السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كاميرون... وأعباء وصمة الرجل الأرستقراطي!

كاميرون... وأعباء وصمة الرجل الأرستقراطي!
26 ابريل 2010 22:11
ترعرع الرجل الذي قد يصبح زعيم بريطانيا المقبل، في بيت شاسع بقرية إنجليزية ذات بيوت مسقوفة بالقش. وتحف بيت ذويه الحقول الخضراء وأكشاك التليفون بلونها الأحمر التقليدي. وخلال صباه لعب التنس في ملعب العائلة، ولم تفته أيضاً المشاركة في ممارسة رياضة صيد الثعالب المشهورة في المملكة المتحدة. وحتى مساره التعليمي لم يبتعد كثيراً عن تربيته المرفهة، حيث حصل على شهادته من جامعة أوكسفورد التي انضم فيها إلى نادٍ للشباب المرفهين، المقبلين على الحياة. إنه ديفيد كاميرون البالغ من العمر 43 سنة، والذي تقلد منصبه الرسمي الأول قبل تسع سنوات فقط ليصبح اليوم أحد أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة البريطانية، والسياسي المحافظ الذي قد يرأس الوزارة بعد الانتخابات العامة التي ستعقد في السادس من مايو المقبل. وفي حملته الانتخابية يروج كاميرون لبرنامج واعد يتعهد فيه أمام الناخبين بنمط جديد من السياسة المحافظة قائم على التضامن ومساعدة البريطانيين على مساعدة أنفسهم؛ كما يقول. ولكن على رغم وعوده البراقة ومحاولاته المستميتة لتلميع صورته لا يستطيع كاميرون إخفاء خلفيته الأرستقراطية المرفهة، لاسيما في بلد ما زال يقيم اعتباراً للفوارق الطبقية التي تؤثر في المزاج السياسي للناخبين وتدفعهم إلى اختيار المرشح، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل المواطن البريطاني "ليام ديدزبيري" مثلاً غير قادر على تخيل نفسه وهو يصوت لصالح حزب "المحافظين" مهما حاول زعيمهم كاميرون التخفيف من صورة ماضيه والترويج لنفسه باعتباره شخصاً ينتسب إلى عامة الشعب. وعن هذا يقول "ليام": "إن الشعب البريطاني لا يحبذ رؤية الأشخاص من الطبقات العليا وهم يحاولون التنصل من صورتهم الحقيقية"، واصفاً كاميرون بـ"بالمحافظ الأرستقراطي الذي درس في مدرسة إيتون النخبوية، ثم التحق بأكسفورد". غير أن الأمر لا يتعلق بكاميرون وحده بل بزملائه الآخرين في حزب "المحافظين" وخاصة المرشحين منهم لشغل مناصب في الحكومة المقبلة في حال الفوز في الانتخابات العامة، حيث يوجد في صفوفهم العديد من الشخصيات الشبيهة بكاميرون في انحدارها من الطبقات العليا للمجتمع. وهذه الحقائق والمعطيات حول الخلفية الاجتماعية للسياسيين في بريطانيا لا تذهب سدى لأنها مثار نقاش وملاحظة من قبل الرأي العام، وذلك على رغم اختفاء الانقسامات الطبقية في صورتها المتشددة التي كانت سائدة في مجتمع ما زال يحافظ على العديد من الألقاب المتوارثة مثل الدوق والإيرل والكونتيسا والفارس وغيرها، وهو أيضاً ما يذهب إليه الخبراء الذين يؤكدون استمرار دور الطبقة الاجتماعية في التأثير على ميول الناخبين على الأقل في اللاوعي الذي لم يتخلص تماماً من ترسبات الماضي. وهذا الواقع البريطاني الفريد يفسر إلى حد كبير محاولات رئيس الوزراء "العمالي" براون، الذي يحتل مرتبة متأخرة في استطلاعات الرأي، للترويج لنفسه على أنه أحد أبناء الطبقة الوسطى المدافعين عن امتيازاتها، كما يفسر لماذا لم يركز كثيراً مرشح الحزب "الليبرالي الديمقراطي" نِك كليج، على مساره الدراسي في مدرسة للنخبة ثم في جامعة كامبريدج، وتجنب الإشارة إلى هذا الأمر، على رغم تقدمه في استطلاعات الرأي وبروز حزبه كقوة سياسية مهمة في الساحة السياسية البريطانية. لكن كاميرون الذي أدرك الإحراج الذي تشكله خلفيته الاجتماعية في بيئة شعبية تميل أكثر نحو ممثلي الفئات الواسعة من الشعب سارع مع ذلك إلى نفي أي مشكلة قد يطرحها انتماؤه الطبقي، مؤكداً أن الأمر لن يعيق انتخابه، ومشيراً في حديث أدلى به لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى أن "الشعب البريطاني تجاوز الاعتبارات الطبقية، وهو يهتم أكثر بما سيقوم به السياسي وليس من أين أتى، كما يعتقد أن هذا النوع من الصراع السياسي المبني على أساس طبقي صار جزءاً من الماضي لأنه يزرع الانقسام في المجتمع". وعندما ضغط عليه الصحفي الذي أجرى معه اللقاء سائلاً عما إذا كان ينتمي إلى الطبقة الوسطى، أو العليا؟ فضل كاميرون عدم اختيار أي منهما مكتفيّاً بالإجابة "إن وضعي مريح"! وفي الميدان يصور نفسه على أنه الرجل العملي القادر على الإنجاز والتنفيذ، كما يحب أن يطلق عليه اسم "ديف"، لكن محاولاته المستيمتة للظهور بمظهر الرجل العادي والابتعاد عن صورة الشخص الأرستقراطي لم تمنعه مع ذلك من ارتكاب بعض الهفوات، فقد وصف كاميرون زوجته في تصريح شهير، وهي ابنة أحد الأشخاص من ذوي الألقاب المهمة في بريطانيا، بأن مسارها "غير اعتيادي" لأنها لم تسلك طريقة المدرسة الداخلية التي يدخلها أبناء الطبقات المخملية في المملكة المتحدة! كما أن استعداد كاميرون للتوجه إلى مقر البرلمان بالدراجة تعرض، هو أيضاً، لنكسة عندما شوهد مساعده وهو يحمل له الحقيبة على متن سيارته الفارهة، وقد علق الصحفي "جوهان هاري" من صحيفة "ذي إندبندنت" قائلا: "إن المشكلة ليست في الخلفية الاجتماعية لكاميرون، بل هي في عدم محاولته تجاوزها، فهو يكشف وإن بصورة غير مقصودة، نظرته المشوشة حول بريطانيا وقلة فهمه لها". ولعل ما عقد الوضع أكثر بالنسبة لكاميرون هو تصرفات بعض زملائه من حزب "المحافظين" الذين يكرسون صورة الحزب الساعي إلى الحفاظ على امتيازاته الطبقية، مثل "نيكولاس وينترتون" المشرع المحافظ الذي عبر عن امتعاضه من خفض النفقات البرلمانية لأن ذلك في نظره يعني اضطرار البرلمانيين إلى ركوب الدرجة العادية في القطار التي تستقلها "فئة مختلفة من الناس" بدل الدرجة الأولى التي اعتاد عليها. وكذلك "دوجلاس هوج"، البرلماني من حزب "المحافظين" الذي جعل دافعي الضرائب يسددون فاتورة إفراغ البركة المحيطة بقصره في الريف الإنجليزي. والأمثلة كثيرة، بطبيعة الحال. هنري تشو - بريطانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©