تصاميم تحلق بأجنحة «بترفلاي» وتصطدم بواقعية الألوان والقماش

في ليلة معطرة بأريج الحلم، وعلى أنغام أوبرالية تعزف على وتر المشاعر، قدم المصمم مايكل سينكو مجموعته الجديدة لخريف وشتاء 2010/ 2011 لأول مرة ضمن فعاليات أسبوع دبي للموضة، الذي اختتم فعالياته مؤخراً، مستوحياً أزياءها من القصة العاطفية لمدام بترفلاي وأحلامها المستحيلة، حيث يمتزج سحر الشرق وغموضه، مع ثقافة الغرب وجرأته، في ملحمة رومانسية من الفن والجمال. من وحي رائعة “جاكومو بوتشيني” والأوبرا الشهيرة التي ألفها عام 1904، سافر المصمم مايكل سينكو بعيداً في ومضة من الزمن، ليستعيد فصولاً درامية من الحب، والأمل، والغدر، ومعبراً بتصاميمه عن حكاية عاطفية قديمة حدثت في بدايات القرن العشرين، حين وقعت “تشوتشوسان” الفراشة، وهي فتاة يابانية من فتيات الجيشا، في حب ضابط أميركي يدعى “بنكرتون”، وتزوجته مخالفة معتقدات أهلها ومجتمعها، وعاشت معه الحب والفرح في فترة الحرب، ليعود بعدها إلى وطنه ويتزوج بأخرى أميركية، هاجراً “مدام بترفلاي” لتعاني اليأس والحرمان، مما دفعها لأن تعاقب نفسها بالانتحار على طريقة الساموراي القديمة والتي تسمى بـ”الهارا كيري”، حيث فضلت الموت بشرف، على حياة يملؤها الغدر والخزي. أوبرا دارمية لعل اختيار سنكو لترجمة قصة هذا الأوبرا الدرامية على وجه الخصوص، وتحويلها إلى عرض أزياء قدمه في دبي مؤخراً، يعود لكونه فناناً مثقفاً، حيث يقول: “لقد تأثرت كثيراً بهذه الأوبرا، ومع أن معظم الناس قد ترى الضعف، الرقة، وقلة الحيلة في شخصية مدام بترفلاي، إلا أني رأيت فيها ملامح امرأة قوية ومغرية وشجاعة حياتها لا تشبه حياة البشر العاديين، وهذا هو ما ألهمني”. والغريب أن سنكو استغرق في أجوائه الرومانسية، منفعلاً بعنوان مجموعته “الحلم المستحيل لمدام بترفلاي” إلى حد الهوس، ملتقطاً كل تفاصيله الصغيرة، ومركزاً على نقاط الجمال والبريق لكل قطعة وموديل ليتمكن من إيصال فكرته بشفافية، مستخدماً خامات وأقمشة هفافة، وشفافة، وخفيفة تكاد أن تكون منعدمة الوزن، لتخدم التصميم وتحوّل القطعة إلى حالة من الحلم أو الخيال بشكل جميل، فاختار الأتوال الفرنسية، والدانتيلات المحبوكة، مع شيء من الموسلين الناعم، إلى ذلك، يقول: “أردتها أن تكون فساتين أسطورية ساحرة، تجمع ما بين اللمسات اليابانية المميزة، من مراوح وزهور وكيمونو، وبين الأسلوب الغربي الأنيق في خياطة الأزياء الراقية وفن الهوت كوتور”. وبالفعل ركّز المصمم على الكثير من التفاصيل التي تحمل رقة أجنحة الفراشات بألوانها الزاهية المعّبرة وتصميمها التشريحي البديع، فظهرت قطعاً فيها تكلف لناحية القصّة والتنفيذ، موشاة بمهارة وحرفية عالية، ومطعمّة بأشكال وأحجام مختلفة من الكريستال سوارفسكي، الذي جاء ليثري كل فستان، إما على شكل نثر دقيق يتداخل بين عروق الدانتيل، أو بشكل صياغة فخمة تبدأ من العنق لتتوالى بتدرجات لونية متناغمة إلى الخصر، أو ليستريح بغنى وتألق على كامل الجوب، وكأنه قطعاً نفيسة من المجوهرات الملكية في البلاطات الفرنسية القديمة. موجات لونية فضل سنكو أن تأتي ألوان المجموعة لهذا الموسم بموجة رقيقة وهادئة في بداية العرض، مبتدئاً أولاً باستعراض القطع التي تحمل لون البشرة “skin color” وبشفافية عالية مغلفاً إياها بلوّن السكر، أتوال شفافية معرقّة بحرفية قصّات الليزر، ومغلفة بقماش الدانتيل الأبيض، لتلحقها بعد ذلك موجة وردية مستوحاة من الزهور الربيع اليابانية، وتليها تلك السماوية الغائمة، ثم الزرقاء البحرية، وهكذا إلى أن خرجت موجة الفساتين الزاهية التي تشبه الفراشات، والتي تحمل كل ألوان الطيف والربيع، ما أثار التساؤلات مفادها لماذا اختار المصمم ألوان ربيعية وصيفية حارة، لتشكيلة الخريف والشتاء الباردين؟ ليجيب سينكو: “نحن نعيش في الإمارات وزبائني معظمهم من الخليج والشرق الأوسط، والأجواء هنا مشمسة ومختلفة عن برودة وشتاء أوروبا، كما أن اتجاهات الموضة لهذا السنة هي الألوان الفاتحة، ولكن بالعموم أفضل المصممين في رأيي هم أولئك الذين لا يحصرون أنفسهم ضمن إطار المألوف والقواعد الثابتة، بل يخالفون السائد ليحققوا الاختلاف”. ولم ينس المصمم في زحمة التفاصيل، أن يضيف لمسات خفيفة وناعمة ليثري باقته، كوضعه شيئاً من الريش هنا وبعض من الترتر هناك، دانتيلات وشرائط، كشكشة وزركشة، والكثير من الإضافات الصغيرة التي حركت المجموعة وأغنتها، وحولت كل عارضة إلى فراشة رقيقة بأجنحة شفافة تطوف على مسرح العرض وسط ألوان تعلو وتهبط، وتزهو لتخبو، وتشرق لتغرب كما هي الحياة. وهكذا نجح سينكو في وضع علامة فارقة خلال أسبوع دبي للموضة الأخير، كما حاز بامتياز أكبر نسبة تصويت من قبل جمهور الحضور، الذين اختاروه “أفضل مصمم لهذا الموسم”، فاستحق جائزة الاحتفالية التقديرية.