السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللبنانيون ودلالات المطالبة بالعلمانية

27 ابريل 2010 22:54
لم يكن لديهم مباركة من الحكومة، كما لم يكن هناك سياسي يستقل سيارة دفع رباعي سوداء كبيرة يمولهم، ولا محطة تلفزيون تابعة لحزب من الأحزاب تروج لأنشطتهم. كما لم يكن هناك أيضاً واعظ ديني يُبشر بقضيتهم من فوق منبر. غير أن ما حدث يوم الأحد الماضي، هو أن آلاف اللبنانيين الذين تأثروا بحملة غير رسمية على موقع التواصل الاجتماعي"فيس بوك" وغيره من المواقع على الشبكة العنكبوتية، خرجوا في مسيرة اخترقوا خلالها قلب مدينة بيروت، مطالبين بفصل الدين عن السياسة، وهو ما مثل تأييداً نادراً للعلمانية في منطقة يتم تعريف أبنائها وعلى نحو متزايد من خلال هويتهم الدينية. "إنني لا أومن بالخلط بين الدين والسياسة "، هذا ما قاله "عامر سعيدي" 28 عاماً، الطالب بقسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، والذي انضم لما يقرب من 5000 شخص خرجوا تحت سماء زرقاء صافية في مسيرة اعتبرها الكثيرون، أول مظاهرة تنادي بالعلمانية، وبأن الدين" يجب ألا يستخدم كأداة في السياسة" بأي حال من الأحوال. يقول "سعيدي" إنه ولد كمسلم شيعي، ولكنه يعتبر نفسه غير متدين، ويقول إنه قد تعهد بشطب ديانته من بطاقة الهوية القومية التي يحملها، وهو خيار أصبح مسموحا به بموجب إذن من وزير الداخلية اللبناني"زياد بارود" الذي يدافع في سياساته عن حقوق المنظمات غير الربحية وغيرها من المجموعات المدنية التي شاركت في المسيرة. وقال العديد من المشاركين في المسيرة، التي انتهت بتجمع صاخب، أمام مبنى البرلمان اللبناني، إنهم تواجدوا هناك كنوع من الاحتجاج على النظام الحكومي الفريد في لبنان، الذي يقسم غنائم البلد السياسية بين زعماء الطوائف الدينية المختلفة الموجودة في البلد وفقا لنظام المحاصصة. وكانت إحدى اللافتات التي حملها المشاركون في المسيرة تحمل عبارة أو سؤالاً بالأحرى هو"ما هي طائفتك؟" وهو سؤال كثيراً ما يسمعه اللبنانيون خلال حياتهم، في بلد تُمنح فيه الوظائف الحكومية، أو المناصب الجامعية، أو تحجب، بناء على تعليمات مؤسسات تدار من قبل زعماء طائفيين. يقول "ياسر أنداري" مهندس معماري، وأحد أبناء الطائفة الدرزية في لبنان، الذي شارك في المسيرة حاملا على كتفيه ابنه" آدم" البالغ من العمر أربعة أعوام ونصف:" هذا النوع من النظم لم يجلب لنا سوى الحرب والفوضى" ويوضح "أنداري" ما يطالب به من خلال مشاركته في المسيرة بقوله:"نريد حكومة تتعامل مع جميع الناس كآدميين". وعدد الأفراد المشاركين في المسيرة التي تعتبر الأولى من نوعها منذ أن وضعت الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها عام 1990، أذهل منظميها إذ لا يزيد عدد النشطاء السياسيين المتحمسين الذين يشاركون في التظاهرات التي تخرج دفاعا عن أي قضية من القضايا التي تهم اللبنانيين، عن مئات قليلة في الكثير من الحالات. يرجع السبب في العدد الكبير الذي شارك في تلك المسيرة إلى أنها استقطبت العديد من الجماعات اللبنانية التي تعتبر نفسها مهمشة من قبل النظام الذي تم تأسيسه عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية والذي لا يزال قائما حتى الآن، ومنهم على سبيل المثال جماعات من اليساريين من المدرسة القديمة، والمدافعين عن حقوق المثليين وغيرهم. وقد لوحظ أن معظم الذين تصدروا واجهة مشهد المسيرة كانوا من الرجال والنساء دون الثلاثين من العمر، والمراهقين. وقالت إحدى المشاركات في المسيرة وتدعى ليلى حارب( 21 عاما) وهي طالبة جامعية تنتمي للطائفة الشيعية، وكانت من ضمن قلة من المشاركات فيها ممن كن يرتدين الحجاب" أنا لست ضد الدين بالطبع، ولكني أفهم العلمانية على أنها تعني الفصل بين الدين والسياسة" عبر الشرق الأوسط، تعني العلمانية أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. ومن الأشياء التي تساهم في إضافة المزيد من الغموض على معناها اختلاط هذا المعنى في كثير من الحالات بالإلحاد والكفر بالخالق في أذهان الكثير من المسلمين. والنشطاء المشاركون في المسيرة يصفون العلمانية بأنها تعني الفصل بين المسجد والكنسية من ناحية وبين وظائف الدولة، بحيث يمكن على سبيل المثال لأي رجل وامرأة أن يتزوجا دون أن يذهبا إلى رجل الدين لتوثيق الزواج وجعله شرعيا كما هو متبع في الديانتين الإسلامية والمسيحية ـ وهو الشيء المستحيل حدوثه في الوقت الراهن في لبنان والكثير من دول الشرق الأوسط. ويرى الكثير من المثقفين من ذوي الثقافة الغربية في الشرق الأوسط أن العلمانية هي التي ستقود العالم العربي إلى الخروج من أزماته الراهنة سواء السياسية والاقتصادية. أما رجال الدين المتنفذون في لبنان من كافة الطوائف، فينظرون إلى العلمانية على أنها فكرة ذات أصل غربي، تهدف لإلغاء الدين، ويستشهدون في سياق التدليل على وجهة نظرهم هذه، بما فعله "أتاتورك" في تركيا، والشاه في إيران عندما منعا ارتداء الحجاب في بلديهما.. الأول في بدايات القرن الماضي، والثاني اعتبارا من العقد الأخير من النصف الأول من القرن العشرين. "لا سوريا ولا أميركا... وإنما لبنان العلماني"، هكذا هتف اللبنانيون المشاركون في تلك المسيرة، ورأى الكثيرون ممن شاركوا في مسيرة الأحد الماضي أن النظام السياسي والديني الانقسامي في لبنان، هو السبب في ضعف الدولة والأمة اللبنانية، وبالتالي في تعرضها للاستغلال من قبل القوى الخارجية. بورزو داراجاهي بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©