الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعيد السويدي: قصر الحصن يحكي قصة أمة استلهمت حاضرها من ماضيها

سعيد السويدي: قصر الحصن يحكي قصة أمة استلهمت حاضرها من ماضيها
8 مارس 2013 22:20
لم تكن زيارة عابرة تلك التي جعلت سعيد السويدي، الباحث في الأنساب والتاريخ المحلي، يقف على أعتاب قصر الحصن، ذلك الصرح المهيب الذي يطل بكل شموخ محتفظاً بين أعمدته ومبانيه بتاريخ أمة عريقة، وحين كان يتفحصه كانت دقات قلبه تتسارع وتتراقص في آن معلنة عن مشاركتها في الاحتفاء بهذا المعلم الذي يحتوي الجميع ولا يقدر أحد على احتوائه، فوقف متسمراً وكأنه جزء من المكان يشم عبق التاريخ من حجارته التي تبعث في الأجواء سحراً لا يقاوم، مستشعرا قيمة مكان يلخص تاريخ أمة استلهمت حاضرها المزدهر من ماضيها العريق. أشرف جمعة (أبوظبي) - يسرد الباحث سعيد السويدي عددا من الحقائق التاريخية الخاصة بقصر الحصن، ومنها أن أبوظبي كانت معروفة قديماً كذلك باسم «مليح» بسبب ملوحة المياه فيها، وفي عام 1761م أمر الشيخ ذياب بن عيسى ببناء برج مراقبة لحماية المياه، وهكذا أصبح للناس مياه عذبة يشربون منها، ويسقون الإبل والماشية منها، ويستخدمونها في أغراضهم كافة، وكان عدد البيوت التي تسكن أبوظبي حينها 20 بيتاً، لكن بعد توافر المياه وبناء البرج زادت البيوت إلى 400 بيت في مدة عامين تقريباً، ومن هنا كان العثور على المياه العذبة منعطفا في تاريخ هذه الإمارة. أقدم الحصون عن الزيارة التي قام بها إلى قصر الحصن للمشاركة في فعاليات مهرجانه، يقول السويدي «كوني محبا للسفر عبر الأزمنة، فإن مهرجان الحصن منحني فرصة ذهبية لرؤية القصر عن قرب، إذ إنني قرأتُ عنه كثيراً، لكنني لم أحظ بشرف زيارته والوقوف في حضرة قطعة نادرة من تاريخ بلادي، وحين أطلت النظر إلى جدرانه ومبانيه سرح بي الخيال إلى أزمنة قديمة ورحت أتخيل الناس الذين عاشوا بالقرب منه وكيف بُني، وكيف عاش حكامنا وأجدادنا، وما يمثل هذا الحصن للأسر الحاكمة التي سكنته من قيمة، فمنه حكمت وأطلقت المراسيم، ونظمت الدولة وسيرت أمور الناس»، مؤكدا أن القصر من أقدم الحصون في الدولة. ويتابع «في هذه اللحظات تخيلت أيضاً أنني أتجول بين جدرانه وأتلمس حوائطه، وأتمثل حركات الأجداد الذين عطروه بنفحاتهم، خصوصاً وأنني في المحاولات السابقة لزيارته لم أتمكن من دخوله لأعمال الترميم التي كانت تجري به، ولا أنكر أنني أحسست بأنني جزء من هذه المناسبة المهمة في حياة كل الإماراتيين، ولا أنكر أن الحديث عنه يشبع رغبة جامحة في داخلي فالقراءة عنه شيء والاقتراب منه ومشاهدة معالمه الحية شيء آخر». ويوضح السويدي أن بعض العروض التراثية التي شاهدها أثناء حضوره جانباً من الفعاليات المصاحبة لمهرجان قصر الحصن كانت مؤثرة جداً إذ جسدت بمهارة وصدق الحياة السابقة، وكأنها صور منسوخة من التاريخ القديم خصوصاً من ناحية الملابس التراثية للنساء، والعرض الشائق للغوص عن اللؤلؤ وهبوب العواصف الشديدة في ذاك الزمن، وكيف تحمل الأجداد المشاق وكافحوا لترتسم في النهاية صورة رائعة تسكن الصدور وتطبع في القلوب وتوثق في العقول لتكون زاداً على الأيام ومرّ والسنين، مضيفا «ما أحوج الجيل الجديد إلى تمثل شخصية الجيل القديم وأن يسيروا على خطاهم ويهتدوا بهداهم ويتعلموا منهم الدروس التي تفيدهم في كل مناحي الحياة، فالسيرة العطرة لهم لا تخلو من طرائف ونوادر وحكايات لا يمل أحد من سماعها