السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جوهر الرسالة

31 مارس 2018 22:37
في منتصف القرن الأول الهجري وعند مرور مجموعة من الخوارج على واصل بن عطاء سألوه عن نفسه، وقد كان مدركاً فساد اعتقادهم، فقال لهم ذمي مستجير فتركوه، وعندما وقع نظرهم على عبدالله بن خباب وهو يقرأ القران، طلبوا منه تكفير علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» فلم يجبهم إلى ذلك فقتلوه وزوجته الحامل وبقروا بطنها. وكان بقربهم يهودي يملك نخلاً وتمراً فطلبوا منه بعض التمر فمنحهم ورفض أخذ ثمنها. فألحوا عليه بأخذ الثمن حتى يأكلوها قائلين له معاذ الله أن نأكل حراماً حتى ولو مضغ تمرة. فتعجب اليهودي في نفسه وقال «عجباً لهؤلاء القوم يقتلون واحداً في مقام عبدالله بن خباب صاحب رسول الله ويحرمون أكل تمرة بدون دفع ثمنها». حادثة مشهورة في التاريخ الإسلامي تختزل في حدثها ومدلولها مدى ما يمكن أن يصل إليه الانحراف الخطير في فهم العقيدة والتفسير الخاطئ لرسالة الإسلام. وتأتي شهرة الحادثة هذه لكونها أول انحراف في العقيدة نفسها وأول تفسير خاطئ لتعاليم الدين الحنيف بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ومن حيث كونها لم تكن مجرد حادثة. بل إن لها تنظيراتها وتفسيراتها العقائدية والفكرية لدى الخوارج كأول فرقة تتبلور في نهج مخالف وفكر ضال وفهم خاطئ لروح الإسلام وجوهره. كانت الخوارج تمثل أول انحراف عقائدي في الإسلام نحا نحو الغلو والعنف والتطرف، وأول فرقة تجهر بعقائدها الخارجة عن نهج السلف الذي سار عليه الرسول والصحابة والتابعون. ودارت أول المناظرات في التراث الإسلامي معهم وحول اعتقاداتهم وتبعها مناظرات في كافة العقائد الأخرى والتي أثرت التراث الإسلامي بناحيتيها السلبية والإيجابية، ولكن كون هذه الفرقة جنحت إلى العنف والتطرف والغلو، فقد اندثرت عقائدهم المنحرفة بعد أن أحرقتهم وأحرقت الكثير من المسلمين في حروب كان أغلب وقودها هم أصحاب النوايا الحسنة التي تم تضليل مفاهيمهم وإفساد عقولهم بفكر منحرف لا يمت إلى العقيدة الإسلامية بصلة. كانت هذه الفرقة جرس إنذار لو أن علماء الدين وأئمة الفقه أدركوا حجم الخطر في الانحراف العقائدي والتفسير الخاطئ لنصوص الدين وتشعب التأويل في فهم فحوى الرسالة ومقاصدها الشرعية وغايتها في النزول، وهي التي كانت واضحة وجلية في فترة الرسول والصحابة وغايتها المحددة بالسعادة للإنسان في حياته الدنيوية وكسب رضا الخالق والفوز بالجنة في حياته الأبدية. وحيث إن رسالة الإسلام ومنهجه وغايته ومقصده هي الإنسان وما التكاليف والواجبات التي فرضها الإسلام عليه إلا لتهذيب النفس وتقويم الأخلاق ونشر المحبة والسلام لكافة البشر في المعمورة، فإن هذا الانحراف لدى البعض كان نتيجة خلل في أنفسهم وانحراف في سلوكهم وجهل في اعتقادهم، وقد حان الوقت لكي تفهم الأجيال ضلالهم وانحرافاتهم وفساد عقيدتهم واعتقادهم وعمى بصيرتهم وإبصارهم. لقد أسهم اختلاف الفقها في التفسير والتأويل والاجتهاد والقياس في تغذية عوامل الاختلاف والتفرقة لدى العامة. وبحكم أن العامة لا يملكون الخلفية الفقهية التي تمكنهم من فهم هذا الاختلاف وكونه في الفروع وليس في الأصول فبرز من العامة دعاة الفتن والتناحر، بل والتكفير في جهل كامل بأصول الدين. مانع الرياشي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©