السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الجفاف يهدد إعادة بناء الاقتصاد العراقي

الجفاف يهدد إعادة بناء الاقتصاد العراقي
24 يوليو 2009 23:49
ا كان يعرف في التاريخ بالهلال الخصيب الذي أدت أراضيه الزراعية الخصبة ومياهه الوفيرة إلى قيام الحضارة أصبح اليوم صحراء جرداء حيث يزحف نهرا دجلة والفرات ببطء نحو البحر. فهناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية العراقية لكنها مشققة وقاحلة وقد جفت الأنهار الثمينة كما تحجب العواصف الرملية أشعة الشمس. حتى «نهر صدام» وهو نظام الصرف الرئيسي الذي دشنه الرئيس الراحل صدام حسين في الثمانينات لإعادة العراق إلى مجده الزراعي القديم تحول إلى جدول هزيل اخضر اللون يجري على مستوى منخفض كثيرا عن العلامة التي تركها أعلى منسوب له. هذه هي أعراض نقص متفاقم في المياه يهدد بتقويض جهود العراق لإعادة بناء اقتصاده، بعد ست سنوات من الصراع منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. والمياه سلعة ثمينة في الشرق الأوسط القاحل الذي يتكهن الكثير من الخبراء بأن تنشب فيه حروب في المستقبل إذا لم يتم التوصل إلى حل مستديم. وازداد التوتر في وقت سابق هذا الشهر حين أعلنت تركيا أنها ستستأنف العمل في خطتها المثيرة للجدل لبناء سد على نهر دجلة في جنوبها الشرقي. وسحب الداعمون الأوروبيون تأييدهم لمشروع سد «ايليسو» استناداً لمعايير ثقافية وبيئية وهو ما يمثل انتصارا مؤقتا لبغداد، لكن أنقرة عقدت العزم على المضي قدما حيث تسعى إلى خفض اعتمادها على واردات الطاقة. ويقول عمرو هاشم الخبير الاقتصادي بجامعة المستنصرية ببغداد إن هذه ليست أزمة جديدة على العراق لكنها هذه المرة اكثر خطورة من أي وقت مضى. ويسارع الساسة العراقيون إلى الإلقاء باللائمة على الجيران تركيا وإيران وسوريا لإقامتهم سدودا واستخدامهم المتزايد للمياه لكن الخبراء يقولون إن مشاكل العراق ترجع أيضاً إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان وسوء الري وعدم وجود حوافز تذكر لترشيد استهلاك المياه. ويشير ديفيد مولدن نائب رئيس المعهد الدولي لإدارة المياه في سريلانكا إلى أن «المشكلة هي اجتماع كل العوامل مع، التمدن والتغير المناخي وتقلب المناخ على المدى القصير وازدياد الطلب على الغذاء». وأضاف «العراق مكان، لكنه ليس وحده في العالم. نعم يستطيعون دوما إلقاء اللوم على الجيران أو التغير المناخي لكنهم في نهاية المطاف يجب أن يغيروا أسلوب إدارة المياه». وهذا العام هو الثاني الذي يعاني فيه العراق من جفاف شديد ويقول مسؤولون أميركيون في بغداد إن استخدام الاحتياطيات العام الماضي سبب أسوأ نقص في المياه خلال عقد. وربما يأتي الجفاف بواحد من أسوأ محاصيل القمح خلال عشر سنوات وسط توقعات بانخفاض المحصول إلى 1.35 مليون طن اي نحو نصف المحصول المعتاد وهي انتكاسة كبيرة لبلد كان يمد المنطقة يوما بالحبوب لكنه يصنف اليوم ضمن اكبر مستوردي القمح في العالم. والاضطراب في قطاع الزراعة يعني اضطرابا للعراق إذ يعمل به اكبر عدد من القوة العاملة لكنه يبدو ضئيلا إذا قورن بالنفط من حيث العائد الاقتصادي. ويعد الاعتماد على واردات الغذاء وكذلك هجرة السكان من الريف والخوف من استقطاب المتشددين للشبان العاطلين من العوامل التي تقف وراء مبادرة خاصة أطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي لإنعاش قطاع الزراعة المحتضر. غير أن النتائج ستكون بطيئة في الوقت الذي يحث فيه المسؤولون المزارعين على التخلي عن ممارسات مثل الري بالغمر والذي أدى الى زيادة ملوحة التربة وساعد على خفض خصوبة الأراضي الزراعية. وفي غياب نظام ملائم للصرف فإن الممرات المائية العراقية مالحة بدرجة خطيرة. وتبلغ درجة ملوحة المياه التي تتدفق الى العراق 400 جزء في المليون. وتقول وزارة الزراعة إنها حين تصل الى الخليج يرتفع هذا المستوى الى الفي جزء في المليون. وفي بغداد يتكون الطين حول حقول من القصب تظهر الآن في نهر دجلة الذي يتدفق ببطء وهو مشهد بعيد كل البعد عما كان الوضع عليه قبل 20 عاما حين كان الأطفال يسبحون في تياراته السريعة معرضين انفسهم للتهلكة. ويهدد النقص المزمن إمدادات مياه الشرب ونظام الصرف الصحي ويفاقم من مشاكل الصحة العامة. وفي الآونة الأخيرة أيد النواب الذين يشكون من تقاعس الحكومة منع إبرام اي اتفاقات مع إيران أو سوريا أو تركيا والتي ترفض جميعا منح العراق حصة اكبر من المياه. ورغم أن هذه خطوة رمزية إلى حد كبير فقد عبرت عن استياء سياسي عميق. وفي محاولة للتغلب على ملوحة التربة وتحسين الإنتاج الزراعي أنفقت الولايات المتحدة 130 مليون دولار على الأقل لإصلاح ومد قناة صرف زراعية اشتهرت في عهد صدام. ورممت الولايات المتحدة مضخة للصرف في جنوب العراق هي الأكبر في الشرق الأوسط. وتصرف المضخة مياه الري الزائدة في البحر وستزيل إذا أديرت بشكل جيد ملوحة التربة بمرور الوقت. ويجب بذل جهد اكبر بكثير للتشجيع على ترشيد استهلاك المياه في بلد لا يدفع فيه المزارعون مقابلا لهذه السلعة الغالية ويعيش كثير من الناس في العاصمة لسنوات دون أن تصلهم فاتورة مياه واحدة. وذكر مسؤول أميركي في بغداد، طلب عدم نشر اسمه، أن على الحكومة العراقية أيضا إعطاء أولوية للحفاظ على المياه والأساليب المحسنة مثل الري بالتنقيط مكلفة وتتطلب معدات وتدريبا لا يتوفران لمعظم المزارعين الآن. ويقول عبد السلام حيدر الذي كان يزرع المشمش والبرتقال وفواكه أخرى في مزرعته بجنوب العراق «إذا زرعناها ستموت لأنه ليست هناك مياه كافية وهناك ملح كثير». وقد كف الآن حتى عن المحاولة.
المصدر: اليوسفية-العراق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©