الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمة التاريخ بأسئلة الحاضر

محاكمة التاريخ بأسئلة الحاضر
22 يوليو 2009 23:23
طرحت الأوضاع المأساوية التي شهدها العراق بعد الاحتلال الأميركي له، وظهور بوادر نشوب حرب أهلية بين مكوناته الأساسية، المذهبية والأثنية أسئلة هامة حول الأسباب التي جعلت الأوضاع الداخلية فيه تصل إلى هذا الحد من العنف العشوائي بعد أن كانت تلك المكونات تعيش قبل الغزو في سلام ووئام. عن هذه الأسئلة الملحة التي فرضتها الحالة العراقية وغيرها من الأسئلة المتعلقة بها يحاول كتاب «العراق: الشعب والتاريخ والسياسة» لمؤلفه جاريث ستانسفيلد أن يجيب مستعرضا في البداية ما قدمه المحللون للشأن العراقي سواء منهم المؤيدون للغزو أو المعارضون له من إجابات يمكنها أن تفسر حقيقة ما يجري، إذ ربطها البعض منهم بالإجراءات التي اتخذتها الحكومات العراقية في الفترة التالية لسقوط نظام حكم صدام حسين، والتي خلقت حالة من الفوضى، وإن كانت المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على سلطة الاحتلال الأميركي وبريطانيا لقيامهما بغزو العراق دون أن يتحسبا جيدا للنتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الغزو. بالمقابل يعتبر مراقبون آخرون أن الحكومة الأميركية مسؤولة عن تلك المشكلات التي شهدها العراق بعد الغزو، لكنهم من جهة ثانية يرون أن المشكلة الحقيقية تكمن في تطبيق الخطة المسبقة الإعداد لإدارة شؤون العراق في المرحلة الانتقالية، في حين أن هناك مراقبين آخرين يضعون ما جرى في سياق تاريخي يتعلق بالأحداث التاريخية التي أحدثتها العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة خلال تسعينيات القرن الماضي، إذ سارع العديد من السياسيين إلى التحذير من النتائج السلبية التي ستلحق بالمجتمع العراقي، بحيث يصبح من الصعب تخيل المستقبل المنظور. بعد هذا الاستعراض المكثف لمجمل الآراء التي قدمها المحللون المهتمون بالشأن العراقي، يحدد الباحث المحاور الأربعة شديدة التداخل التي سيشتغل عليها البحث في هذا الكتاب، وأولها حول ما إذا كان العراق عند تأسيسه دولة مصطنعة وكيف يمكن لهكذا دولة منذ نحو قرن قد أثرت على بناء الدولة بعد زمن طويل كهذا. أما المحور الثاني فيتعلق بمسألة الهوية في العراق وما مدى تأثير مفهوم الانتماء العراقي كقوة تعبوية بالمقارنة مع قوة الانتماء الديني أو التضامن العرقي، ولماذا كان ظهور الهويات الطائفية، وفي المحور الثالث يركز على مفهوم الديكتاتور وطبيعة السلطة السياسية في العراق، ويبحث في الأسباب التي تجعل الجيش يتدخل في الحياة السياسية وفي العوامل التي التي اضطرت العراق للرضوخ لأسلوب سلطوي شمولي في الحكم كان نظام صدام حسين حلقته الأخيرة. والمحور الرابع يتعلق ببناء الدولة وإرساء النظام الديمقراطي مركزا على آليات بناء الدولة في المجتمعات، أو الدولة التعددية المتحررة من ظلال السلطوية. السلطة ومستقبل العراق ومع أن المحاور الأربعة التي يطرحها الباحث تمثل موضوعا أساسيا للتحليل، يهدف إلى فهم الأسباب التي جعلت الحياة السياسية في العراق بعد الاحتلال تخضع لهيمنة أطراف ومنظمات تتحرك على أساس ديني أو عرقي أو عشائري بدلا من الهويات التي تقوم على الطبقات الاجتماعية، وتشمل كل المكونات الأساسية للشعب العراقي، فإنه يعمل على تجميع بعض العناصر التي تشملها التفسيرات السابقة، والتي تكشف عن تشكل الحياة السياسية وترسخها على أساس عرقي من خلال عودة قوى محلية لممارسة هذا الدور بفعل تأثير السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة وقوى التحالف قبل الغزو وبعده، فالخلافات الطائفية كانت موجودة قبل سقوط نظام صدام لكن درجة ظهورها ومدى قوة الحركات السياسية المدفوعة بهوياتها الطائفية اختلف بعد الاحتلال. وعلى الرغم من تلك الأوضاع، فإن الباحث يرى من خلال الدافع الموجود لدى الكثير من العراقيين لإيجاد آلية تمكنهم من إدارة خلافاتهم في إطار العيش المشترك بعيدا عن سلطة القهر التي يمكن أن تمارسها الدولة، أن مستقبل العراق لم يحسم بعد. تاريخ العراق السياسي يعتمد الباحث المنهج التاريخي في دراسة تاريخ العراق السياسي دون أن يغفل الآراء التي طرحت سابقا، ففي الفصل الثاني يتعرض بالمناقشة لتاريخ العراق «الحديث» مركزا على مناقشة الرأي القائل بأن العراق اصطناعي من خلال تحليل بناء الدولة في العراق، مبينا الأسباب التي استدعت تكوين العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى والكيفية التي على أساسها رسمت حدوده، إذ يرى البعض أن الكثير من جوانب الدولة العراقية يمكن فهمه عبر النظر في في الكيفية التي عمل بها البريطانيون على بناء الدولة وسعوا من خلالها إلى للتأثير في الشؤون العراقية في الأعوام التالية. ويحمل الباحث البريطانيين مسؤولية المقاربات المستبدة في الحكم، وذلك عبر تدخلهم المستمر في شؤون العراق واستثارة رد الفعل على ذلك في شكل حركة قومية. يتعرض الفصل الثالث لأكثر القضايا الإشكالية عند مناقشة تاريخ العراق الحديث والمتمثلة في كيف يعرَّف العراقيون أنفسهم وكيف يعرَّفهم الآخرون، الأمر الذي يجعل الحوار يدور حول موضوع الهوية ومن خلاله كيفية تناول واقع الحراك السياسي كما تناولته الدراسات الأكاديمية الغربية مركزة أولا على الانقسام الرأسي في المجتمع المتمثل في الانتماءات الطائفية والعرقية، وثانيا على الانقسامات الأفقية من حيث الطبقة والمركز الاقتصادي والاجتماعي، إذ تبدو تلك القوى أكثر تأثيرا من الانتماءات السابقة، إلا أن الباحث يتخذ من هذين أساسا لفهم الواقع السياسي في العراق، فيعمد في الفصل الثالث لدراسة التفاعل بين القوميتين العربية والكردية قبل أن يصل لدراسة الخلاف الشيعي السني ووضع الجماعة الآشورية والتركمانية. بعد ذلك، ينتقل لدراسة نمو الدولة السلطوية، وفي المقدمة مفهوم الديكتاتور، حيث يناقش التعريفات الخاصة به كمدخل لفهم تحول العراق من السلطوية إلى الشمولية في ثمانينات القرن العشرين ثم عودته إلى السلطوية في تسعينيات القرن الماضي، ليصل تاليا إلى مرحلة حكم صدام حسين، فيركز على الأحداث التي جعلت العراق في صراع مع القوى الغربية، وفي النهاية يقيم التأثير السياسي والاقتصادي للحرب العراقية الإيرانية وحركات التمرد الكردي. في الفصل السادس يتخذ من عقد التسعينيات الماضي مجالا للدراسة، مقيما الأسباب التي دفعت صدام لغزو الكويت مع تقديم عرض لحركات التمرد التي أعقبت طرد القوات العراقية من الكويت. وأخيرا يتناول التطورات السياسية التي شهدها العراق منذ سقوط نظام صدام، لا سيما ما يتعلق ببناء الدولة وإرساء نظام ديمقراطي وإمكانية قيام هكذا نظام أو أن نظاما سلطويا، هو الذي سيتشكل، لكنه يعود ليشير إلى ضرورة الغوص في أعماق التاريخ للتمعن في حقيقة العراق قبل أن يصبح عراقا لأن الدولة الحديثة لم تتشكل من فراغ ما يجعل فهم العراق الحديث يتطلب فهم الإرث الذي خلفته كل تلك العصور السابقة. الكتاب: العراق: الشعب والتاريخ والسياسة المؤلف: جاريث ستانسفيلد الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©