “مثل جرحين يتمشيان”، وأخيرا ثمة من يسأل “أين كنتم؟” لكل من انتبهوا إلى احتضاره وموته. وفي “أرض الدورادو” تتواصل الرحلة، حيث الراهبة ومروضة الفهود، وملاك الغجر، وراؤول الذي هو “البؤس والفقر”. لننتهي “في حانة سيمون بوليفار”. الطرد ليْسَ في سَرْجِ حِصَانهِ رِساَلةٌ ولا كَلِمَاتُ كَبيرةٌ في فَمِهِ كي يُوصِلَها الى أهْلِها أو يَتْركها وصيَّةً لأحَدٍ. ليسَ لدَيْهِ أوهام ولا نَيَاشيْن على كَتِفِه كذلك. كلُّ ما في الأمْرِ هُناكَ حياةٌ شَوْكية على ظَهْرِهِ يُريْدُ إنْزالهاَ هُنا في البُقْعَة الغَريبَةِ هذه يَسْتَريحُ قليلاً، يَنَامُ مثلاً ويمضي وحيداً وخَفيْفاً بدُونِهَا.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©