الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شعراء بالجملة

26 ابريل 2010 22:16
حين أحضر أمسية شعرية يشارك فيها أكثر من شاعرين، أخرج منها وكأنني لم أستمع إلى أحد، إلا نادرا. دأبت المؤسسات والاتحادات الثقافية والأدبية على تنظيم أمسيات متعددة الأشخاص والأصوات، ظنّا منها أنها تضمن حضورا مكثّفاً، لكن تنظيم هذه الأمسيات يساوي عدم تنظيمها من الناحية التفاعلية والاستماعية، فلا تكاد تترك أثرا على الذائقة الإبداعية، ناهيك عن الحضور الطاغي والإجباري للقيام بدور التمايز بين الشعراء، وهو ما ينعكس سلبا عليهم، إذ لا بد من وجود شاعر يطغى على الآخر، إما بإلقائه المؤثر المتقن، وإما بنضج تجربته، ويتجلّى ذلك في المساحة الزمنية التي تلي الأمسية، حين يتحولق الحضور حول الشعراء، ويبدؤون بإطلاق كلمات الإعجاب والمفاضلة والمقارنة. حين أستمع إلى شاعر واحد، فإنني أدخل إلى عالمه الشعري، أدرك مفرداته، ومستوى تجربته، وتوظيفه لمعارفه، وتقاطعه مع الشعراء الآخرين، حتى لو كانت تجربته متواضعة، لأنه سيختار أجمل ما عنده، وبالتالي، أغادر الأمسية وكأنني قرأت ديوانا شعريا خلال فترة زمنية قصيرة. مناقشة الشعر بعد الأمسية قضية أخرى يرتكبها منظمو الأمسيات، وبما أن ناقدا لم يرافق الشاعر بمداخلة نقدية مدروسة وموضوعية، فإن الحوار غالبا ما يتحول سريعا عن الشاعر وشعره، إلى قضايا تنظيرية بحتة، تنسينا ما قاله الشاعر، ناهيك عن حشرها له في زاوية صعبة، إذ يتحول الشاعر رغما عن أنفه، إلى منظّر، وناقد، وباحث في شؤون الأدب والإبداع والنقد، وإلى مدافع عن قصائده، وكأنه يناقش رسالة أكاديمية، ويتحمل الآراء الاعتباطية العشوائية، والأحكام غير المعلّلة، بينما يجب ألا نفترض في الشاعر هذا الدور الثقيل، ولاسيّما بعد أن يكون قد قرأ ما قرأ، وأفرغ جعبته وصوته ومفرداته في المدى القابع بيننا وبينه.. وأنا لست ضد مناقشة تجربة الشاعر، على أن تكون بموافقته ومعرفته، وفي إطار تنظيمي مخصّص لذلك، وأن تكون قصائده موزعة على الحضور مسبقا، وأن تتلو القراءة الشعرية مداخلة تمهيدية معدّة مسبقا من قبل أحد الحضور، تلتزم كلّيا بالقصائد المقروءة، ولا بأس لو تعرضت لقصائد أخرى لم يقرأها الشاعر، لمزيد من الاستدلال والتعليل والإيضاح. كثيرون يعزفون عن المشاركة في أمسيات شعرية، فردية أو جماعية، وأحترم خيارهم، فالقراءة الشعرية تتطلب توفّر أجواء قريبة إلى حد ما من لحظة الكتابة، يتوفر فيها السكون، والإصغاء، وعدم مقاطعة الشاعر برنّة هاتف محمول، أو بحديث جانبي بين صديقين أو متجاورين، أو بالداخلين والخارجين، أو بأي نوع من المقاطعة، وكل ذلك يؤذي الشاعر. وتجوز القراءة الجماعية فقط في حالة واحدة وهي، المناسبات الوطنية والاجتماعية، وخلاف ذلك، لا بد من احترام الشاعر ونتاجه وحضوره وتجربته. ملاحظة: الشعراء المحليون فقط، يُحشرون في أمسيات جماعية، أما الضيوف، فلهم كل معاني الاحتفاء، لأن مزمار الحي لا يُطرب.. وكفى. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©