الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لو كان الإهمال رجلاً لقتلته

لو كان الإهمال رجلاً لقتلته
1 يونيو 2008 01:41
لملم الصغار أوراقهم ودفاترهم مع نهاية العام الدراسي، وتأهبوا لقضاء إجازة صيفية ممتعة حافلة باللعب واللهو والمرح، وعادة ما يجدها الآباء والأمهات فرصة أو''هدنة'' مؤقتة يلتقطون فيها أنفاسهم، وكأنهم يرتاحون من عبء مسؤولية المتابعة المدرسية، وضبط جدول أوقات أطفالهم اليومي، ومع حلول العطلة الصيفية سرعان ما يتحللون من هذا الواجب، وكثيرون هم الذين يتركون ''الحبل على الغارب''· ويقع المحظور عندما يصادفون مشاكل جديدة قد تأخذ شكل ''المصائب'' في أحوال كثيرة، وأمام مشاغل الآباء والأمهات، والضغوط المتزايدة مع سرعة ايقاع الحياة وتضاعف المشاكل والضغوط، يطل الإهمال الأسري برأسه من بين حين وآخر، ونسمع عن حوادث مؤسفة هنا وهناك، مع أسف وندم الوالدين، في وقت لا يفيد فيه الندم، يذهب الأبرياء ضحية الإهمال أو اللامبالاة وغياب الإحساس بالمسؤولية أو الجهل بها· قد نأسف بالضرورة عندما نسمع عن حوادث قتل أو سقوط من مكان عال، أو احتراق، أو حوادث صعق بالكهرباء، أوغرق أو بلع مادة كيماوية بالخطأ، أو طفل يغلق النافذة على رأس شقيقه الأصغر وهو يطل منها في براءة وقد تركتهما الأم يلعبان وحدهما حتى تعود، وتكتشف أن الصغير قضى نحبه بخطأ ودون قصد من شقيقه بكل تأكيد، أو تلك الأم التي انشغلت عن وليدها للحظات معدودة، لتلتفت فجأة لتجده تجرع ملء فمه من ''سائل التنظيف'' الذي تركته مفتوحاً وفي متناول يديه، أو أنه حاول الإمساك بمقبض قدر الطعام الذي تركته يغلي على الموقد لينسكب كل محتواه على وجهه ليصيبه بالتشوه، أو تلك التي تركت بعضاً من المسامير أو الأدوات المدببة والحادة كالسكاكين أو غيرها ليعبث بها الصغار فتؤذيهم أذى بالغاً، أو يقومون بوضعها في أماكن مصادر التيار الكهربائي بالجدران، أو هذا الأب الذي يدع طفله الصغير في السيارة وحيداً، ويتركه بها دون إطفاء المحرك ليعبث الصغير بها، وتنطلق وتصيب ما تصيب، أو غير ذلك مما نسمع من إهمال على شواطئ البحر، وحمامات السباحة، والرحلات الترفيهية الخارجية· المسؤولية الاجتماعية إن أصابع الاتهام هنا سرعان ما تشير إلى ''الإهمال''، فأي عقاب عن الإهمال ينتظره الأب أو الأم؟ وأي عقاب يمكن أن يوجه إليهما بعدما فقدا فلذة كبدهما؟ هل بعد هذه الفجيعة يمكن أن توجه إليهما التهم ومن ثم العقاب؟ وما هي حدود المسؤولية الاجتماعية والتربوية والإنسانية والأخلاقية في مثل هذه الحوادث قبل أن تكون حدوداً قانونية يجرم عليها الأب والأم أو الاثنين معاً؟ هل نعاقب الإهمال؟ أم ليس أمامنا إلا البكاء على ''اللبن المسكوب''؟ تؤكد الإخصائية الاجتماعية منى الحساوي بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، دور الوالدين في الرعاية الاجتماعية للأبناء بشكل عام، وتأمين أطفالهم ضد الحوادث والمخاطر المحتملة سواء كانت هذه المخاطر مادية مباشرة كالأضرار الصحية والحوادث والإصابات أو غيرها أو كانت هذه المخاطر معنوية أو سلوكية ترتبط بمناخ التنشئة الاجتماعية، وهذه المسؤولية تبدأ بوجه عام من تأمين عناصر الوقاية والحماية ودرء الخطر أياً كان وعه ولاسيما في السنوات المبكرة جداً من عمر الأبناء· وتضيف: أن ألف باء الحماية اللازمة للطفل منع الخطر إذا لم يكن غير قادر على التمييز بين الأشياء الضارة وغير الضارة، ويفتقد الإدراك العقلي للمخاطر المحتملة لاعتبارات السن، وهي مسؤولية الوالدين في المقام الأول، ولكن الحاصل نجد أمام مشاغل الأب، وخروج الأم للعمل، أو لأسباب أخرى تلقى الأم في كثير من الأحيان بهذه المهمة إلى الخادمة، أو تنشغل بأمور أخرى وتفقد تركيزها لبعض الوقت وتكتشف حدوث الضرر، وانشغالها لأي سبب من مقبول أو ثانوي لا يعفيها من المسؤولية الاجتماعية، إلى جانب ضرورة التأكد من اتخاذ الاحتياطات الواجبة لتجنب المخاطر المحتملة فعليها أن تتأكد من أن بيئة الطفل آمنة، ولا تترك أي مجال للخطأ المحتمل كترك النافذة مفتوحة، أو ترك سائل تنظيف كيمائي في متناول أيدي الأطفال أو غير ذلك من مخاطر، وإن كانت الأم مشغولة في أمور أو واجبات منزلية أخرى عليها أن تطمئن إلى أن الخادمة القائمة على متابعة الطفل قادرة على تجنيبه أي مخاطر محتملة فضلاً عن