الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منى الحمادي تضيء عتمة المكفوفين

منى الحمادي تضيء عتمة المكفوفين
1 يونيو 2008 01:47
نموذج رائع من معاني الإرادة والتحدي· تمتلك تفكيراً نيراً وقلباً مشعاً بالأمل والطموح· الابتسامة لا تبرح شفتيها، وهمتها العالية لا تخبو أبداً، كأنها جبلت على تخطي العراقيل· خلعت رداء الطفولة في وقت مبكر وكرست وقتها وجهدها للاستزادة من العلم· منى محمد الحمادي، فتاة مكافحة، لم تثنها إعاقتها وضعف البصر الشديد عن المضي قدماً في حياتها، بل عقدت مصالحة مع هذه الإعاقة، ووهبت نفسها لمساعدة فئة المكفوفين وضعاف البصر، وتمكنت رغم وعورة الطريق من الانتصار على كل العقبات· هنا تفاصيل رحلتها مع الحياة والعلم والعمل والإعاقة: تقول منى الحمادي: ''الحياة ملأى بالأشياء السارة والمحزنة، لكن لابد من الاستمرار رغم كل الظروف، وعلى الإنسان أن يتأقلم مع الصعوبات والمكاره وأن يتقبلها بصدر رحب إلى أن يتمكن من تذليل الصعاب''· بداية الحكاية وتضيف: ''بدأت إعاقتي منذ عامي الأول، ومعها بدأت رحلة العلاج حيث أخذني أهلي إلى لندن لتلقي العلاج، ولما كان أخي قد عانى من نفس المشكلة وخضع لعدة عمليات جراحية فقد بصره على إثرها، فقد رفض والديَّ أن أجري الجراحة في سن مبكرة خوفاً من مواجهة نفس المصير الذي واجهه أخي، لذلك تأخر علاجي فترة· وقبل بلوغي الخمس سنوات التحقت بقسم المكفوفين في مركز رعاية وتأهيل المعاقين في دبي· وفي السابعة من عمري تعرضت لحادث بسيط في عيني ذهبت على إثره إلى الطبيب المختص الذي أمر بضرورة إجراء تدخل جراحي سريع لإنقاذ بصري الذي يضعف شيئاً فشيئاً· خضعت لجراحة في عيني لكن عصب العين كان قد تأثر تماماً ولم يبق إلا العمل على وقف التدهور· وكانت عناية الله تحرسني، فثبت بصري فترة من الزمن، لكن حالتي تراجعت مرة أخرى عندما كنت في الثانية عشرة بسبب تمردي على العلاج، ورفضي أخذ الجرعات الدوائية لمرض ضغط العين الذي وصل إلى رقم قياسي، فأجريت جراحة سريعة للحفاظ على ما تبقى لي من إبصار· ومرة أخرى استقرت الحالة، فطلب مني الطبيب المعالج أن أنخرط في المدارس العادية''· وتكمل: ''التحقت بمركز تعليم الكبار في المساء، وبقيت أتابع دراستي في مركز تأهيل المعاقين في الصباح، وكانت هاتان السنتان من الدراسة المسائية والصباحية من أصعب المراحل التي مررت بها، حيث كان الدوام والأعباء الدراسية أمراً مرهقاً لطفلة في سني· لهذا، خلعت عباءة الطفولة مبكراً وكرست وقتي كله للتحصيل العلمي· كان إصراري على النجاح سبباً كافياً للتغلب على أي صعوبة تواجهني· لم يكن من السهل أن أتعلم الكتابة والقراءة بالطريقة العادية، فحصلت على قدر كافٍ ثم توقفت وتابعت دراستي بطريقة برايل في مركز تأهيل المعاقين''· لم تكن هذه نهاية العلاقة بين منى والكتابة والقراءة بالطريقة العادية، بل واصلت التدريب الذاتي عليها، وتمكنت من إنهاء تعليمها الثانوي في مدرسة عادية، مما شجعها على اقتحام بوابة التعليم الجامعي بمزيد من الثقة والإقدام، فشغفها بمواصلة تعليمها كان أقوى بكثير من إعاقتها· ولأنها تحب التاريخ وجدت نفسها أقرب إلى تخصص التاريخ من التخصصات الأخرى، لكن المشكلة الجديدة التي واجهتها هي