الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علـم البيــان «10»

2 يونيو 2016 02:13
بذل العلماء كثيراً من الجهود للتعرف إلى وجوه البيان، ولم تقف جهودهم عند دراسة المجاز فقط، فهم قد اعترفوا أن وجوه البلاغة في كتاب الله يصعب تحديدها، لذلك صاروا إذا سئلوا عن تحديد هذه البلاغة التي اختص بها القرآن، الفائقة في وصفها سائر البلاغات قالوا: «إنه لا يمكننا تصويره، ولا تحديده بأمر ظاهر نعلم منه مبيانة القرآن غيره من الكلام، وإنما يعرفه العالمون منه عند سماعه ضرباً من المعرفة لا يمكن تحديده»، ولكن لم تمنعهم الصعوبة من محاولة استنباط ما يستطيعون استنباطه من وجوه البلاغة في القرآن، حتى اهتدوا إلى معرفة نواحي الحسن فيه، والخصائص التي يمتاز بها، فنجدهم أن بعض تلك النواحي التي كانوا استحسنوها قد وضعوا لها الألقاب، وأطلقوا كلمة «البديع» على ما وقفوا عليه من مظاهر الجمال في الأعمال الأدبية، وقد نسب الجاحظ هذا الإطلاق إلى الرواة، إذ قال بعد رواية أبيات الأشهب ابن رميله: وأن الألى حانت بفلج دماؤهم... هم القوم كل القوم يا أم خالد هم ساعد الدهر الذي يتقى به... وما خير كف لا تنوء بساعد أسود شرى لاقت أسود خفية... تساقوا على حرد دماء الأساود قوله «هم ساعد الدهر» إنما مثل، وهذا الذي تسميه الرواة (البديع)، وقد قال الراعي: هم كاهل الدهر الذي يتقى به.. ومنكبه إن كان للدهر منكب وقد جاء في الحديث: «موسى الله أحد، وساعد الله أشد»، و«البديع مقصور العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، واربت على كل لسان». وجاء على أثر هذه المعرفة غير المحدودة المتكلمون في القرآن والباحثون عن أسرار بلاغته، فوضحوا هذه الفنون وكشفوا عن كثير منها، وأبانوا معالمها، والتي أصبحت فيما بعد من أصول المباحث البلاغية التي جد أعقابهم في حصرها وفي تصنيفها، ووضعها في القالب العلمي الذي تسلط على الدراسات البيانية أحقاباً طويلة، وامتد سلطانها إلى يومنا. وعدا ما ذكرنا سابقاً في المجاز فقد اشتمل كتاب ابن قتيبة «تأويل مشكل القرآن» الكثير من فنون البلاغة، منها أن العرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة، إذا كان المسمى بها بسبب من الأخرى أو مجاوراً لها، أو مشاكلاً، فيقولون للنبات: نوء، لأنه يكون عن النوء عندهم، والنوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، وقيل إلى الطالع منها لأنه في سلطانه. ويقولون: ضحكت الأرض، إذ انبتت، لأنها تبدي عن حسن النبات، وتتفتق عن الزهر كما يفتر الضاحك عن الثغر، لذلك قيل لطالع النخل إذا انفتق عنه كافوره: الضحك، لأنه يبدو منه للناظر كبياض الثغر، ويقال ضحكت الطلعة، ويقال النور يضاحك الشمس، لأنه يدور معها. ومنه قوله عز وجل: «أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس»، أي كان كافراً فهديناه، وجعلنا له إيماناً يهتدي به سبل الخير والنجاة «كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها»، أي في الكفر، فاستعار الموت مكان الكفر، والحياة مكان الهداية، والنور مكان الإيمان. ويلاحظ أن ابن قتيبة لم يلتزم في الاستعارة بالمفهوم المحدد الذي عرف فيما بعد، فقد رأينا في الأمثلة التي مثل فيها أنه لم يقتصر على ذلك المفهوم، بل عد كل نقل هذه الاستعارة، ولو لم تكن المشابهة العلاقة بين المستعار له والمستعار منه، كمثال النوء السابق، وكذلك في إطلاق العرب لفظ السماء على المطر لأنه من السماء ينزل، فيقولون: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، وقال الشاعر: إذا نزل السماء بأرض قوم.... رعيناه وإن كانوا غضابا وإطلاق لفظ السماء على المطر في الشطر الأول، وعلى النبت في الشطر الثاني، معدود عند البلاغيين من المجاز المرسل، لأن العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ليست المشابهة، فقد كان ابن قتيبة يرجع في فهم الاستعارة إلى المعنى. * المرجع البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانه طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©