السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

فيديو وصور: الزواج على الطريقة الموريتانية.. غرائب وعجائب

5 يونيو 2016 16:00
في أحد أحياء نواكشوط الراقية، ينشط عمال قاعة أفراح «ألف ليلة» ليضعوا آخر اللمسات قبل أن يحين الليل وتبدأ أمسية العرس المقرر هذا المساء. والعرس في موريتانيا مناسبة خاصة جداً في حياة الأسر والقبائل والمناطق، حتى إنه من الممكن أن يؤرخ للأحداث المهمة في حياة الناس بوقوعها قبل أو بعد العرس الفلاني مثلاً. ومن الآن، تستعد كثير من الأسر للاحتفال بأعراس عديدة تنطلق بعد انقضاء رمضان، كما هي العادة في دول عربية عدة. لكن في موريتانيا يختلف الأمر من وجوه عدة. فالدعوة في الأعراس الموريتانية، بخلاف العديد من الدول، مفتوحة للجميع. لذا، لو كنت ماراً قرب قاعة فرح موريتاني مثل «ألف ليلة» فلا تتردد. الكل سيرحب بك. وتتنوع عادات الزفاف ومظاهره في موريتانيا تنوعًا كثيراً وفق المناطق والمكونات الاجتماعية والعرقية، وأضيفت إليها بعض العادات الدخيلة. لكن العديد من تلك العادات ما تزال راسخةً تقاوم الزمن والتطور. كما تختلف مدة الزفاف وفق سن العروس. إن كانت ثيبا، فتقتضي العادات القديمة أن تكون هذه المدة ثلاثة أيَّام. أمَّا إذا كانت بكرًا، فتمتد المدةُ إلى أسبوع كامل. وهذه المدةُ كلُّها مَوائدُ وابتهاجاتٌ وأفراحٌ يُقِيمُها أهلُ العروسين. الخطبة: قبل أن يحدد «سيدي» موعد زفافه، حضرت والدته إلى عائلة عروسه لطلب يدها. كانت الجلسة عائلية ولم يحضر سوى بعض المدعوين القلائل. ورغم بعض التغييرات التي بدأت تتسلل بفضل التأثر بالعالم، تقول مريم محمد «في السابق، لم يكن حفل الخِطبَة معقداً حيث لا خاتم ولا شروط. ولا يحتاج إلا إلى قبول عائلة العروس». لا تدوم الخِطبَة طويلاً حيث «غالباً ما تتفق العائلتان في حفل الخِطبَة على تحديد موعد للزفاف»، تضيف مريم، الأستاذة المطلعة التي أشرفت على العديد من مراسم الزواج لأفراد من عائلتها. عقد الزواج: يقتصر حضور عقد الزواج، الذي تتكفل عائلة العروس بتنظيمه في منزلها غالباً، على أهم رجال عائلتي وقبيلتي العروسين. هنا أيضاً، لا تحديد لمهر ولا مؤخر ولا شرط سوى ما تعتبره العائلات صيانة لكرامة بناتها. وهو شرط: «لا سابقة ولا لاحقة» الذي يمنع الزوج من الزواج من ثانية بعد ابنتهم. يتم العقد عرفياً بحضور بعض علماء الدين ثم يسجل لاحقاً عند الجهة الرسمية. وخلافاً للكثير من شعوب العالم، لا يحضر العروسان عقد قرانهما حياءً وخجلاً. وينوب عنهما أشخاص أسرتيهما. كما لا تسأل العروس عن المهر، الذي يقدم مباشرة بعد العقد، بل تتولى والدتها التصرف فيه. وتأخذ بعض الأسر نسبة قليلة من الصداق وتعيد الباقي. كما تطبق بعد القبائل نظاماً لتحديد المهور لمنع غلائها تيسيراً على الشباب الراغبين في الزواج. بعد عقد الزواج، تبدأ الزغاريد والطبول للتعبير عن الفرح والابتهاج، ولإعلانه وإشاعته. الزينة: تلبس العروس ملحفة (ثوبًا) سوداء نيلية اللون يطلق عليها محليًّا «النيلة» اقتباسًا من لونها. يقول الباحث محمد أحمد محمد علي «السواد هنا رمزٌ للحياء والخجل الذي ينبغي أن تتحلَّى به الفتاة في مثل هذه المناسبة. وتميل تفسيرات رمزية أخرى إلى أنَّ الهدف من لبس العروس الموريتانية الثوب الأسود هو إظهارها عدم رغبتها في الزواج والرحيل عن أهلها، إما دَلالَة على حُبِّها لأهلِها وعدمِ رغبتها في مُفارقَتِهم، وإمَّا دلالاً وتغنجًا على العريس، لذلك تلبس الثوبَ الأسودَ كأنها في حدَاد». هناك تفسيراتٌ أخرى، منها أنَّ النظرة إلى اللون الأسود