السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجتمع المعرفة في مواجهة المعلوم والمجهول

مجتمع المعرفة في مواجهة المعلوم والمجهول
22 يوليو 2009 23:29
تحت هذا العنوان «التنمية البشرية وبناء مجتمع المعرفة»، صدر كتاب جديد، عن دار العربية للعلوم «ناشرون»، للمؤلف عبد الحسن الحسيني، الذي يعرض فيه كيف أن العالم كان متسمراً على شاشات التلفزة، وهو ينظر إلى قدم نيل آرمسترونج وهي تطأ القمر في العام 1967، وانتابته الدهشة أيضاً وهو يشاهد أول مركبة فضائية أميركية «باث فايندر» وهي تجوب أرض المريخ... فما كان يعتقده ضرباً من ضروب الخيال أصبح أمراً واقعاً يؤكد قدرته على مواجهة المجهول بخفاياه، واكتشاف الحلول للمشاكل التي تواجهه والوصول إلى الأهداف التي يتوق إليها. وبالرغم من ذلك، فلا يزال الإنسان، منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا، يعاني من مشاكل أساسية يسعى جاهداً لمقاومتها واكتشاف الحلول لها، مستعيناً بقول الله تعالى (علّم الإنسان ما لم يعلم)، فهو يخاف من الطبيعة وغضبها، ومن الفضاء وما يخفيه ومن الموت وما بعده، ومن المرض وأوجاعه، من الفقر والجوع وأسبابهما، أي أنه يخشى كل ما يهدد له حياته وصحته وغذاءه واستقراره، ويبحث عن كل ما يحقق له الأمان ويحفظ له الاستقرار. أخطار ومخاوف يذكر المؤلف في هذا الكتاب كيف اتجه الإنسان إلى البحث عن الحلول لكل ما يحقق له أمنه الغذائي والصحي والبيئي والعسكري والاقتصادي وغير ذلك، فتواصلت الاكتشافات العلمية وتعددت النتائج الإيجابية للتقدم العلمي، مضيفة إلى حياة الإنسان مزيداً من الرفاهية والأمان، ومحققة له مزيداً من التنمية البشرية والاقتصادية والأمن القومي. ولم تتوقف مسيرة تقدم العلوم، وتواصلت عملية التطوير والتحديث، فالبندقية أصبحت مدفعاً والطائرة أصبحت صاروخاً، والهاتف حلّ مكان الحمام الزاجل، وركوب السيارة والطائرة حلّ مكان السفر على الخيول والجمال، إلى غير ذلك، مما أضفى مزيداً من الرخاء والرفاهية والبساطة على حياة البشرية، وسمح بالارتقاء إلى مستويات أعلى من الأمان بمختلف جوانبه. يقول هنا كيف أن التعليم قد لعب دوراً مركزياً في عملية التنمية وإنماء المعارف الأساسية للبشر وتطوير علومهم وبناء قدراتهم على التحليل والنقد ومواجهة المشاكل التي تعترضهم، وشكّل الركيزة الأساسية التي بنيت عليها آليات التنمية بجميع أشكالها. كما لعبت العلوم بمختلف فروعها من رياضيات وفيزياء وفلسفة وتكنولوجيا وغير ذلك، دوراً بارزاً في عملية الابتكار والإبداع والتطوير الاقتصادي، وساهمت في بلوغ هذا المستوى من التقدم العلمي الذي نحن عليه اليوم، في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، إلى ثورة في علم الجينات، إلى غزو الفضاء إلى الاكتشافات الطبية، إلى مقاومة الجوع والفقر، إلى هذا المستوى من الأمان والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي اللذين تحققا لمصلحة الإنسان على أيدي أهل العلم والمعرفة، فللعلوم أيضاً دورها المركزي في التنمية البشرية والاقتصادية وتحقيق الأمن القومي. يشرح المؤلف كيف تحقق وسيتحقق في المستقبل من إنجازات علمية وتكنولوجية، فلا يزال أمام الإنسان الكثير من المشاكل التي سيواجهها وينبغي إيجاد الحلول المناسبة لها. فهو لا يزال يواجه الأمن الغذائي في كثير من مناطق العالم، ولا يزال يواجه غضب الطبيعة ويقف عاجزاً أمام الأمراض المستعصية والفيروسات الجديدة المكتشفة، ولا يزال الإنسان يخاف الموت والفضاء والمحيطات والزلازل والبراكين. وما أوجدته التكنولوجيا الحديثة نتيجة الإفراط في استخدامها، من مشاكل على صعيد البيئة والصحة والغذاء والمياه وغير ذلك. توازن وتنوع يرى المؤلف أيضاً كيف أن البشرية ستواجه مشاكل جديدة على صعيد ديمومة الحياة الإنسانية، من تلوث البيئة وتغيّر المناخ إلى انعدام التوازن الطبيعي والتّنوع البيولوجي وغير ذلك. يضاف إليها تلك المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تجدّدت في السنوات الأخيرة وأثارت معها المزيد من التوترات والحروب في العالم، من ظاهرة التطرّف الديني والسياسي، إلى مشكلة الإرهاب بجميع صوره وأشكاله، إلى القمع والقتل والدمار والفساد والتسلّط وقمع الحريات وعدم تداول السلطة بالوسائل الديمقراطية وغير ذلك، مما أدى إلى حروب داخلية ومجازر طالت العديد من الدول الفقيرة والنامية وكان لها نتائج اجتماعية وتنموية