الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأقليات... كعب أخيل التنين الآسيوي

الأقليات... كعب أخيل التنين الآسيوي
25 يوليو 2009 00:54
اندلعــت مؤخراً فــي إقليم سينجيانج -تركستان الشرقية- أو «المستعمرة الجديدة»، باللغة الصينية، تظاهرات دامية حصدت مئات القتلى والجرحى من أقلية الإيجور المسلمة، وأجبرت الرئيس الصيني هو جينتاو على قطع مشاركته في أعمال قمة الثماني والعودة إلى الصين. ويعتقد البعض أن اندلاع الاشتباكات في الإقليم يعود للشكاوى الاقتصادية والثقافية والدينية المستمرة منذ فترة طويلة، وهي شكاوى تراكمت على مدى عقود من الحكم الصارم، لتتحول إلى أعمال عنف غير مسبوقة. وتتهم الصين جماعات الإيجور الانفصالية بالإرهاب، وبأنهم على صلة بتنظيم «القاعدة»، إضافة إلى اتهامهم بشن سلسلة من الهجمات الإرهابية على مدنيين صينيين منذ التسعينات. وفي مؤشر على مخاوف الحكومة بشأن الاضطرابات، نزل زعيم الحزب الشيوعي في المدينة «لي. جي» إلى الشوارع لمناشدة المحتجين كي يعودوا إلى منازلهم. وتعهد خلال مؤتمر صحافي بإنزال أقصى العقوبات بالمسؤولين عن أعمال الشغب الأكثر دموية في الصين منذ قيام الصين الجديدة العام 1949، لكن الإيجور الذين يقيمون في المنفى، اتهموا في المقابل قوات الأمن الصينية بالقيام برد فعل مبالغ فيه أثناء تفريق تظاهرات سلمية قام بها آلاف الأشخاص، معتبرين أن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين عشوائياً. وقد حصل الإقليم على الحكم الذاتي عام 1955، ويقع وسط آسيا، وتبلغ مساحته: 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي يمثل حوالي 17% من مساحة الصين الحالية. ويبلغ عدد سكان الإقليم: حوالي 20 نسمة، ويشكل المسلمون الإيجور 9 ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد الصينيين المهجرين إلى هذا الإقليم قرابة 7 ملايين نسمة. ويشترك الإيجور الذين يتكلمون باللغة التركية، في صلات ثقافية مع آسيا الوسطى، رافضين الوجود والسيطرة الاقتصادية المتزايدة لإثنية الهان الصينية، فضلاً عن الرقابة التي تفرضها الحكومة على الدين والثقافة. ويعيش أغلبية المسلمين من الإيجور تحت خط الفقر، حيث يبلغ الدخل السنوي للفرد بما يعادل 50 دولاراً أميركياً، ويرجع ذلك لاحتراف أغلبهم للزراعة والرعي وصيد الأسماك وعزوفهم عن التعليم. ولما كان تقدير «ماو» أن يجعل من مقاطعة «شنشي» المسلمة مقراً لقيادته في مقاومة الاحتلال الياباني، فقد بات طبيعياً أن تشغله مطالب هؤلاء المسلمين ويحدد موقفه منها، خصوصاً أن هذه المطالب كانت أحد أسباب الصدام مع رجال الكومنتانج. وعلى ذلك، فقد أعلنت الثورة موقفها بوضوح ووعدت المسلمين بوعود محددة هي: إقامة حكومة إسلامية مستقلة ذاتياً- إلغاء كل الضرائب– إلغاء الديون والفوائد القديمة- إلغاء التجنيد الإجباري في جيوش أمراء الإقطاع- حماية حرية العقيدة الدينية للجميع – حماية الثقافة والتراث الإسلامي. ونستطيع أن نرصد معالم محددة للواقع الذي أصبح عليه المسلمون، بينما العهد الجديد يبدأ خطواته الأولى في عام 1949، على الوجه التالي: كان هناك موقف قانوني استقر منذ إعلان الجمهورية، يعترف بكيان المسلمين، ويعطيهم الحق في التمثيل البرلماني. وكانت هناك بوادر نهضة تمثلت في انتشار الجمعيات والمعاهد والمدارس الإسلامية، وهو ما كان مصحوباً بعدد من الصحف التي تعكس هذه النشاطات وتعبر عنها. وكانت هناك محاولة لإعادة الاتصال بالعالم العربي والإسلامي، عبر قناتين محددتين: الحج، وتبادل الزيارات الودية. يضاف إلى هذه العناصر ذلك التعاطف النسبي الذي كان يبديه قادة الثورة تجاه المسلمين، تقديراً منهم لذلك الرصيد المتميز الذي تمتعوا به، ووقفتهم الدائمة إلى جوار –بل وفي طليعة– المناضلين ضد الظلم الإمبراطوري، ثم وقوفهم في صف القوى الوطنية بعد إعلان النظام الجمهوري، ثم – أخيراً- رفضهم الانحياز إلى شيانج شيك أثناء صراعه مع الرئيس ماو. ورغم أن الدستور الصيني يشدد على المساواة بين كل القوميات. ومنع التعصب ضد أو اضطهاد أية قومية، فإنه ومنذ بداية التسعينيات وامتداداً لما قبلها يتعرض مسلمو شعب الإيجور لانتهاكات وتمييز في التوظيف، وكذلك قام النظام الصيني بتأسيس برنامج على درجة عالية من التمييز والعنصرية، يهدف إلى تغيير التوزيع السكاني بإقليم سينجيانج، فالسلطات الصينية قامت ببذل كل جهدها لتطبيق نظام «طفل واحد لكل أسرة» على الإيجور، بينما لم تطبقه على بقية الأعراق التي تعيش في الإقليم نفسه، وتتبع السلطات الصينية أبشع الطرق لتنفيذ تلك السياسة. وهناك ممارسات أكثر جوراً، حيث مُنع رفع الأذان من مكبرات الصوت بدعوى أنها تزعج هؤلاء الصينيين الدخلاء، وترويج الزواج المختلط لزواج الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين بضغوط اقتصادية وإغراءات مادية. إضافة إلى ذلك، تجريم وحظر منظمات المقاومة والتحرر في تركستان، وزد على هذا ما قامت به الحكومة الصينية من إجراء 42 تجربة نووية في أراضي المسلمين، وذلك حتى عام 1996. وكان لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة تأثير كبير على معاملة مسلمي الإيجور، حيث استغلت الصين هذا الحدث ذريعة لتزعم أن من يقومون بنشر رسائل دينية أو ثقافية مسالمة هم «إرهابيون». تظاهرات الإيجوريين الدامية تحرج الحكومة الصينية على الصعيد الدولي، وتعيد فتح ملف حقوق الإنسان في الصين. وقد تشكل كعب أخيل التنين الصيني الذي أخفقت سياساته في معالجة مسألة الأقليات التي لم تخضع لمبادئ حقوق الإنسان من حرية معتقد وحرية تعبير، بل حري التعامل معها على قاعدة مخاوف وأوهام. مأمون كيوان باحث سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©