ليست سلبية بالضرورة، بل إن هذا اللون يعد أبا الألوان وأفخمها لدى كثير من المجتمعات. ولأن عادة لبس العروس الموريتانية للون الأسود ضاربة في القدم، فإن ثمة احتمالاً أن تكون موروثة من العادات الصنهاجية القديمة. وفي بعض المجتمعات العربية المعاصرة، مثل الخليج العربي، نجد النساء يفضلن ارتداءَ الثياب السوداء لجمالها. كما تُغطِّي العروس الموريتانية وجهها خلافًا للدول العربية الأخرى حيث تُسفِرُ العروسُ عن وجهَها كاملاً وتُبدي رغبتَها وفرَحَها، وتستقبل المهنئين لها مع ذويها. ويضيف الباحث محمد علي أن الهدف من تغطية الوجه هو أن «تُخْفِي العروس فرَحَها حياءً وتَدلُّلا على زوجها، وأن لا تُبدي رغبتها في زوجها ولا في الذهاب من بيت أهلها». فطرق التعبير عن الحياء تختلف من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى. فالمرأة الموريتانية مثلاً لا تتحدث عن زوجها ولا تنطق باسمه عند أهلها، ولا حتى عند الآخرين حياء منها. أمَّا العريس، فهو عكس ذلك. فهو يلبس «دَرَّاعَة» من أي لون شاء (والأفضل أن تكون بيضاء تعبيراً عن فرحه وغبطته)، ولكن لا بُدَّ له &ndashبغض النظر عن لون دراعته&ndash أن يلبس شالاً أسود، وقد تُعِدُّه له صديقات العروس ويُرسلنه إليه. وفي كل الحالات، لا بدَّ أن يبدي رغبته وفرحه، إلا عند أهله أو من هم أكبر منه سناً من أبناء عمومته. بعد عقد قرانها، ارتدت عروس «سيدي» كل ما وجدته من زينة وحلي استعداداً للزفة: جواهر وأحجار كريمة وذهب (وخلاخل في الماضي) وملابس وضفائر وتسريحات مختلفة وحِنَّاء، إلخ. وقد تجمع لها صديقاتُها أجملَ ما عندهن من حلي لترتديه مدة الزفاف، لكي تظهر بأفخم مظهر وأزهى شكل. الزفة أو «الترواح»: تنطلق من منزل العروس بعد أن يتم تجهيزها حيث تخضب يداها ورجلاها بالحناء من قبل نساء مختصات. ويشترط حضور العريس لاصطحاب عروسه. في البادية والريف، ينطلق موكب العروس «الترواح» سيراً على الأقدام، لأن المسافة عادة تكون قصيرة. وينبغي للعروس ألا تظْهر انقيادها تماماً للذهاب مِن بيتِ أهلها إلى عش زوجها، فهي تقعد مرات في الطريق وتَحْرُنُ محاطةً بصاحباتها المقرَّبات منها. وهذه القعدات يجري فيها أيضًا كثيرٌ من المساومات والمناورات. وقد يضطر العريس لحمل عروسه. وعلى الزوج وأصدقائه أن يظهروا براعة في التعامل مع هذه المواقف بحكمة وشجاعة بحيثُ يَبْدو الزوج راغباً كل الرغبة في زوجته، وإلا تَعَرَّضَ للقيل والقال. أما في المدن، فباتت الزفة تتم في موكب مزين من السيارات نحو مكان العرس حيث ينتظر المدعوون حضور العروسين. في قاعة «ألف ليلة»، الاستعدادات على أشدها والمدعوون أخذوا أماكنهم والفرقة الفنية بدأت أغانيها الحماسية. ولم يعد ينقص سوى حضور موكب العروسين. أمام القاعة، يتوقف موكب السيارات وينزل «سيدي» مرتدياً دراعة بيضاء ويلف شالاً أسود حول عنقه. بهدوء شديد لا يخلو من بعض التكلف، تنزل العروس وهي تغطي وجهها بجزء من لحافها الأسود ولا يسمح لها بالكشف عنه ولا بإظهار الفرح في يوم فرحها. بدخول العروسين ومرافقيهما القاعة، يلتهب حماس الفرقة الفنية وتبدأ بسرد أمجاد قبيلتي العروسين وما قيل من شعر يخلدهما. ما يضطر الحضور لنثر المال على الفنانين. وتتنافس قبيلتا العروسين، إن لم يكونا من قبيلة واحدة، في نثر المال. أثناء كل مدة الزفاف، تجري سلسلةٌ من الألعاب و«المعارك» والمناوَرات بين صديقات العروس وأصدقاء العريس. كلا الطرفين يسعى لكسب المعركة. وإذا أخفق، يتم اللجوء إلى التفاوض مع الطرف المنتصر لتحقيق هدفه بالوسائل الدبلوماسية. وتدورُ هذه المناورات والألعاب، وإن شئتَ قلتَ المعارك، حولَ عادات ضاربة في القدم. اختطاف العروس أو (الترواغ): تشكل صديقات العروس فرقة خاصة متدربة «كوماندوس» لـ«اختطاف» العروس بـ«رضاها» وإخفائها في مكان لا يَطلِع عليه العريس وأصحابه. والعروسُ مضطرةٌ لقبول ذلك، لأنها ينبغي لها لأجل التَّدلُّل ألا تُظهِرَ أيَّ رغبة في الذهاب إلى زوجها. وهذه نقطة ضعف تَستَغِلُّها صديقاتُها لإرغامها على الاختفاء. ويلجأ النسوة لحيل عديدة لاختطاف العروس. وإذْ يتمكن النسوة من إخفاء العروس، فإنَّ على الزوج وأصحابه أن يبدؤوا رحلة الكشف عنها وأن يستمروا في ذلك حتى يجدوها. فإن وجدوها، يكونون قد انتصروا في هذه «المعركة». وإن لم يجدوها، فعليهم اتخاذ سبيل الملاطفة واللين والدبلوماسية مع صديقات العروس حتى يرضين بالكشفِ عنها وردها، وقد يدفعون لهن «فدية» يختلف مقدارها وطبيعتها حسب الاتفاق. وإذَا لم يتمكن النساء من إخفاء العروس وحان وقتُ زفافها «الترواح»، يَبْدَأْنَ عمليات ومناوراتٍ تُسَمَّى «لگلاع». وفيها، تحشد النساءُ كلَّ قوتهن لمنع العريس من أخذ زوجته والذهاب بها إلى بيته، وقد تستخدم بعضُ مظاهر العنف «المقنَّن» مثل الترامي بالأحذية والضرب الخفيف بالعِصِيِّ، إلخ. يعتقد البعض أن أصل هذه العادة يعود إلى العادات البربرية القديمة. أما الصحفي حسن مختار، فيرى أن اختطاف العروس «الترواغ» منبعه فقهي ديني صرف. و«الهدف منه إطالة مدة العرس. لأن الزفاف ينتهي ولا يجوز أكل مال الزوج في الولائم بمجرد أن تتم خلوة شرعية بينه وبين عروسه. لذلك، تحرص النسوة على إخفاء العروس لزيادة فترة الأفراح»، حسبما يضيف مختار. وتستمر تلك المناورات أو الألعاب فترة قصيرة، غالبًا ما يتنازل فيها النساء مقابلَ التزاماتٍ لهن بشيء يُعطيه الزوج، ويُطْلَق عليه «العادة». والعريس يجب أن يكون في مقدمة المعركة، وإلا عُدَّ غيرَ راغبٍ في عروسه. ثم على الزوج بعد ذلك أن يخضع لـ«مضايقات» معنوية (كلامية ونفسية) كثيرة لا تقل صعوبة عن المناورات السابقة. ويتعرض لسيلٍ جارف من الأسئلة. في هذه الحالة، يكون أصدقاؤه وصديقات العروس عوناً عليه. فهو الآن يواجه الجميع، وعليه أن يجتاز الامتحان. وتدور الأسئلة التي يطرحون عليه حول موضوع واحد هو: حب عروسه. فهم يسألونه مثلاً: هل أنت حامد أم صابر؟ فإذا قال إنه صابر، أخفق في الامتحان، ورُمي بعدم حب زوجته التي حَمَله على قَبولها الصَّبرُ لا الحبُّ. أما إذا قال إنه حامد، فإنَّه يجتاز الامتحان. غير أن هذه «اللعبة» لا تجري بهذه السهولة. فقد تستخدم فيها ألفاظٌ خفيةٌ لتضليل الزوج حتى يقع في الخطأ، لاسيما إذا كان غيرَ مُحنَّك في هذا المجال. فيقال له مثلاً: هل اتصلَ بك حامِد اليومَ؟، لإيهامه بأن شخصًا يُدعَى حامدا اتصل به. وأيضًا فإنَّ الكلام قد يُحمَل هنا على عكس ما وُضِعَ له، فيُقال له: هل اتصلتْ بكَ سعيدة مثلا، وهي عَلَم لامرأة فيَظُنُّ أنَّ المراد امرأة، فيقول: نعم، فيقع في الفخ، لأن «سعاد» في التعبير الرمزي الموريتاني تدل على النفور من الزوجة، وكذلك جميع مشتقاتها في هذا السياق. فعلى الزوج أن يكون فَطِنًا حذرًا. ومع أن أصدقاءه حَرْبٌ عليه في هذه الحالة، فإنه لا يعدم منهم مَن يُلقِّنه جوابَه الصحيح. ورغم أن هذه الطقوس والطرائف التي تصاحب الزفاف باتت مهددة الآن بالانقراض بسبب التمدن وتطور عادات جديدة، إلا أن مريم -المقيمة في دبي بين الأبراج وفي قلب التمدن- تنوي تزويج ابنتها وفقاً للعادات الموريتانية القديمة.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©