السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللغة العربيّة والانتشار، خارج الديار

اللغة العربيّة والانتشار، خارج الديار
22 يوليو 2009 23:25
يقال في الكلام المتداوَل بين الناس للشخص الْمُهِمِّ في نفسه، ومع ذلك لا يقَع الإقرارُ بفضله: «جَهِلَك مَن عاداك»! وكذلك شأن العربيّة، فإنّ أهلَها لا يأتون شيئاً غير النَّعْيِ عليها، والتقوُّل على عبقريّتها، وعلى أنّها لغة متخلّفة لم تعُد صالحة للحياة، ونحن لا ندري ما يريدون من لغتهم إلاّ أن يكونوا يريدون الانسلاخ انسلاخاً تامّاً من هويّتهم فيُمسون إنجليزاً أو فرَنْسيساً أو إسباناً أو أيّ جيلٍ آخر من الناس على الأرض؟... أم يريدون أن يكونوا عرباً دون عربيّة؟ أم يريدون أن يأتِيَ الغرباء ليطوّروا لهم لغتهم ثمّ يبتاعوها لهم كما يبتاعون لهم البضائع المصنّعة، والمرتَفَقات المبتكرة، في أسواقهم النافقة، وهم ينظُرون، ولا يفعلون؟ فكّرت في بعض هذا، أو كلّه، بعد أن سمعت أنّ الأتراك، هذه الأيّامَ، لا شُغلَ لهم إلاّ تعلُّمُ العربيّة لإحساسهم بأهمّيّتها في عَلاقاتهم الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة مع العرب، بالإضافة إلى أنّها لغة دينهم. وعلى أنّ الناس جميعاً يعلمون أنّ كلّ الأمم الراقية، على عهدنا هذا، تبُثّ بعضَ برامجها في قنوات وإذاعات أسّستها باللغة العربية، من بريطانيا إلى فرنسا إلى ألمانيا إلى روسيا إلى أمريكا، وهي في آخر الكون... أفيكون كلّ ذلك لأنّ هذه العربيّة ليست متطوّرة، وأنّها عديمة القيمة، وأنّها مَهينة المكانة، على الأرض؟ أم لأنّها لغة، بالإضافة إلى أهمّيّة الشعوب الناطقة بها، اقتصاديّاً وسياسيّاً، وتاريخيّاً أيضاً، لها من الأهليّة ما يجعلها تتبوّأ أرفع الْمَكَاناتِ، وأعلى الْمَقامات؟ لقد كان يمكن بشيء قليل من الجهد، أن تكون العربيّةُ لغةً عالميّة بحُكم أنّ أكثرَ من ثلاثين لغةً شرقيّة تكتب لغاتها بأبجديّتها، بعد أن كان عدد هذه اللغات مجاوِزاً المائةَ، وبعد أن تبيّن أنّها أليقُ اللغات وأكثرِها مُلاءَمةً لنظام الحاسوب؛ ذلك بأنّ حروفها القابلة للتربيع هي أقربُ إلى طبيعة الحاسوب من أيّ لغة أخرى في الكون، وبعد أن طوّر اليهودُ عِبْرِيَّتَهم (هاعِـ?ريثْ) التي كانت لغةَ مقابرَ وبِيَعٍٍ، فأمستْ لغةَ علومٍ وتَقانة في أقلَّ من نصف قرن، مع أنّها أخذتْ كثيراً من مصطلحاتها، وقبل ذلك، أخذت كلّ قواعدِ نحوِها، من العربية... لا ينقصُنا، نحن العربَ، إلاّ الْجِدُّ وتَعْنِيَةُ أنفسِنا حتّى نسودَ ونمجُد، كما ساد آباؤنا وأجدادنا ومَجَُدُوا، والفرصة متاحة لنا فلْنَنْتَهِزْها، وليكنْ ذلك بدءاً باللّغة، ومن اللّغة، وليُخْلِدْ علماؤُنا في مختبراتهم وفِرَق بحثهم، إلى الانقطاع عن كلّ شيء إلاّ التفكيرَ في ترقيَة هذه اللّغة، وتيسير نحوها للناشئة، وإيجاد مقابلاتٍ لِمَا يَجِدّ في عالم الاختراع، وليكنْ ذلك بعمْدِ العلماء العرب، هم أيضاً، إلى التنافس في هذا الاختراع، وتسميِة ما يخترعون بلغتهم وضْعاً وأصْلاً، كما يفعل غيرُهم من العلماء، عِوَضَ أن يُعَنُّوا أذهانهم في العثور على ما يقابِلُ ألفاظَ لغتهم لِمَا يخترع الآخَرون. فأهل الغرْبُ أخذوا أسماءَ ما اخترع أجدادنا بالعربيّة مباشرة مثل الصفر، والجبر، والكحول، واللوغاريتم، والصناعة، والأرقام التي لا يزالون يصِفونها بالعربيّة، إلى مئات الألفاظ والمصطلحات التي تَعَِجُّ بها لغاتهم عجيجاً... بل وجدْناهم لا يتردّدون في نقل حتّى بعض المصطلحات الأدبيّة فيستعملونها في لغاتهم كما أُنشِئت في العربيّة مثل «الْمَقامة»... وبعد، فلقد جَهِلَكِ من عاداك أيَّتُها العربيّة الجميلة!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©