الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كسر الملل

كسر الملل
1 يونيو 2008 01:41
مضى على وجودي في هذا البيت سنة ونصف السنة تقريباً، وقد كنت مرتاحة جداً، فجميع أفراد العائلة من الموظفين، يقضون نهارهم في العمل ولا يعودون إلا قبل المغرب بقليل، فيتناولون وجبتهم الوحيدة ثم يسترخون أمام التلفاز لبعض الوقت ثم يذهبون للنوم بعد صلاة العشاء، لذلك شعرت بأنني أنا سيدة المنزل الحقيقية، انهض صباحاً على راحتي لأنهم تعودوا عدم تناول الفطور، ثم أبدأ بتنظيف البيت بالطريقة التي تناسبني، لأن سيدتي لا تدقق كثيراً في مسألة التنظيف، ولأن البيت يبقى نظيفاً طوال الوقت لعدم وجود الأطفال، فأغسل الثياب وأطهو الطعام، ثم أكوي، فينتهي العمل باكراً، فيتوفر لدي الوقت الكافي للراحة ومشاهدة التلفاز· أما في الإجازات فإنهم ينامون نهاراً ثم يخرجون للتنزه وزيارة الأهل والأقارب مساء، فيبقى البيت خالياً· الشيء الوحيد الذي يضايقني هو عدم خروجي من المنزل وشعوري بالملل، فلا أحد أتحدث معه، الشخص الوحيد الذي كنت أتحدث معه هو أحد عمال البقالة، حيث كنت اتصل به لشراء (كرت) التلفون، فيأتي على دراجته ويتحدث معي فأشكو له شعوري بالوحدة، فصار يتصل بي على هاتف المنزل كلما سنحت له الفرصة، ثم جاء في أحد الأيام ليخبرني بأنه قد وجد لي صديقاً من جنسيتي يريد أن يتعرف علي ويتحدث معي، فقلت له: أعطه رقم هاتف المنزل، ففعل ذلك فاتصل بي ذلك الصديق وصرنا نقضي أوقاتنا بالتحدث والمسامرة· في أحد الأيام طلب أن يراني، فأخبرته بأنني لا أخرج من المنزل، ولا أعرف الأماكن، فأعطاني عنواناً وقال لي: في نهاية الأسبوع الكل ينام صباحاً فأخرجي من البيت وأركبي سيارة أجرة، وأخبري السائق عن هذا المكان، وهو سيتصرف، ولا تنسي أن تسأليه عن اسم المنطقة واسم الشارع الذي أقلك منه، اكتبيه على ورقة كي يتسنى لك العودة مرة أخرى دون أن تضيعي· استيقظت عند الفجر بعد أن هيأت الأمور كلها يوم الجمعة، قمت ببعض الترتيبات السريعة حتى يبدو البيت نظيفاً، طبخت طعام الغداء حتى يكون جاهزاً عند عودتي فلا يستغرق وقتاً في تسخينه، خرجت وأنا خائفة، ولم أنس ترك الباب الخارجي الصغير مفتوحاً ومثبتاً بحجارة كي لا يغلق فلا أستطيع الدخول بعد عودتي· بصعوبة وجدت سيارة أجرة، فأخذني السائق إلى ذلك العنوان وقد كان عبارة عن ساحة كبيرة فيها عدد كبير من الآسيويين، قلت في نفسي: كيف سأتعرف على ذلك الشخص!! فنحن لم نتفق على مكان محدد، وأنا لم أره من قبل، وهو لم يرني، فكيف سأتعرف عليه وسط هذه الحشود؟ بقيت قلقة لفترة ثم ما لبثت أن تعرفت على واحد آخر من جنسية آسيوية غير جنسيتي، مشينا وتحدثنا وأعطيته رقم هاتف المنزل، ثم استأجرت سيارة وعدت إلى البيت، فزال خوفي عندما تأكدت بأن الكل نائم ولم يشعر أحدهم بغيابي· اتصل صاحبي الأول وصار يعاتبني لأنه انتظرني لساعات طويلة، وقد ضيعت عليه إجازته في الانتظار، فأخبرته بأني قد عرضت نفسي للخطر بسببه وأني ذهبت للمكان الذي حدده وبحثت عنه ولم أتعرف عليه، فضحك لأننا فعلاً لم نتفق على مكان محدد ولا على إشارة محددة، وبالطبع فإنني لم أخبره عن الشخص الآخر الذي تعرفت عليه· أصبح لدي صديقان بالإضافة لعامل البقالة، مما زاد في رنين الهاتف الذي صار يسليني في النهار، أما في المساء فإنه يسبب لي الإحراج عندما يرفع أهل البيت السماعة ولا يسمعوا الإجابة· سارت الأمور بشكل ممتاز، خصوصاً وأنني قسمت المواعيد بين الثلاثة، وأكدت لهم عدم الاتصال مساء، فصرت أقضي أوقاتاً ممتعة في البيت أو خارجه، ولكن أهل البيت شعروا بأني صرت أقصر في شؤون البيت وأنني لم أعد أؤدي عملي كالسابق، فزادت المشاكل وهددوني بالتسفير، ولكنه مجرد تهديد· لم أكن أتوقع أن تبلغ الجرأة بصديقي الذي من جنسيتي على القدوم إلى المنزل، فقد فوجئت به وقد وضعني أمام الأمر الواقع، وقفنا معاً أمام باب المنزل، أحاول إقناعه بأن الأمر فيه خطورة ولكنه مصر على الانفراد بي ودخول المنزل لأنني كنت قد أخبرت كل واحد من أصدقائي بكل التفصيلات عن عملي وعن الأسرة التي أعمل معها، دفعني إلى الداخل بقوة ثم دخل معه اثنان آخران، قام الجميع بالاعتداء علي ثم قاموا بسرقة كل ما هو موجود بالمنزل من أشياء ثمينة· كانت هذه هي النهاية المأساوية لحكايتي، حيث اضطررت لرواية قصتي للشرطة ليتعرفوا على الجناة، وقد ذقت أياماً مرة ما كنت أتوقع مثلها في حياتي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©