الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوغندا... ضد «لعنة النفط الأفريقي»

27 ابريل 2010 22:54
بعد تأكيد أحد أكبر الاكتشافات النفطية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بدأت أوغندا التخطيط لتفادي الوقوع في مأزق "لعنة النفط الأفريقي"، التي أصابت عدداً من دول القارة السمراء التي تدفقت عليها الدولارات النفطية بين ليلة وضحاها، دون أن تسهم تلك الأموال في إحداث أي تنمية اقتصادية أو تغيير اجتماعي فيها. فبعد أن تأكد غنى أوغندا بموارد نفطية تقدر احتياطاتها بنحو ملياري برميل وأكثر في منطقة حوض بحيرة ألبرتا، أصبحت بذلك الدولة الأكثر غنى بالموارد النفطية في جنوبي الصحراء الأفريقية. وربما تكون هذه إشارة باعثة على التفاؤل كما يفترض. بيد أن استيطان ممارسات الفساد المالي والإداري والسياسي، وتكرار حدوث التأثيرات السالبة للعنة النفط على العديد من دول وشعوب القارة، حيث يتحول النفط إلى نقمة أكثر منه نعمة، فلم يعد سوى عدد قليل من المحللين المتابعين لهذه التطورات، يربط بين هذه الاكتشافات النفطية الضخمة، واتجاه أوغندا بخطى ثابتة وواضحة نحو التنمية الاجتماعية الاقتصادية. وكان قد ساد التشاؤم إثر تسرب معلومات جزئية عن اتفاقات الإنتاج المشترك للنفط التي عقدتها الحكومة عبر شبكة الإنترنت. فقد أشارت المعلومات المتسربة إلى أن الصفقات المبرمة تمثل خطراً كبيراً على الحكومة، بينما تمنح الشركات الأجنبية المتعاقد معها فرصة لتحقيق أرباح طائلة على حساب الاقتصاد الوطني الأوغندي وقطاعه النفطي. يذكر أن الشركات التي تم التعاقد معها حتى الآن هي: تولاو البريطانية وهيرتدج الكندية –التي باعت أسهمها لاحقاً لشركة تولاو- ويتوقع لهذه الأخيرة أن تبيع جزءاً من أسهمها لشركة العمليات النفطية الساحلية الوطنية الصينية، وكذلك لشركة توتال الفرنسية. وقد نظر المنتقدون إلى هذه الصفقات التي أبرمت مبكراً مع الشركات المشار إليها، على أنها دليل ملموس على اقتراب أوغندا من أن تكون ضحية لعنة النفط الأفريقي التالية. وعلى حد قول كوندافي كادريسان، المدير الإقليمي للبنك الدولي في أوغندا، فقد أثبتت التجربة دائماً أن المشكلة ليست في صفقات الإنتاج المشترك للنفط التي تعقدها الحكومات مع الشركات الأجنبية، بقدر ما تكمن في إدارة العائدات النفطية وتوزيعها وتوظيفها. لكن أوغندا تبدي عزماًَ على ترشيد إدارتها للموارد النفطية. فخلافاً لبقية الدول الأفريقية المنتجة للنفط، لم تغرق الحكومة الأوغندية في طريق تصاعد معدلات الإنفاق الاستهلاكي السابق لإنتاج النفط، الذي يتوقع أن تدر عائداته ما يزيد على 50 مليار دولار، مع العلم أن هذه العائدات سوف يبدأ تدفقها على الخزانة العامة بمجرد انطلاق عمليات الإنتاج النفطي التجاري العام المقبل. فعلى عكس ذلك الاتجاه الاستهلاكي المدمر للاقتصاد الوطني، بدأت الحكومة التخطيط المسبق لعدد من المشاريع التنموية، تشمل إنشاء شبكة من السكك الحديدية، والبرامج العلمية التدريبية والتعليمية، الهادفة إلى تحقيق الفائدة القصوى الممكنة من الموارد النفطية. وعلى حد قول "سباستيان ليفن"، المدير بالإنابة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أوغندا، فإن