الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله بن بخيت: روايتي انعطافة في الرواية السعودية

عبدالله بن بخيت: روايتي انعطافة في الرواية السعودية
22 يوليو 2009 23:15
ما تزال رواية «شارع العطايف» للروائي السعودي عبدالله بن بخيت تحقق القبول من القارئ وتحوز على رضا الناقد. هي الرواية التي اعتبرها نقاد كثيرون الرواية الأهم في المشهد السعودي لعام 2009. وعبدالله بن بخيت هو بالأساس كاتب صحافي متجاوز لكثير من الخطوط الحمراء، وله آراء جريئة في كثير من الشؤون المحلية، تثير عليه دائما حفيظة البعض، ممن يدخلون معه في مساجلات، أو أولئك الذين يكتفون برشقه بالتهم. في تجربته الروائية «شارع العطايف» قارب بن بخيت الواقع، من خلال سرد صاغ مناخاته عبر شخصيات وأحداث تتداخل مع المعروف والمتخيل. وفي هذا الحوار نرصد رؤى مؤلف الرواية من خلال إجاباته التي امتازت بالوعي وفلسفة ما سرده «شارع العطايف»: جعلت مصائر الشخصيات الثلاث (فحيج، سعندي، شنغافة) تنتهي بالموت.. هذه المصائر هل تجعل الرواية تتجه الى التصنيف الأخلاقي فتم عقابهم بالموت؟ لم أجعل مصائر الشخصيات تنتهي بالموت. الله هو الذي جعل كل المصائر تنتهي بالموت كما سيحدث لي ولك وللقارئ أيضا. ربما تقرأ في بعض الروايات شخصيات لا تنتهي بالموت. لأنها شخصيات روائية انتهى دورها الروائي قبل لحظة الفناء الأخيرة. استمرارها بعد إغلاق الكتاب لا يعود إلى أي قيمة أخلاقية أو سياسية أو فكرية، يعود فقط لأن حضورهم الروائي انتهى قبل ساعة الموت، أما بالنسبة لشخصيات «شارع العطايف» (فحيج وشنغافة وسعندي) فلن يتم الفعل الروائي دون موتهم. خذ فحيج على سبيل المثال. مات في الثمانينات من عمره. تأخر كثيرا. كان على فراش الموت ولكنه لم يمت حتى دخل عليه فطيس. لا يمكن أن يخرج من النص حتى يعرف مصير فطيس. حياته كانت تدور على فطيس. استمرار الشخصيات أحياء بعد إغلاق النص الروائي لا يعني أنها استمرت تعيش. داخل المقبرة ناصر يدفن في المقبرة وهي المكان الذي تم فيه انتهاكه جسديا لأول مرة.. بين الانتهاك الجسدي والدفن في ذات المقبرة هل هناك دلالة ما؟ لا يوجد دلالة على الأقل من وجهة نظري تربط بين الدفن في المقبرة والانتهاك. كيف عرفت أنه دفن في نفس المقبرة. كانت أمنيته ومطلبه أن يدفن في المقبرة. هل تحققت تلك الأمنية؟ خيالك هو الذي دفنه في تلك المقبرة. تذكر أن آخر مرة شاهدنا المقبرة كانت بعيون نوف. بعد موت فحيج مباشرة انتقلت نوف إلى المقبرة لتشاهد صراعات الماضي الذي يريد أن تغلق ملفاته إلى الأبد. عندما دخلت المقبرة تغير موقفها من العالم. انتهت لديها حالة الحسم واهتزت ثوابتها. طافت بها الأسئلة الروائية التي هي مفاتيح شخصية فحيج ومحور وجوده. هذا كل ما نعرفه. لأن قصتنا انتهت في اللحظة التي غنى فيها فحيج أغنية طلال مداح. تلك الأغنية التي بدأ وجوده الحقيقي في النص بها ويجب أن ينتهي بها أيضا. هل وافق الأمير على دفنه في مقبرة العجلية؟ كيف عرفت؟ في مشهد المقبرة هناك حالة فنتازية.. إلى أي حد تجد الأمر مناسبا في توطين حالة فنتازية في نص سردي رائحته واقعية تماما؟ المقبرة مكان كأي مكان آخر. فقط تمتاز بأن سكانها الأصليين لا يعرفون عن وجودهم فيها شيئا. عندما تصارع كل من فطيس وفحيج فيها لم يكن يعنيهم كونها مقبرة يرقد فيها بشر رقدتهم الأخيرة. كل صراع دار بين الشبان في تلك المقبرة كان صراعا دنيويا خالصا. لا يوجد في المقبرة سوى الحزن وآثار دموع متناثرة. لا أحد سيأتي ويتفرج على هذه الآثار أو ذلك الحزن. فتتحول المقبرة إلى فرصة للناس الواقعيين والعمليين للاستفادة من خوائها. لدى كثير من الناس خيالات مفزعة عن ثلاجة الموتى في المستشفى مثلا. التردد على مثل هذه الأماكن تزيل رهبتها. قبل سنوات قليلة كٌتب علي أن أرعى ترحيل جثتين من ثلاجة الموتى بعد حادث سيارة. قابلت المسؤول عن الثلاجة. دخلنا في القضية. ترتيبات نقل الجثث وترتيبات تحنيطها وترتيبات أخرى كثيرة. كانت كل تلك الترتيبات على حساب المستشفى (مستشفى حكومي). كنت في غمرة من العواطف المشوشة. مرتبك وحزين وخائف وووو. كنا نقف أمام الأدراج المعدنية المبردة التي يحتفظون فيها بالجثث. كان علي بعد هذه المفاوضات أن أنظر في أكثر من درج حتى أتعرف الجثتين المطلوبتين. فجأة طلب مني عامل الثلاجة بخشيش مبلغ من المال مقابل خدماته وعنايته بموتانا. أيقظني طلبه على حقيقة أخرى لا يعرفها كثير منا. كما نعتاد على صحبة الأحياء يمكن أن نعتاد على صحبة الموتى. عليك أن تعرف أن هناك مرض يعرف بمضاجعة الجثث. المقبرة ليست بالضرورة مكان لإنتاج الفانتازيا. إنها مكان عادي يمكن أن يختبئ فيه من يريد أن يختبئ. المرعوبون من الموت هم الناس الذين تذهب بهم أخيلتهم بعيدا عند ذكر المقبرة. على فكرة الخوف من الموت نوع من أنواع الفوبيا. ما جرى في المقبرة يمكن أن يجري في أي مكان. السرد والواقع شخصيات روايتك لها شخصيات مشابهة في الواقع.. هذا التشابه أو التطابق بين السردي والواقعي إلى أي حد يتم فرزه في الكتابة الروائية؟ تطابقا بين شخصيات «شارع العطايف» الرواية وشارع العطايف الحقيقي. كيف عرفت؟ هل اتصل بك أحد من هذه الشخصيات واشتكى بين يديك؟ كل شخصيات الروايات في العالم لها مشابه في الواقع. حتى روايات الخيال العلمي التي تدور أحداثها بين النجوم. الرواية تخلق عالما موازيا للعالم الواقعي الذي تحاكيه. تستفيد من كل شيء موجود على الواقع. كاتب الرواية الجاد لا يفكر في إعادة اختراع العجلة. لديه مجتمع جاهز يمكن أن يبدأ منه. يستخدمه في خلق العالم الذي يريده. يأخذ بنيته وتقاليده وثقافته وحتى أماكنه ليملأها بما يريد من فعل روائي. كل الأحداث التي قرأتها في شارع العطايف لم تحدث أبدا لكن كان يمكن أن يحدث مثلها. هذا هو السر. حدثت أشياء كثيرة مشابهة. أؤكد لك لم يوجد أبدا في تاريخ الرياض أن عاش رجل باسم فحيج أو قريب الشبه منه. لم يوجد أبدا رجل يمكن أن يحاكي حياة شنغافة أو سعندي. كل شيء في رواية «شارع العطايف» مصنوع من الخيال. في حديثك عن الأندية الرياضية لاحظنا هناك شيء من المهابة أو لنقل شيء من عدم العفوية.. هل كان سرد هذه الحالة يمثل صعوبة بالنسبة لك؟ لا يوجد ما تتوهم به. لم أتحدث بمهابة. كل ما تقرأه هو منتج روائي وليس تاريخيا. مشكلة سؤالك الخلط بين التاريخي وبين الروائي. الأندية التي قرأتها لم تكن موجودة. تحدثت عن نادٍ واحد لأنه المكان الذي تعيش فيه شخصية شنغافة. المكان الذي يفصح عن تلك الشخصية. لو تحدثت عن الرياضة لما أصبح شنغافة أهم شخصية في النادي. هل يوجد كتاب تاريخي لأي نادٍ يتحدث عن فراش النادي وبوابه بوصفه محور تاريخ ذلك النادي. من خلال سؤالك يمكن أن نميز بين الرواية وبين التاريخ. التاريخ يتحدث عمن يصنعه. الرواية تتحدث عن الناس الذين لا تاريخ لهم. شخصيات الرواية تمت صناعتهم من قاع الألم الإنساني. من خلال الشخصيات الروائية نتعلم النبل. من الشخصيات التاريخية نتعلم كيف نتفوق على الآخرين. الرواية تقوم على الفن والتاريخ يقوم على الصراعات. في التاريخ يشتم المهزوم ويحقر بينما الرواية ليس لديها مشكلة مع المهزومين. التاريخ يمجد المنتصرين أما الرواية فتمجد الإنسان. لم أكن خائفا من شيء عند كتابة الجانب الرياضي في الرواية كنت في فقط أسير وراء شنغافة. كاميرتي مركزة على شنغافة من دخل معه في الكادر ظهر في الصورة ومن خرج من الكادر خرج من الصورة. الجريمة الحقيقية هناك جرائم ارتكبها فحيج لكن لم يتم الالتفات لبعدها البوليسي في النص ـ ظلت معلقة ـ وربما القارئ يتساءل عن عدم الإتقان لرسم تلك الجرائم؟ لم تكن الجرائم مشكلتي. كنت أتابع فحيج. أشك أحيانا أن الجرائم حدثت أصلا. كل ما في الأمر أن فحيج حلم كثيرا بالانتقام. كان دفاعه الوحيد عن شرفه هو حلمه بالتخلص من كل الذين آذوه وسببوا جرح كرامته. يبدو أن هذا الحلم تضخم حتى أصبح حقيقة روائية وجزءا من النص. لو كان هناك جرائم حقيقية لما قتل ابن وصار وقتل ابن يوسف. كان وفر على نفسه كل هذه الجرائم وقتل بها فطيس المجرم الأساسي. إن استمرار فطيس ثم خروجه من النص في منتصفه كان ضرورة لاستمرار الرواية لأن فحيج كان يجب أن يعيش محروقا ومتألما حتى يتزوج من حبيبته ويبلغ سن الثمانين لتبلغ الرواية ذروتها بلقاء فحيج بغريمه الحقيقي فطيس. تلاحظ أنه غنى الأغنية التي افتتح بها رجولته في السطح مع حبيبته نوف وهو على فراش الموت. إنها حفلة استعادة الرجولة في اللحظات الأخيرة من الحياة. غنت نوف معه في كبرها كما غنت معه في مطلع شبابها. وعدته حبيبته بالانتقام والغدر بخصمه. شعر أخيرا بالسعادة. القضية كلها عمل فني لصناعة متعة من خلال إقلاق مشاعر القارئ وتحديها لم أكن أجاثا كرستي. هل حقا تشعر بأن روايتك تمثل انعطافة جديدة في الرواية السعودية بحسب ما ذكر البعض؟ نعم!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©