الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مريد البرغوثي يُبكي قارئه ويضحكه بين الشعر والقص

مريد البرغوثي يُبكي قارئه ويضحكه بين الشعر والقص
22 يوليو 2009 00:29
يطل مريد البرغوثي من خلال كتابه الأخير بعنوان «ولدت هناك.. ولدت هنا» شاعرا مؤثرا كما عرف عنه، لكن القارئ يجد نفسه كذلك امام قدرة وغوص سرديين بشعرية جذابة في ما يغلب عليها من حزن. والبرغوثي في كتابه الصادر عن دار رياض الريس للكتب والنشر في 283 صفحة متوسطة القطع، يكاد يبكي قارئه وهو في الوقت نفسه يضحكه دون شك. ومن ما يميز كتاب البرغوثي ان شاعرا يسكن دائما اعماق ما ينطوي عليه الكتاب في مختلف مجالاته .. السردي منها وما يبدو «تأريخيا» وما يطل في صور ذكريات ووجوه عيش. و يبدأ الكتاب بداية قصصية مشوقة محركة، ففي الفصل الاول الذي حمل عنوان « السائق محمود» تبرز عند مريد البرغوثي قدرة غير مصطنعة على السرد، ومن خلال السرد يبث الشاعر اراء وانطباعات وتحليلات تفيض ألما ومرارة في الغالب، لكنها لا تثقل هذا السرد بل تبدو جزءا اساسيا منه. الحياة الفلسطينية تفيض ألما ومرارة دون شك لكنك تحتاج الى موهبة وقدرة كي تجعل نصك يفيض هو نفسه بذلك فلا تبدو المسألة حشوا مصطنعا، حيث نقرأ السطور الاولى من السائق محمود «ها نحن نصل سالمين الى اريحا كما وعد.. ما زلت لا استوعب كيف تمكن من ذلك.. ربما هو الحظ او الهواتف النقالة او دهاء القرويين والرعاة او ربما - وهذا هو الارجح- ان القدر لم يسمح بعد للفلسطينيين ان يموتوا بحوادث الطرق...» لقد نجح الشاعر من خلال العودة الى بلدته بعد طول غياب في نقل نبض الحياة الفلسطينية اليومية وعذاب الناس الذي صار الآن يعتبر طريقة حياة الحصار.. حواجز التفتيش وتوقيف الناس واستجوابهم و«الاختراع والابداع» في التفلت من العوائق لجعل الحياة تستمر. والسائق محمود «بطل» ذكي من هؤلاء الذين يجعلون الحياة تستمر. الشاعر الذي تنقل مكرها وعمل في اماكن متعددة منها القاهرة وعمان والمجر وأبعد عن مصر التي تزوج فيها الأديبة الروائية المصرية رضوى عاشور ونشأ فيها أولاده يحدثنا مثلا عن وصوله مع ابنه تميم الى فلسطين فيقول «اخرج من الطابور.. امسك بيد تميم.. ندخل معا قاعة الحقائب بفرح.. نخرج الى الشارع.. أضمه ويضمني في عناق جديد على ارض يراها لاول مرة منذ ان ولدته رضوى قبل واحد وعشرين عاما.. تميم في فلسطين». نموذج من تداخل الحزن والمضحك يطل علينا من خلال رواية الشاعر قصصا، منها: وفاة المؤرخ الفلسطيني البارز اميل توما في بودابست. قرر الشاعر وزوجته ورهط من الأصدقاء لفه بالعلم الفلسطيني ليكتشفوا في النهاية انه بذلك لن يسمح لجثمانه بالدخول لانه ملفوف بعلم فلسطين.. فهو يحمل الجنسية الاسرائيلية فيقول الشاعر «مؤرخ فلسطين الكبير وكاتبها السياسي ومربي اجيالها منذ اوائل القرن العشرين يصبح اسرائيليا!». ومن هذه القصص ايضا قصة الاديب والاستاذ الجامعي الفلسطيني الراحل حسين البرغوثي الذي كان ينتظر نتيجة الفحص الطبي ليعرف ما اذا كان مصابا بنقص المناعة المكتسب (الايدز) او السرطان فيكتب «وبعدما تأكد من براءته من الايدز رقص مبتهجا.. بالسرطان.. السرطان معركته وحده لن يشمل ابنه «آثر» ولا زوجته «بترا».. كان في لحظات فرحه (السابقة) يزغدم «أأو أأو أأو» فاخذ حسين ينط في شوارع رام الله مرددا «أأو أأو أأو» مؤجلا إدراك معنى ثبوت اصابته بالسرطان الى اجل لا يرغب في تسميته او تحديده ويبدأ استعداده الاسطوري للموت...». إن قصص الألم الفلسطيني كثيرة الى درجة ان مريد البرغوثي كتب قصيد عنوانها «لا بأس» تمنى فيها موتا رحيما من نوع آخر هو الموت «العادي» او «موتة ربنا» كما يقول اللسان الشعبي اي لا الميتة على ايدي عبيد الله. قال فيها «لا بأس ان نموت في فراشنا/ على مخدة نظيفة/ وبين أصدقائنا/ لا بأس أن نموت مرة/ ونعقد اليدين فوق الصدر/ ليس فيهما سوى الشحوب/ لا خدوش فيهما ولا قيود/ لا راية/ ولا عريضة احتجاج/ لا باس ان نموت ميتة بلا غبار/ وليس في قمصاننا/ ثقوب/ وليس في ضلوعنا ادلة/ لا باس ان نموت والمخدة البيضاء/ لا الرصيف تحت خدنا/ وكفنا في كف من نحب/ يحيطنا يأس الطبيب والممرضات/ وما لنا سوى رشاقة الوداع/ غير عابئين بالأيام/ تاركين هذا الكون في أحواله/ لعل/ غيرنا/ يغيرونها.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©