سيئة للغاية، أدت إلى عمليات نزوح وتهجير واسعة، وإلى بروز حركات متطرّفة تستخدم القتل والدمار بطريقة عبثية كوسيلة للتسلط أو لجمع المال. وهذا ما انعكس سلباًَ على الأمن القومي العالمي من جهة وعلى الأمن القومي للدول الفقيرة والنامية بشكل خاص، فازداد الفقر والجوع والجهل والتخلف والأمية، ومات ملايين الأطفال جوعا،ً أو بسبب تفشّي الأمراض وقلة الرعاية، كما تفككت العائلة كوحدة اجتماعية مترابطة، وانتشرت الأمية في البلدان الفقيرة خصوصاً لدى الأطفال والنساء، وانتشر البغاء وأصبحت المرأة سلعة بعد أن أكرهت على التخلي عن دورها كحاضنة للعائلة وتحوّلت إلى يد عاملة يجري المتاجرة بها، وهذا ما زاد من مشاكل العالم ومن الحاجة إلى بذل مزيد من الجهود لمواجهة التداعيات الناتجة عنها وإيجاد الوسائل والآليات للشروع في عملية التنمية البشرية الشاملة كمنطلق للتنمية الاقتصادية وتحصين الأمن القومي للدول. آخر السلم وعلى صعيد البحث العلمي وتقدّم العلوم، يشير المؤلف إلى أن الوطن العربي الذي لا يزال يقع في أواخر سلّم الدول المنتجة للبحوث العلمية، والذي لا يزال فيه الأمن القومي العربي مهدداً وبعيداً عن الاستقرار، فهو يعاني من التهديدات الإسرائيلية من جهة ومن الإرهاب والتدخلات السياسية الخارجية من جهة أخرى، بالرغم من الميزانيات العسكرية الضخمة التي ترصدها الدول العربية، والتي بلغت 60 مليار دولار سنوياً معدّل 15% من إجمالي الناتج، وعلى صعيد الأمن القومي الغذائي وإنتاج المواد الغذائية والسلع الضرورية (كالقمح، الذرة، الحبوب...) فلا يزال الوطن العربي مستورداً لهذه السلع وبعيداً عن الاكتفاء الذاتي، وهذا يشكل عاملاً خطيراً على استقراره والتحكم بقراره المستقل، ومصدراً للاضطرابات الاجتماعية والسياسية وسبباً من أسباب الجوع والفقر. أما الأمن القومي المائي فليس بأفضل حالا، حيث يعاني الوطن العربي من مشكلة مائية كبيرة ومن جفاف قاتم، وبعض الدول العربية لا تحسن استخدام مواردها المائية أو ترشيد استغلالها. بالإضافة إلى مشاكل أخرى على صعيد الأمن القومي الصحي والبيئي والإنمائي، إلى ما هنالك من المشاكل التي تؤثر على بناء الدولة ومناعتها وعلى المواطن ورفاهيته. إزاء كل ذلك يقدّم ويشرح في كتابه، مشكلة التنمية البشرية كمدخل لتحصين الأمن القومي العربي وبناء الدولة، وتعزيز ثقافة الابتكار والإبداع كوسيلة لبناء اقتصادات منتجة تعتمد على المعرفة وتساهم في منح المواطن مزيداً من الرفاهية والأمان والاستقرار، تعتبر من الأهداف التي يجب أن تعمل عليها الحكومات العربية، خصوصاً تلك التي لا تمتلك الموارد الطبيعية الكافية، وذلك في مؤازرة العمل على معالجة أوضاع الدولة وتمتين بنيانها، كأوضاع الإدارة العامة ومعالجة البيروقراطية وتعزيز الحرية الفكرية وتداول السلطة بالطرق الديمقراطية وإقامة نظام عدلي متكامل والشروع في محاربة الفساد والمفسدين، كمدخل لبناء دولة قوية وعادلة وقادرة وآمنة. إن عملية التنمية البشرية وآلياتها في الوطن العربي، يجب أن تراعي مستويات التنمية في كل دولة، وتلعب الصناديق العربية لدول الخليج العربي دوراً مساعداً في عملية التنمية في الدول ذات الموارد المالية والطبيعية الشحيحة. ثقافة الابتكار وفي هذا المجال، يرى المؤلف، أنه يجب العمل على مساعدة الدول العربية الفقيرة التي تعاني من الانقسامات السياسية والحروب الداخلية ومن الإرهاب والتهجير والجفاف وهجرة الأرياف والتصحر وغير ذلك، كخطوة مرحلية أولية للانطلاق في عملية التنمية البشرية والاقتصادية. أيضاً وبالإضافة إلى ذلك، يرى كيف يجب أن يراعى عند وضع سياسات وخطط التنمية، إمكانية برمجتها وتحديد أولوياتها وتنفيذها. لقد أثبتت التجارب أن العقبات هي دوماً في التنفيذ وليس في وضع السياسات. كما أثبتت التجارب أن مواضيع التربية والتعليم والتقدّم العلمي وتعزيز ثقافة الإبداع والابتكار تشكل الأسس والقواعد التي تبنى عليها سياسات التنمية البشرية والاقتصادية كمدخل لبناء مجتمع المعرفة وتحصين الأمن القومي بجميع مقوماته وعناصره، على أن يترافق ذلك مع حلول لقضايا مثل الجوع والفقر والأمية ومشاكل الإدارة والبيروقراطية وتداول السلطة والتشريعات القانونية المناسبة وغير ذلك. الكتاب: التنمية البشرية وبناء مجتمع المعرفة المؤلف: عبد الحسن الحسيني الناشر: دار العربية للعلوم ـ ناشرون، بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©