الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«الحوار الإسلامي-المسيحي» يشيد بتجربة الإمارات في احترام الآخر

«الحوار الإسلامي-المسيحي» يشيد بتجربة الإمارات في احترام الآخر
9 مارس 2012
(أبوظبي)- دعا القس الدكتور رياض جرجور أمين عام الفريق العربي لـ “الحوار الإسلامي - المسيحي” الزعماء العرب وأصحاب الرأي والنخب السياسية إلى الاقتداء بتجربة دولة الإمارات بشأن قواعد ومبادئ العدل والحرية والمساواة واحترام الآخر وخصوصياته الدينية والعقدية ضمن إرادة احترام القانون والنظام باعتبارها النموذج الأمثل للتعايش المشترك بين جميع الأديان والطوائف خاصة بين المسلمين والمسيحيين. وأشاد القس جرجور مساء أمس الأول في محاضرة حول الحوار الإسلامي المسيحي بمقر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، شاركه في تقديمها الدكتور محمد السماك عضو مؤسس الفريق العربي للحوار الإسلامي- المسيحي، بجهود دولة الإمارات الداعمة للحوار الإسلامي المسيحي منذ إطلاقه خلال عام 1995، مثمناً الدعم الذي يوليه سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة للحوار الإسلامي المسيحي. وثَمّن جرجور التجربة الإماراتية، والسياسة التي تنتهجها، وأثبتت فعلياً وعملياً أحقيتها كنموذج حي وإيجابي يقتدي به العالم العربي لتحقيق العيش المشترك والاحترام للآخر، ومن ذلك ما قام به المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من ترميم للمسجد العمري وكنيسة المهد في فلسطين، مؤكداً أن هذا نموذج يجب أن يأخذه القادة العرب ويستلهموا منه السلوك العظيم في التعاطي مع الآخر بالاحترام وتعميق التواصل. وأشار الدكتور جرجور إلى أن هناك حاجة ملحة لتبديد المخاوف وتعميق العيش المشترك، الذي تحقق على مدار قرون في هذه المنطقة. وحتمية الابتعاد عن الحوار العقائدي، والذهاب إلى حوار للعيش المشترك ينبغي أن يستلهم نماذج مشرقة للعيش المشترك في العالم العربي، الذي لم يعرف تاريخياً انقساماً بين الإسلامي والمسيحي. أكد أن التقارب القائم على المحبة والإبداع يعتبر من أهم القناعات التي يعمل عليها الحوار المشترك بين الأديان، والذي يستند إلى أن الديانات هي رحمة من الله للبشر، وبالتالي تُعد مصدر رحمة وعدل للجميع، ولكن عندما يصادر البعض الدين ويوظفونه لخدمة مآربهم الفئوية الضيقة، حينها يصبح الوسيلة الأكثر فتكاً بالناس. وأوضح جرجور أن هناك أهدافاً عدة ينبغي تحقيقها، حتى يتم تصحيح العلاقة بين فئات مجتمعاتنا، منها رصد الواقع الحياتي في المجتمع العربي، وتحديد مواقع التوترات التي يستخدم فيها الدين لخلق نوازع الشقاق حتى بين أبناء الملة الواحدة، وتحديد ما نستطيع عمله لدرء تلك الفتنة والعمل معاً ليكون هناك عيش واحد، واستكشاف المساحات المشتركة على صعيد الدين والأخلاق والثقافة والتحديات المشتركة، خاصة وأن هناك الكثير من هذه المساحات التي يحاول البعض طمسها وتغييبها، ولذلك يجب إبراز تلك النماذج الناجحة التي قد تدفع بأي مشروع حواري مشترك إلى النجاح. وذكر جرجور أن هناك أربعة محددات تساعد على تحقيق الحوار المشترك وتعميقه، هي: ابتغاء الصراحة والتصالح والاستيضاح في كل مشروع حواري نبدأ به مع الابتعاد عن المجاملة والرياء واتباع لغة واحدة في الحوار لا لغتين، والابتعاد عن الحوار القائم على المسائل العقدية، ونقل الحوار من القمة إلى الشرائح الواسعة في المجتمع، وهو ما يتطلب عمل خطة واسعة لوضع خطاب ديني يحث على قبول الآخر وفهمه كما يريد هو أن يُعَرّف عن نفسه، لا كما يريد أن يسمه الآخر، وأخيراً يجب أن يعمل كل من طرفي الحوار على الدفاع عن الآخر والعمل يد واحدة في سبيل مجتمع تسوده الحرية والعدالة والمواطنة. وفي كلمته خلال المحاضرة تحدث د. محمد السماك، عن أربعة متغيرات أساسية تلعب أدواراً رئيسة في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي وهي