الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنان العهد الجديد وهدنة التعطيل المشترك

لبنان العهد الجديد وهدنة التعطيل المشترك
2 يونيو 2008 00:59
دخل لبنان مرحلة هدنة ''التعطيل المشترك'' وتحسين الصورة التي اهتزت جراء ما عرف باحداث أزمة ''القرارين'' الدامية في مايو الماضي، حيث اجتاحت المعارضة بقيادة ''حزب الله'' بيروت ودخلت في مواجهات مع أنصار الأكثرية في الجبل والشمال أسفرت عن سقوط أكثر من 100 قتيل و300 جريح· لكن لماذا الهدنة؟ وما الذي حققه اتفاق الدوحة بين الفريقين لم يكن بالإمكان تحقيقه من مكان آخر؟! بداية من ثانيا وليس أولا، لم يكن هناك أي خلاف بين اللبنانيين على ما أنجز من انتخاب قائد الجيش العماد ''ميشال سليمان'' رئيسا للجمهورية في ما يشبه عرسا عربيا تحت قبة البرلمان يوم الأحد 25 مايو، معيدا الأنوار إلى قصر ''بعبدا'' بعد 6 أشهر من مغادرة الرئيس قائد الجيش السابق العماد ''اميل لحود''، فالانتخاب كان بندا أولا في المبادرة العربية وهذا ما تم، على أن يتبعه تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يملك أي طرف فيها حق التعطيل، وكان الحل بعد فشل كل الصيغ التي طرحت وأشهرها (13 للأكثرية و10 للمعارضة و7 لرئيس الجمهورية) و(10+10+10) انه تم منح الجانبين حق التعطيل عبر صيغة (16 للأكثرية و11 للمعارضة و3 لرئيس الجمهورية)· وإذا كان المفهوم العام لهذه الصيغة هو حماية التوافق الوطني أولا، إذ أنه وفق الدستور يحتاج أي قرار إلى أغلبية الثلثين، وهذا يعني حكما أصوات الجانبين معا بموجب صيغة العيش المشترك، إلا أنها في الوقت نفسه تهدد بإدخال لبنان في مرحلة شلل تتقاطع وفق مصالح هذا الطرف أو ذاك عبر فيتو ''الثلث المعطل''· وبالتالي فإن الجدل الدائر حاليا حول توزيع الحقائب السيادية -بعد تكليف رئيس الوزراء ''فؤاد السنيورة'' تشكيل أولى حكومات العهد الجديد الوحدوية- يعد مسألة ثانوية، على اعتبار أن أيا من الجانبين لن يستطيع فرض إرادته على الآخر، لتصبح المعادلة صيغة ''التعطيل المشترك'' باسم الوفاق الوطني· وعلى اعتبار أن مسألة إقرار قانون الانتخابات التشريعية المرتقبة في مايو ،2009 أصبحت كذلك شكلية بعد اتفاق الجانبين على اعتماد القضاء دائرة انتخابية أو ما يعرف بـ''قانون ،''1960 وبالتالي لم يعد هناك سوى تصويت البرلمان على بعض التعديلات (المتفق عليها)، فإن المحك الفعلي للتوافق ليس بالمفهوم وإنما بالواقعية إزاء البند الذي لم يكن مدرجا على المبادرة العربية، وهو بند سلاح ''حزب الله''· هذا البند الذي أخرجه اتفاق الدوحة لم يكن بالإمكان على الإطلاق إخراجه من القاهرة، حيث ولدت المبادرة العربية، وذلك بسبب اعتبارها من جانب المعارضة اللبنانية طرفا منحازا إلى الجانب الآخر ليس بسبب الأحداث المتعلقة بأزمة ''القرارين'' وإنما إلى مرحلة أبعد من ذلك وتحديدا في يوليو 2006 عندما اعتبر ''مصدر مصري مسؤول'' خطف ''حزب الله'' الجنديين الإسرائيلين ''مغامرة'' دفع لبنان ثمنها في العدوان الإسرائيلي الواسع الذي دمر الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية· وبند السلاح الذي كان سببا رئيسيا في تعطيل وتجميد الحوار الوطني اللبناني في يونيو 2006 قبل العدوان الإسرائيلي المشؤوم، أعيد فتحه الآن ليس من باب استراتيجية مقاومــة العدو وإنما من باب ما حدث من استخدام لهذا السلاح في الداخل وما تسبب به من دماء لبنانية كادت