هذه الدولة تتمتع بوضع أفضل يمكنها من تفادي تكرار لعنة النفط الأفريقي. ويرد السبب في ذلك إلى توفر فريق من المستشارين والمخططين العازمين على استغلال كل الفرص الممكنة لتفادي تكرار تجارب الدول الأفريقية الأخرى في مجال إنتاج النفط. فمن جانبها تخطط الحكومة لإنشاء صندوق نفطي، إلى جانب إنشاء شركة وطنية للنفط. في الوقت نفسه أعلنت الحكومة عن خطط موازية تهدف إلى تكرير النفط وتصفيته محلياً. ويتوقع لهذه الخطوات جميعاً أن تقلل من اعتماد أوغندا على الواردات الأجنبية، فضلاً عن تحسين أداء الاقتصاد الوطني، وخلق الآلاف من الوظائف الجديدة. ولا يزال على المسؤولين استكمال الخطط والصفقات اللازمة لإنشاء مصفاة تكرير وطنية، ومد خط أنابيب إلى المحيط الهندي بتكلفة 1.5 مليار دولار، بينما أعلنت شركة تولاو أنها لن تبدأ بنقل عملياتها نحو مرحلة التصدير، إلا بعد حصولها على موافقة حكومية على ذلك. ولكن لا يزال في رأي المنتقدين أن افتقار الصفقات المبرمة بين الحكومة والشركات الأجنبية إلى الشفافية يعرض المواطنين والاقتصاد الوطني للخطر. من بين هؤلاء يتساءل ديكنز كاموجيشا -رئيس المكتب التنفيذي للمعهد الأفريقي لإدارة الطاقة- قائلاً: كيف تصبح مشاركة الأوغنديين ممكنة في هذه الصفقات دون أن تتوفر لهم المعلومات الضرورية عنها؟ وفيما لو أبدت الحكومة حرصاً على الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، فإن عليها أن تفتح صدرها أمام المحاسبة والمساءلة. وليس من وسيلة تمكنها من تحقيق ذلك سوى توفير المزيد من الشفافية في أدائها ومعاملاتها. من جانبه أكد بيراهوا موكتيل -عضو المجلس البرلماني لمنطقة بيليسا، وهي المنطقة التي تحظى بنسبة 50 في المئة تقريباً من الموارد النفطية التي اكتشفت مؤخراً- أن هذه الهواجس والشكوك ليست مثيرة لاستغراب أحد، نظراً لتاريخ الإنتاج النفطي في دول القارة. لكنه حذر من هذه المخاوف السابقة لأوانها بقوله: ولكننا لم نقدم الطعام للمدعوين بعد..فكيف نحكم عليه بالقول إنه طعام سيئ دون أن نتذوقه؟ وهذا ما دفع حتى بعض المتشككين إلى التراجع عن شكوكهم نوعاً ما، بعد أن رأوا من جدية واضحة تبديها الحكومة لإنجاح هذه التجربة النفطية الأفريقية الجديدة وتخليصها بقدر المستطاع من لعنة النفط التي شهدتها عدة دول سابقة لأوغندا. وضمن هذه الجدية تبذل الحكومة الآن جهوداً مقدرة في توعية المواطنين بدورهم وقدرتهم على المشاركة والانتفاع بالفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي تجلبها لهم موارد نفط بلادهم. في الاتجاه نفسه، دشنت الحكومة عدداً من البرامج الأكاديمية العلمية والمبادرات التدريبية الشبيهة الهادفة للاستثمار في رأس المال البشري. فقد أنشئ معهد متخصص للجيولوجيا النفطية وإنتاج النفط وغيره من التخصصات ذات الصلة. كما دشنت جامعة ماكريري –وهي أكبر جامعة وطنية أوغندية- برنامجاً أكاديمياً متخصصاً في علوم الجيولوجيا النفطية. في ذات الوقت يتوقع للجامعة المسيحية الأوغندية أن تبدأ تدريس تخصصات علمية قريباً في مجال التشريعات المتعلقة بالنفط والغاز. لونيس جاتسيونيس كمبالا - أوغندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©