الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميدفيديف - بوتين... وسيناريو توزيع الأدوار

ميدفيديف - بوتين... وسيناريو توزيع الأدوار
23 يوليو 2009 00:11
خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، ارتكب الرئيس أوباما خطأً بإشارته إلى الرجل الثاني في روسيا بـ«الرئيس بوتين»، حينها لم يلقِ أوباما بالًا للخطأ غير المقصود، معتبراً أن بوتين تولى في السابق المنصب الأعلى في روسيا، وهو منصب شغله بالفعل قبل أن يتنحى ليمهد الطريق لتلميذه الرئيس ديمتري ميدفيديف، كي يخلفه في المنصب بعد الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في شهر مارس من العام الماضي. وإذا كان منصب بوتين الحالي يختلط على بعض القادة السياسيين بين الفينة والأخرى، فإنه من الصعب التحديد على وجه الدقة دوره في السياسة الداخلية الذي مازال يستعصي فهمه على الجميع تقريباً، فقد تحول السؤال عن الطريقة التي تُدار بها روسيا اليوم، والمسار الذي تسلكه في ظل الأخبار الاقتصادية الأكثر تشاؤماً منذ عقد من الزمن إلى موضوع للنقاش المحتدم في أوساط الطبقة السياسية في البلاد. ففيما يرى البعض أن ما يجري حالياً هو مسرحية من إخراج الكريملن، الهدف منها توزيع الأدوار بين الرجلين وإبقاء المعارضة مهمشة وبعيدة عن بؤرة الأحداث، يذهب البعض الآخر إلى أن الرئيس ميدفيديف، وبوحي من تجربته كمحامٍ بارع، ربما يكون بصدد الانفصال عن وصاية سلفه وتغيير الملامح القاسية التي ميزت فترة بوتين. وفي هذا الإطار، أظهر استطلاع للرأي أجراه في شهر مايو الماضي مركز «لايفادا» بموسكو أن 19% من الروس يعتقدون أن ميدفيديف «يتبنى سياسة مستقلة»، فيما عبر 68% من المستجوبين عن أنه يعمل «تحت سيطرة بوتين ومحيطه». والحقيقة أن هذا الوعي الذي أظهره الرأي العام الروسي وفهمه للسياسة الداخلية في البلاد، إنما يعكس التاريخ الروسي الممتد على مدى الأعوام الألف الأخيرة، حيث كانت البلاد تحكم فيها من قبل زعيم واحد قوي، وفي المرات القليلة التي قُسمت فيها السلطة كادت أن تخرج الأمور عن السيطرة وتقود إلى الحرب الأهلية على غرار ما حدث مؤخراً في العام 1993 بين الرئيس بورس يلتسين وبرلمانه المنتخب، حيث تدهورت العلاقة بين الطرفين ووصلت إلى اندلاع اشتباكات مسلحة انتهت باستعادة الكريملن لكامل السيطرة واحتكاره للسلطة، وهو ما يفسر مشاعر الشك الواسعة التي برزت العام الماضي عندما صعد ميدفيديف إلى الكريملن في انتخابات مراقبة نقلت بوتين إلى موقع آخر في السلطة دون أن تخرجه من دائرة الضوء. وبموجب الدستور الروسي للعام 1993، ليس رئيس الوزراء أكثر من تكنوقراطي يعينه الرئيس ويعمل تحت إمرته، لكن وفيما كان موظفو الكريملين في السابق يعملون بعيداً عن الأضواء ويمارسون مهامهم في الظل أصبحت أنشطة بوتين اليومية محط تغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام، وفي أوقات الأزمات أو الطوارئ مثل الحرب التي اندلعت مؤخراً مع الجارة جورجيا، يقفز بوتين إلى الواجهة، ويكشف عن وجهه الحقيقي المتحكم في دواليب الدولة، ومع ذلك أثبتت عدة أحداث ما يذهب إليه الرجلان من أنهما يعملان في إطار التنسيق، ولا يتعدى الواحد منهما على سلطة الآخر. هذا على الأقل ما ينص عليه الدستور، لكن «أولجا كريشتانوفسكايا»، إحدى الخبيرات في الطبقة السياسية الروسية قالت إنه عندما ينظر المراقب إلى من يملك السلطة على أرض الواقع بعيداً عما ينص عليه الدستور، سيعرف سبب هذا التناغم في عمل الرجلين، أو عدم نشوب خلافات حتى الآن، مشيرة إلى أن «ميدفيديف لا يملك موارد وليس لديه فريق ليقوده ما دامت 85% من المناصب الأساسية في يد رجال بوتين ليبقى ميدفيدف بمثابة جنرال من دون جيش»، مضيفة «أن السلطات وُزعت بينهما دون الرجوع إلى الدستور فرغم ترؤس ميدفيديف لجلسات مجلس الأمن ظل بوتين المسيطر على الجيش والأجهزة الأمنية». وقد حاول ميدفيديف من خلال تحركات مكثفة قام بها مؤخراً مد يده إلى الطبقة الليبرالية في روسيا التي أُقصيت من البرلمان، وتم منعها من الظهور في وسائل الإعلام لتُُدفع إلى هامش المجتمع في عهد بوتين، حيث وافق ميدفيديف في شهر أبريل الماضي على إجراء مقابلة مع أسبوعية «نوفايا جازيتا» إحدى المطبوعات المناهضة للكريملن، كما أحدث مدونة رئاسية وأمر الخبراء بالعمل على صياغة تعديلات على القانون المنظم للهيئات غير الحكومية التي ضيق عليها بوتين، والأكثر من ذلك التقى الرئيس بقادة الأحزاب الصغيرة التي عجزت عن دخول مجلس «الدوما» الروسي في الانتخابات الأخيرة، وتعهد أمامهم بتخفيف القيود التي تعود إلى فترة رئاسة بوتين. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه الخطوات التي يقوم بها ميدفيديف ذات مضمون رمزي، يرى فيها البعض الآخر محاولة من الرئيس لحشد التأييد استعداداً لفرض نفسه كزعيم روسيا الشرعي، وهو ما يعبر عنه «ديمتري أورشكين»، مدير مركز «ميركاتور جروب» بموسكو قائلاً: «يعتقد بوتين أنه الشخص رقم واحد في روسيا، لكن ميدفيديف بدأ يتحرك في الاتجاه نفسه، معتقداً أن الوقت قد حان ليكون الرجل الأول، ويبدو أن بوتين شرع في اتخاذ موقف صارم بعدما استشعر المحاولات الرامية إلى إبعاده، وهو يقاوم بشراسة هذه المحاولات». ففي مطلع الأسبوع الماضي، هُرع بوتين إلى موقع أحد الإضرابات العمالية في غرب روسيا، حيث رمى أمام التلفزيون الوطني بقلمه في وجه أحد الأثرياء تعبيراً عن غضبه، وأمر بتلبية جميع مطالب العمال، وفي مشهد مسرحي آخر انتقد بوتين الحكومة بأكملها أمام شاشة التلفزيون خلال اجتماع وزاري، لكن حقيقة ما يجري في روسيا لن تتضح حسب المراقبين إلا بعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام 2012. فريد وير - موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©