المتغيرات الديمجرافية، والثقافية، والدينية، المتغيرات في العالم العربي. في إطار المتغيرات الديمجرافية، قدم السماك مثلين أساسيين، الأول في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي حين كان يعيش 80 في المائة من مسيحيي العالم في أوروبا والأميركيتين، والآن ثلثا المسيحيين يعيشون في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتبعاً للكنيسة أصبح مستقبل المسيحية في الجنوب وآسيا وأفريقيا حيث يستوطن الإسلام، وهذا يعني أن الحضور المسيحي في القارتين لابد أن يتعايش أو يتصادم مع الإسلام. والمثل الثاني، أن عدد المسلمين في العالم يتجاوز المليار ونصف المليار مسلم، ثلثهم يعيشون في مجتمعات ودول غير إسلامية، وهذا الحضور الإسلامي في المجتمعات المسيحية يعني أما تصادم أو تعايش. وبالنسبة للمتغير الثقافي، ذكر السماك أن الثقافة الغربية إلغائية للآخر، وتعتبر نفسها مقياسا للتقدم والحضارة، ومن يختلف عنها في المقومات الثقافية، فهو دونها مستوى ومتأخر عن ركب الحضارة، وهذه الرؤية أدركتها اليونسكو، وتحاول مواجهتها من خلال بعض المواثيق انبثاقاً من دورها في المحافظة على التنوع الثقافي في العالم. وتعرض السماك للمتغير الديني بالإشارة إلى مقولة الفيلسوف الفرنسي “مارلو” في ستينات القرن الماضي، حين أطلق عبارة بها تصور للمستقبل، وقال فيها، إن القرن الواحد والعشرين سيكون قرناً دينياً أو لا يكون، وكأنه تصور أن الدين سيلعب دوراً رئيساً في المجتمعات العامة، وهو بالفعل ما نجده الآن حيث صار الدين يلعب دوراً رئيساً في اتخاذ القرار السياسي في عديد من دول العالم والدول الكبرى. وانتقل السماك لطرح يتمثل في تحول القضايا المحلية ذات البعد الديني إلى قضايا عالمية بفعل تأثيراتها ضارباً المثل بما تقوم به جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا التي تسيئ للعلاقات الإسلامية المسيحية في العالم أجمع، ومن هنا تظهر أهمية تكريس الحوار ومد الجسور مع الجميع، موضحاً أن العرب المسيحيين موجودون في الوطن العربي قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام صار هناك عرب مسلمون وعرب مسيحيون، وهذا النسيج استمر منذ أيام الرسول الكريم (صلّى الله عليه وسلم) وأيام الخلافة الراشدة، مروراً بالأمويين والعباسيين وصولاً إلى العهد العثماني، وهذا الوجود يمثل جزءاً من لحمنا ودمنا في العالم العربي. وفي النهاية قال السماك، إن الدعوة إلى الحوار الإسلامي المسيحي تنطلق من ثوابتنا الإيمانية لأن الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين، وأرادنا أن نكون مختلفين إلى يوم الدين، ولكنه تعالى دعانا إلى التعاون، كما أن الاختلاف مظهر من مظاهر العظمة الإلهية في الخلق، فلا يكن هناك مخلوق يشبه الآخر تماماً مهما اعتقد البعض ذلك، وهو ما أثبتته كافة نظريات العلم الحديثة، فكيف نستطيع نحن أن نلغي هذا الاختلاف، وليست المشكلة في التنوع، ولكن المشكلة في غياب ثقافة احترام التنوع، وهو ما نسعى إليه من خلال الحوار الذي نروم من وراءه إلى البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الطرف الآخر. رسالة الأزهر أشاد الدكتور جرجور بالرسالة التي وجهتها مشيخة الأزهر الشريف لمسيحيي مصر من خلال وثيقة الأزهر، والتي طمأنت كل مسيحي بأنه مٌرحب به، وطالب المرجعيات الإسلامية في العالم العربي بالاقتداء بها. وأكد أن المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية واحدة من أسباب الفرقة، ولكن يجب أن لا تكون سبباً فيما يحدث في بلدان أخرى، وشدد على ضرورة توسعة إطار الحوار الإسلامي المسيحي ليشمل القاعدة الشعبية، وهذا يكون من خلال العمل مع المرأة والشباب وغيرها من الفئات التي يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً وعلـى نطاق واسع في تعميق الحوار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©