أهمية تجنب إسناد أمور الرعاية والتربية إلى الخادمة التي يفترض أن يوجه عملها ومسؤولياتها للخدمات المنزلية الأخرى· التكييف القانوني يقول طارق السركال المحامي في أبوظبي: أوجب المشرع مسؤولية كل من يجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة الطفل الذي هو في حاجة إلى رعاية بسبب قصره ''كونه قاصراً'' ويخضع في ذلك لنص المادة 313 من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي تنص على: ''لا يسأل أحد عن فعل غيره''، ومع ذلك فللقاضي بناء على طلب المتضرر إذا رأى مبرراً أن يلزم أياً من الآتي ذكرهم حسب الأحوال بأداء الضمان المحكوم على من أوقع الضرر، مما وجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو لحالته العقلية أو الجسمية إلا إذا اثبت أنه قام بواجب الرقابة، أو أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بواجب الرقابة وما ينبغي عليه من العناية، إن جوهر الخطأ هو اخلال بالتزام عام يفرضه ''المشرع'' وهو الالتزام بمراعاة الحيطة والحذر والحرص على الحقوق والمصالح التي يحميها القانون· صور الخطأ ويشير السركال إلى أن للخطأ صوراً أربعاً كما بينها المشرع والتي تقوم بها المسؤولية الجنائية عند الإصابة الخطأ أو القتل الخطأ، فقد نصت المادة 38 في فقرتها الثانية من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 على أنه يتوفر الخطأ، إذا وقعت النتيجة الإجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ إهمالاً أم عدم انتباه أم عدم احتياط أو طيشاً أو رعونة، أم عدم مراعاة القوانين أو اللوائح أو الأنظمة أو الأوامر· ويتضح من نص المادة أن صور الخطأ هي: الإهمال، وهي الحالات التي يقف فيها المتهم موقفاً سلبياً فلا يتخذ الاحتياطات التي يدعو إليها الحذر وكان من شأنها أن تحول دون حدوث النتيجة الاجرامية وهو يسمى ''الخطأ عن طريق الامتناع'' ومثال ذلك كأن يترك أحد الوالدين الأودية الخطرة تحت متناول الأطفال أو المبيدات الحشرية أو ترك باب الشرفة مفتوحاً أو ترك الطفل أمام موقد غاز مشتعلاً، أو ترك الأطفال يعبرون الطرق دون مراقبة وفي غير الأماكن المخصصة لذلك، ويترتب عن ذلك حدوث الإصابة أو الوفاة· والصورة الثانية هي عدم الاحتياط أو عدم الانتباه، ويراد بهذه الصورة حالة ما إذا أقدم المتهم على فعل خطير مدركاً خطورته ومتوقعاً ما يحتمل ما يترتب عليه من آثار ولكن غير متخذ الاحتياطات التي من شأنها الحيلولة دون تحقيق هذه الآثار، ومثال على ذلك من يقود السيارة بسرعة تتجاوز الحد الذي تقتضي ملابسات الحالات وظروف المرور وزمانه ومكانه وكان برفقته أطفاله مما يتسبب في وقوع الحادث واصابتهم أو موتهم، أما الصورة الثالثة فتتمثل في الطيش أو الرعونة، ويراد بها هنا سوء التقدير أو نقص المهارة أو الجهل بما يتعين العلم به، كأن يقوم شخص ما بعمل غير مقدر لخطورته وغير مدرك لما يتحمل أن يترتب عليه من آثار كالذي يغير اتجاه سيارته فجأة وهو يسير بسرعة كبيرة ودون أن ينتبه لما يترتب على ذلك من حوادث اصطدام أو قتل، والصورة الرابعة في عدم مراعاة القوانين أو اللوائح أو الأنظمة أو الأوامر الصادرة عن الدولة والتي تستهدف توقي النتائج الإجرامية فتتحقق هذه الصورة من الخطأ، ومثال على ذلك ترك الأبناء في السيارة بينما محركها في حالة تشغيل أو تركهم في المقعد الأمامي وهو ما نهت عنه القرارات الوزارية لوزارة الداخلية مؤخراً، ومن استعراض الصور التي ذكرناها نعرج إلى العقوبة التي جعلها المشرع للإهمال المؤدي إلى ''القتل الخطأ''، فقد عقدت الفقرة الأولى من المادة 342 من قانون العقوبات الاتحادي سالف الذكر بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين مما تسبب بخطئه في موت شخص· وكذلك في حالة الإصابة بالخطأ نصت المادة 343 الفقرة الأولى من القانون المذكور على أنه ''يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبالغرامة التي لا تتجاوز عشرة آلاف درهم، أو بإحدى العقوبتين هاتين ممن تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره، وتكون العقوبة بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الجريمة عاهة مستديمة، وهي عقوبات رادعة بالنسبة لكل من يهمل في رعاية أطفاله وأبنائه''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©