الجهل بكيفية التعامل مع ضعيف البصر، حيث لا قانون محددا يتم التعامل على ضوئه مع المكفوفين أو ضعاف البصر، تقول: ''كنت أعامل أحيانا معاملة الكفيف وأحيانا معاملة المبصر وأجري امتحاني بطريقة برايل أو بالطريقة العادية، لكن بعض الاساتذة كانوا يتعاطفون معي ويمنحونني المزيد من الوقت''· تخرجنا - والحديث لمنى- من مجتمع الجامعة المصغر، ونحن نحمل أحلاماً وردية سرعان ما تحطمت على صخرة الواقع الصلبة، لنخوض رحلة مضنية وشاقة من البحث المتواصل عن العمل وإثبات الذات· وكثيرا ما كانت تستبعد أوراقي من التعيين عند معرفتهم بإعاقتي، لكن هذا لم يزدني إلا إصراراً على مواصلة التحدي فعدت إلى العلم مجدداً، وأكملت دراستي العليا في القاهرة وقدمت أطروحتي في رسالة الماجستير حول تاريخ دولة الإمارات وتخرجت بتقدير امتياز''· رجعت إلى أرض الوطن وبدأت رحلة البحث عن العمل للمرة الثانية، وبعد سنة تقريبا عملت في ''هيئة أبوظبي للثقافة والتراث'' كباحث متعاون في قسم الأعراق البشرية، ولا أنسى الدعم المعرفي والأكاديمي الذي منحني إياه الدكتور ناصر الحميري أثناء تحضيري لرسالة الماجستير، وترشيحي لتدريس مساق التاريخ العربي الحديث والمعاصر في كلية الانتساب الموجه - فرع المرفأ لفصل دراسي كامل· كانت تجربة ثرية بالنسبة لي، منحتني المزيد من القوة والثقة بأن ضعيف البصر قادر على العطاء، فلم أواجه أي صعوبة لا في التحضير ولا في إعداد المادة والتصحيح ولا في التعامل مع الطالبات''· الانطلاقة الحقيقية تعتقد منى أن انطلاقتها الحقيقية كانت مع عملها متطوعة في ''جمعية الامارات للمكفوفين'' تقوم بتدريب المكفوفين على طريقة برايل ومساعدتهم على تخطي العراقيل التي قد يصادفونها، وتنظيم بعض الدورات للمعلمين حول طريقة برايل، وبعد صدور قانون دمج المكفوفين وضعاف البصر في المدارس العادية ظهرت بعض المشاكل، فكان لا بد من متابعتها وإيجاد الحلول لها، وعندها تم قبولي في وزارة التربية والتعليم في قسم ذوي الاحتياجات الخاصة كمدربة متخصصة، ومشرفة على رصد المشكلات التي يعاني منها المكفوفون وضعاف البصر إيمانا من الوزارة بضرورة أن يقوم بهذه المهمة وينزل إلى أرض الميدان شخص يعيش المشكلة بالفعل، لقدرته على تحسس مشاكل المكفوفين وضعاف البصر واحتياجاتهم· ومن خلال زياراتي الميدانية لمختلف مدارس الدولة، وضعت التصور تمهيدا لوضع الخطط والبرامج والمنهج العلمي الذي على ضوئه نصل بهم إلى مرحلة متقاربة بعض الشيء مع الطالب العادي· وتؤكد الحمادي أن نظرة الشفقة والعطف تلاحق المعاقين أينما اتجهوا، وهذا ما يسبب لهم الألم والإزعاج، ولهذا تجد أن المجتمع بحاجة إلى توعية في كيفية التعامل مع المعاق الذي يحتاج بدوره إلى إعداد من قبل الأهل وثقافة قوامها الاعتماد على النفس حتى يستطيع أن يتغلب على أي مشكلة قد تعترض طريقه· أما الحل لمشاكل المعاق فتكمن في رأيها في أن يعقد مصالحة مع ذاته أولاً لكي يستطيع التعايش مع الوضع الذي يحيط به، فكثيرا ما يخالج ضعيف البصر الخجل من طلب المساعدة من الآخرين عندما لا يتمكن من الرؤية بشكل واضح، ولهذا ينبغي عليه أن يتحدث عن مشكلته ويواجهها لكي يتسنى له تقبل ذاته·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©