وسردها بصورة مستمرة في كل زمان ومكان». مناقب كريمة يقول السويدي «اتسعت مصادر الرزق وانتشر العمران في أبوظبي واتسعت رقعة البناء تدريجياً، وانتقل حكم آل نهيان من منطقة ليوا إلى أبوظبي حيث قصر الحصن الذي تؤكد المصادر التاريخية أنه بُني على مراحل وكان برج المراقبة هو أول أبنيته واللبنة الأولى التي تأسست به، ومن ثم توالت البناءات بتوالي الحكام، إذ إن بعضهم أسس بناء جديداً وآخرون سكنوا القصر من دون إضافة أية أبنية له»، مشيرا إلى أنه في كل الأحوال يظل للحصن بهاؤه وعظمته وشموخه وسحره في نفوس أهل الإمارات، إجلالاً لهذا الصرح الذي حوى بين جنباته جزءا مهما وأصيلا من تاريخ الدولة وتسلسلها الحضاري. ويرى السويدي أن «العلاقة بين الشعب والحكام على طول المراحل التاريخية كانت ولا زالت في أبهى صورها، فطبيعة حكامنا الكرام وخصالهم الشريفة ومناقبهم الكريمة كانت دائما تدعوهم إلى أن يسخروا أوقاتهم إلى الشعب، ورعاية مصالحه فقد تعاظم دورهم قديماً في الإصلاح بين الناس، وكان البعض يقصدهم لقضاء الحوائج أو للتمويل خصوصاً الذين كانوا يعملون في البحر، وفي الأعياد كان المواطنون يذهبون إلى حكامهم ويسلمون عليهم ما خلق عادات وتقاليد ظلت باقية رغم مرور السنين، إلا أن الأعراف القديمة ظلت موجودة وامتدت إلى هذا العصر في متوالية جميلة، فأصبحت سننا نقتدي بها ونتوارثها جيلاً بعد جيل، وفي هذا الزمن زادت النشاطات وأصبحنا مثل خلية النحل كل يؤدي دوره من دون كلل أو ملل من أجل استمرار المسيرة الحضارية». مركز الوثائق يقول السويدي «كل حكام آل نهيان سكنوا القصر، والمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه ظل به مدة بسيطة من الزمن إلى أن انتقل إلى قصر المنهل وتحول قصر الحصن إلى مركز للوثائق والدراسات ومعلم تراثي يخدم الدولة في مجال البحث التاريخي والتوثيق للتراث المحلي»، مشيرا إلى أن «الجيل القديم يعرف جيداً مكانة قصر الحصن وينظر إليه نظرة إكبار وإجلال على سبيل أنهم عاشوا فترة مهمة مع بعض حكامنا الكرام وكانوا يذهبون إلى القصر بقصد الزيارة». ويلفت السويدي إلى أن الكثير من الناس معلوماتهم عن القصر بسيطة، ولا ترقى إلى أهميته ومنزلته التاريخية، لذا فمن الطبيعي أن تهتم القيادات الرشيدة في الدولة به، فالحصن ليس مجرد مبنى لكنه قصة بفصول كاملة تحكي حقائق تاريخية عظيمة في حياة هذه الأمة التي استلهمت من ماضيها حاضرها، واستطاعت أن تؤسس لدولة مدنية لها طابعها الخاص وجغرافيتها الممتدة عبر الزمان والمكان، وبجذورها القديمة وحاضرها السعيد أيضاً». ويشير إلى أن إضافة مادة تاريخية عن قصر الحصن ضمن المناهج الدراسية بالدولة خطوة مهمة ومفيدة للطلاب في جميع مراحلهم التعليمية، للتعريف بحياة الأجداد وقصص كفاحهم الطويلة التي يستلهم منها أبناء الوطن العبر، ومن ثم تكوين ملامح دولتهم بالجد والاجتهاد من أجل كسب أقواتهم، والمغفور له بإذن الله الشيخ زايد طيب الله ثراه كانت له مقولة تاريخية وهي «من ليس له ماض ليس له حاضر» فتحت أمام الباحثين الطريق لدراسة قصر الحصن، ومحاولة الاقتراب منه والتأريخ له بمنظور حديث يواكب التطورات المجتمعية في هذا العصر، بحيث تصل الرسالة إلى شرائح الناس كافة، وخاصة الشباب الذي نشأ على قيم وتقاليد أرساها الأجداد، ومضى على خطاها الآباء الذين بدورهم نقلوها إلى الأبناء حتى تستمر المسيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©