تفجر حربا أهلية جديدة عاشها لبنان وعرفهـــا على مدى 15 عــاما منذ 1975 وحتى ·1990 لن يأخذ رئيس الوزراء المكلف وقتا طويلا في تشكيل الحكومة لأن مسألة التوزير لم تعد عقدة بموجب صيغة ثلثي ''التعطيل المشترك''، لكن العقدة تكمن في البيان الوزاري المقرر أن تنال بموجبه الحكومة ثقة البرلمان بأغلبية الثلثين (أي بالتوافق المحتم) وتحديدا في البند المتعلق بسلاح المقاومة· وقد استبقت الطروحات البيان الوزاري على طريقة بالونات الاختبار حتى قبل أن يكلف سليمان السنيورة بتشكيل أولى حكومات عهده الجديد، فالأمين العام لـ''حزب الله'' حسن نصر الله في خطاب العيد الثامن للمقاومة والتحرير طرح إعادة العمل بالصيغة الاستراتيجية التي توافق عليها مع رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي اغتيل في فبراير 2005 والتي توائم بين مشروع الإعمار والمقاومة، في حين قال زعيم ''القوات اللبنانية'' ''سمير جعجع'' أحد قيادات قوى 14 مارس التي تمثل الأكثرية إن الرئيس سليمان أبلغ بضرورة بدء الحوار حول سلاح ''حزب الله'' لاسيما بعد أحداث مايو بعد تشكيل الحكومة لكن قبل اتفاقها على البيان الوزاري· أعاد اتفاق الدوحة التأكيد على منع استخدام السلاح في الداخل تحت أي ظرف أو مبرر كان، لكنه ترك مسألة معالجة هذا الملف بعهدة الرئيس الجديد الذي كان شجاعا باعترافه في خطاب القسم ''إن القوى المسلحة لم تقم بالأداء الكامل المأمول منها في الأحداث الاخيرة''، لكنه دعا إلى حوار سياسي هادىء للتوصل إلى استراتيجية دفاعية لتحرير مزارع شبعا تحفظ إنجازات المقاومة من جهة وتعيد توجيه البندقية إلى العدو وعدم السماح بأن يكون لها وجهة أخرى· وسواء نوقشت قضية السلاح قبل أو بعد البيان الوزاري، سيكون من المستحيل التوصل إلى اتفاق حولها في الوقت الذي تسعى فيه المعارضة قبل الأكثرية إلى القيام بالمهمة الأصعب وهي تحسين صورتها في الأشهر الـ12 المقبلة التي تسبق الانتخابات· لبنان دخل مرحلة هدنة ربما تكون مديدة كما قال الرئيس الأسبق ''أمين الجميل''، وربما تتأزم وفق مرحلة ''التعطيل المشترك'' لا سيما وأن مشروع كل من الطرفين مرتبط بطريقة أو بأخرى بالخارج الذي كان حاضرا في الداخل يوم انتخاب سليمان· لا أحد يستطيع محو ما حدث في مايو، والمطلوب كما قال زعيم ''الأكثرية'' النائب ''سعد الحريري'' خطوات تداوي الجرح العميق، لكن في المقابل تكون المفاجأة بتبرير ''نصر الله'' للأحداث بداية بتسمية قتلى الحزب والمعارضة بـ''الشهداء'' وكأن القتال كان ضد ''الكفار'' في بيروت والجبل والشمال وليس ضد أبناء بلد العيش المشترك، وانتهاء بالافتخار علنــا بالانتماء إلى ''ولاية الفقيه'' وهو ما يعني فعليا أن القيّم على تحركه بإمكانـــه أن يلغي أي قانون وأي دستور وفق مبدأ ''أن الولي الفقيه فوق الدستور، ولو تعارض مع الدستور، فالدستور هو الذي يتغير''· إذا هي هدنة، والرهان بين الطرفين حاليا على صناديق اقتراع العام المقبل، علما أن النتيجة حتى اذا اختلفت لن تغير كثيرا في توازنات الحالة الراهنة وتمنح أحد الطرفين مثلا ''الثلثين'' للحكم منفردا· والمطلوب إعادة توضيح مفهوم العيش المشترك الذي يراعي مصالح الجميع من اللبنانيين أولا وهو ما يعني مشاركة الجميع في قرار الحرب أو السلم وليس ''تخوين'' الجميع في مقابل الدفاع عن أنموذج أحادي· عماد رياض مكاري imad_makari@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©