السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان... إعادة إحياء المبادئ التأسيسية

باكستان... إعادة إحياء المبادئ التأسيسية
20 يوليو 2009 22:50
عقدت باكستان أول جلسة لجمعيتها الانتخابيّة، التي شُكِّلت لصياغة الدستور ولتصبح برلمانها الأول في 11 أغسطس عام 1947. وقد رُشّح حينها جوغندر ناث مندال، وهو هندوسي من إحدى الطبقات الاجتماعية المهمّشة رئيساً لهذه الجمعية. ويومها قال القائد الأعظم محمد علي جناح، مؤسس باكستان: «أنتم أحرار، أنتم أحرار لتذهبوا إلى معابدكم. أنتم أحرار لتذهبوا إلى مساجدكم وأماكن عبادتكم في دولة باكستان. تستطيعون الانتماء لأية طائفة أو عقيدة، وهذا لا علاقة له بعمل الدولة». وبهذا أرسى محمد علي جناح أركان نموذج تعددي في باكستان لترتقي كدولة مسلمة حديثة. وبعد وفاته عام 1948، جرى تجاهل هذا النموذج إلى درجة بعيدة، وطالما استخدَم زعماء الدين في باكستان، التي يشكل المسلمون فيها 96,5 في المئة من السكان، أداة للتفريق بدلا من الوحدة. وفي عام 1949 صدر «قرار الأهداف»، كمقدمة للدستور، معلناً باكستان دولة إسلامية، تحكمها المبادئ الإسلامية، وأُعلِنت جماعة الأحمدية، طائفة غير مسلمة من قبل الجمعية الوطنية عام 1954، وتم تأميم البعثات المسيحية التبشيرية الثقافية والصحية عام 1972. وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي وبدايات ثمانينياته، وفي محاولة لكسب الشرعية لحكمه العسكري، بدأ الجنرال ضياء الحق عملية «أسلمة» أشمل، وبدأت حكومته تطبيق الشريعة عن طريق تنفيذ «الحدود»، بناء على أحكام تصدر عن قضاة إسلاميين معيّنين. وكانت المناهج المدرسية خلال تلك السنوات تُراجَع بهدف إدخال مكونات دينية بشكل كاسح لبناء «الشخصية الإسلامية» في أوساط الشباب الوطني، وتمجيد الأبطال المسلمين. وقد تجاهلت تلك المناهج الجديدة الباكستانيين غير المسلمين ودورهم في العملية التنموية الوطنية، الأمر الذي عمل على استقطاب فئات المجتمع الباكستاني عبر خطوط طائفية ودينية حادة. إلا أن الباكستانيين العاديين لم يفقدوا الأمل، على رغم هذه السياسات، بالنموذج الذي أوجده المؤسسون: مجتمع تعددي في دولة ذات غالبية إسلامية. ولذلك بدأ الباكستانيون من كافة العقائد والأصول والثقافات، بعد أن رأوا في التطرف الديني تهديداً مشتركاً لهم جميعاً، العمل معاً من أجل باكستان أكثر تسامحاً. وقد تسامى على الحدود الدينية الدعم المقدم لضحايا زلزال عام 2005 والنازحين في الداخل نتيجة للنزاع بين «طالبان» والحكومة. ويثبت وجود متنامٍ لمنظمات المجتمع المدني وحملات حقوق الإنسان والمرأة والحريات المدنية والمسؤولية الاجتماعية، رغبة في التوجه نحو المساواة. ويعمل عدد من المبادرات التطوعية على مستوى الجذور، مثل حركة الكتلة الحرجة، وحركة المحامين وحركة نحن الباكستانيين، على إنعاش شعور جماعي بالأمل من خلال توفير المعونة والدعم للنازحين وتنظيم الشباب لتنظيف المدن وتنظيم حملات وعي تنهض فوق الولاءات الدينية والثقافية والعرقية. والحال أن الدولة تحتاج لأن تبني على هذه الحركات، وأن تتصرف فوراً لتصحيح أخطاء الماضي، وتحويل هذا التحدي إلى فرصة. ويمكن للخطوات التالية أن تساعد على وضع الدولة الباكستانية مرة أخرى على الطريق الصحيح: 1) إصلاح مناهج المدارس الحكومية لتخدم جميع الباكستانيين وتزرع في الطلبة فكراً تعددياً يحترم الفروق، ويؤكد على فوائد التعددية والتنوع في مكونات الأمة الحديثة. 2) مراجعة مناهج المدارس الدينية لتضم مواضيع مثل العلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضيات واللغات الأجنبية والآداب والدراسات الاجتماعية والمدنية والديانات العالمية، وجميعها توفّر للطلبة فهماً أوسع للشؤون الداخلية والعالمية. 3) إبراز المساهمات البنّاءة للباكستانيين غير المسلمين في الإعلام. ويمكن للإعلام، من خلال تدريب صحيح، أن يلعب دوراً في إشاعة أجواء التعايش والتسامح، عبر تغطية الأخبار والقصص الإيجابية والتوقف عن الإساءة لسمعة الأقليات. 4) إزالة وتغيير القوانين المميّزة التي تجعل من التعايش بين المسلمين وغيرهم أمراً صعباً، مثل قانون الكفر والتجديف (الأقسام 295 ب و295 ج من اللائحة الجزائية الباكستانية)، الذي استخدم أحياناً لمحاكمة غير المسلمين المتهمين بالإساءة للإسلام. وتزداد أهمية كل هذا أكثر إذا تذكرنا أن غير المسلمين شكلوا، منذ تأسيس باكستان، جزءاً لا يتجزأ من الدولة. ويعكس علم باكستان هذا التنوع: حيث يمثل الجزء الأبيض منه السكان غير المسلمين، ويشكل الجزء الأخضر الداكن السكان المسلمين. وبالطبع فإن ما ندعو إليه لن يكون أمراً سهلا، ولكن يحتاج الباكستانيون إلى إعادة إحياء روح الوحدة في التنوع التي شكلت مبادئ بلادهم التأسيسية. هارون ناصر كاتب ومحلل سياسي باكستاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©