الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كلاي».. صانع بطولات أميركا

6 يونيو 2016 00:26
نحن نحتاجك الآن يا محمد علي أكثر مما كنا نحتاجك منذ وقت طويل، ولكنك رحلت عنا.. لقد آثرت الرحيل في أمسية سبقت حلول شهر رمضان بأيام قليلة.. وقد كنتَ واحداً من مشاهير المسلمين الملتزمين، وكنتَ بطلاً استأثر بالعديد من الميداليات الذهبية الأولمبية. كنت نجماً خارقاً ورجلاً وطنياً وأيقونة عالمية مضيئة. أنت الذي أطلقت على نفسك لقب أعظم رجل في العالم، ثم ما لبثت أن ثبت إلى رشدك واهتديت إلى الإيمان بأن العظمة هي لله وحده. ولو فكرتَ بحال المسلمين هذه الأيام، لاتجه عقلك نحو توجيه انتقاداتك اللاذعة لباراك أوباما، ورفضت ما كان يطرحه أسامة بن لادن. وكنت ستسعى إلى تغيير ما يدور في عقول الأميركيين من أن الإسلام دين غريب وخطر يهدد معظم الأميركيين، حتى أصبح بالنسبة لهم مادة لجدل يتعلق بتناقضه المزعوم مع القيم الأميركية، ودعا الكثير منهم لمنعه والتصدي له. ويعتزم «ترامب» منع دخول المسلمين إلى أميركا، والغالبية العظمى من الأميركيين، وليس الجمهوريون وحدهم، يوافقونه الرأي. ولا يعنيهم قيد أنملة مدى الحقد الذي تنطوي عليه سياساتهم واقتراحاتهم ما دامت تضمن لهم كسب المزيد من أصوات الناخبين. لقد أصبحت القاعدة بسيطة: «كره المسلمين يكسبنا المزيد من الأصوات». ونحن نعلم أن عدد المسلمين الأميركيين ليس كبيراً، ولكننا نجهل سبب كل هذا الحقد الذي ينصبّ عليهم. وربما لا يتعدى عددهم 4 أو 5 ملايين، أو أقل بكثير من عددهم في دول غربية مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وأما الشيء الذي جعل المسلم الأميركي إنساناً مختلفاً فهو محمد علي. فما الذي كان يمثله؟ لقد كانت نسبة كبيرة من العبيد الذين أتى بهم الأميركيون منذ بداية تأسيس دولتهم من المسلمين. ولقد ساهم الكثير منهم، نساء ورجالاً، في بناء الدولة الأميركية، وهم الذين أنجبوا فيما بعد رجالاً مشاهير وأسماء لامعة من أمثال الداعية الإسلامي «الجاه محمد» الذي أسس وقاد تنظيم «أمة الإسلام» من عام 1934 حتى وفاته عام 1975، وهو الذي كان الداعية والموجّه لأميركيين ذاع صيتهم من أمثال «مالكولم إكس» و«لويس فاراخان» وغيرهما. وكان محمد علي واحداً من هؤلاء، ولكنه تنكر لطروحات «مالكولم»، وبعد بضع سنوات اعتنق الإسلام وفق المذهب السنّي. ومات «مالكولم إكس» في شهر فبراير من عام 1965 عن 39 عاماً. وكثيراً ما كنت أتساءل: ما الذي كان سيفعله لو امتد به العمر؟ وعندما سافر محمد علي إلى الكونغو لملاقاة منافسه «جورج فورمان»، تجمعت طوابير طويلة من الشبان والشابات لمقابلته وهم يرددون: «اقتله يا علي!». ولقد حدث هذا قبل أن نعرف مواقع التواصل الاجتماعي، وقبل اختراع الإنترنت، ومع ذلك فلقد كانت شعبية محمد علي ظاهرة عالمية الطابع. ويعود أحد أسباب هذه الشهرة لأميركا ذاتها التي أصبحت أقوى دولة في العالم. إلا أن الأميركيين من ذوي الأصل الأميركي ربما يمتلكون قوة عقائدية اكتسبوها من تاريخهم الحافل بالظلم والاضطهاد تفوق قوة الدولة العظمى التي ينتمون إليها. وما لبث نضال السود الأميركيين طلباً للحرية والمساواة أن اكتسب تأييداً عالمياً. وكان محمد علي جزءاً مهماً من هذا النضال. وهو الذي اشتهر بفعل كل ما لا يمكن أن تتوقعه منه. وكان يلاكم ويحرز الميداليات، ويجهر بغضبه من سياسة التمييز العنصري السائدة في البلد الذي يمثله كملاكم عالمي لا نظير له. وهو الذي تخلى عن اسم عائلته الذي أطلقه عليها تجار العبيد، واختار لنفسه اسماً منطوقاً باللغة العربية هو محمد علي، بالرغم مما ينطوي عليه من غرابة وصعوبة بالنسبة للأميركيين. ورفض الالتحاق بصفوف القوات الأميركية التي كانت تحارب في فييتنام وأصدر بياناً أعلن فيه عن استنكاره للسياسات الاستعمارية والعدوانية ورفضه خوض الحروب ضد الشعوب المسالمة. وقال في بيانه: «لماذا يريدون مني أن أرتدي اللباس العسكري الموحد وأسافر لمسافة 10 آلاف كيلو متر بعيداً عن وطني من أجل إلقاء القنابل وإطلاق الرصاص على الفييتناميين الأبرياء ذوي السحنات البنّية، في الوقت الذي يعامل فيه السود الأميركيون في مدينة لويسفيل كالكلاب وهم محرومون من أبسط حقوق الإنسان». لقد رفض محمد علي الانقياد الأعمى وراء الطروحات المنحرفة لمفهوم حب الوطن. *أستاذ مساعد ومدير قسم التطوير في «مركز السياسة الدولية» – واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©