السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العنوسة في الجزائر تستعصي على الحل

العنوسة في الجزائر تستعصي على الحل
25 يوليو 2009 21:02
تعاني الجزائر على غرار العديد من الدول العربية من تفاقم آفة بقاء ملايين الفتيات دون زواج وبخاصة اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر، وقد طُرحت هذه المشكلة مراراً للنقاش والبحث عن الحلول، إلا أنها استعصت على كل الوصفات وباتت تتضخم باستمرار ككرة الثلج المتدحرجة. وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 5 ملايين فتاة تجاوزن سن الخامسة والثلاثين غير متزوجات، وهو ما يعني إمكانية بقائهن دون زواج طوال حياتهن، بالنظر إلى ذهنية الجزائريين وطريقة تفكيرهم، إذ عادة ما يتجهون إلى الزواج بفتياتٍ تتراوح أعمارُهن بين 18 و25 سنة حينما يجدون أنفسهم مهيئين للزواج ويعزفون عن الاقتران بفتيات فوق عمر الثلاثين إلا إذا تعلق الأمر بالارتباط العاطفي أو امتلاك الفتاة المعنية لسكنٍ وسيارة ومقوِّمات رغد العيش، حيث يمكنها آنذاك جلب عريسٍ يفتقد هذه الأشياء، مهما كان سنها. واحدة من خمس وبهذا الصدد، تؤكد نتائج تحقيق قامت به وزارة الصحة الجزائرية ونشرت نتائجه في يونيو الماضي أن جزائرية واحدة من ثلاث تتزوج بين سن الـ15 و19 سنة، و41.5 بالمائة منهن يتزوجن بين سن الـ20 و الـ24، بينما تتزوج واحدة فقط من كل 5 فتيات تجاوزن سن الخامسة والعشرين، ما يعني أن حظوظ 80 بالمائة منهن تتضاءل بعد هذه السن في إيجاد شريك العمر، وتكاد تنعدم بعد سن الخامسة والثلاثين. وتقف أسبابٌ عديدة وراء تفاقم هذه الآفة، ولعل أهمها الأسباب الاقتصادية؛ حيث تعيش المدن الكبرى، وبخاصة الجزائر العاصمة التي يتمركز بها 5 ملايين جزائري، أزمة سكن حادة منذ استقلال الجزائر في صيف 1962 وما تلاه من نزوح ريفي واسع إليها وإلى المدن الكبرى بحثاً عن سبل العيش الكريم واستجابة لإغراء نداءات المدنية الحديثة. ونظراً لاكتظاظ الشقق السكنية بأفراد العائلات، فقد نتج عن ذلك تأخر سن زواج أبنائها إلى غاية إيجاد سكنات أخرى، وهذه الظاهرة غير موجودة في الأرياف التي «تعاني» ظاهرة عكسية وهي الزواج المبكر بسبب بساطة العيش وإمكانية توسيع السكن العائلي بسهولة للأبناء المتزوجين، ليشمل أسراً جديدة داخل العائلة الكبيرة، وهي مفارقة غريبة بين المدينة والريف بالجزائر. وبرغم الجهود التي بذلتها الجزائر منذ الاستقلال لمعالجة أزمة السكن، إلا أنها ما فتئت تتفاقم بسبب السرعة السكانية العالية، حيث تضاعف الجزائريون ثلاث مرات منذ الاستقلال في 1962 إلى الآن وانتقلوا من 12 مليون نسمة إلى قرابة 35 مليون نسمة الآن. ويشكل الشباب، من الجنسين، نسبة 75 بالمائة منهم. ويُضاف إلى ذلك ارتفاعُ نسبة البطالة وقلة فرص العمل وضعفُ الأجور، ما يجعل حتى الحاصلين عن فرص عمل يقضون سنوات طويلة قبل ادخار المال اللازم لتكاليف الزواج المختلفة، لاسيما وأن المهور باهظة، وقد اشتكى الجزائريون كثيراً من هذه المشكلة واعتبروها إحدى العقبات التي تعسِّر زواجهم. بينما اختار الكثير من الشباب البطال، أو محدود الدخل، الهجرة غير الشرعية في «قوارب الموت» إلى إسبانيا وإيطاليا ودول أخرى، بحثاً عن فرص حياةٍ أفضل، ويقترن بعضهم بأوروبيات لتسوية وثائقه الإدارية، ما يعني آلياً تضييع فرصة زواج على ابنة بلده. سمعة الجامعيات وهناك سبب آخر رئيسي للمعضلة لا يمتُّ بصلة إلى السكن والعمل والدخل، ويتعلق بسوء سمعة المتخرِّجات في الجامعة والأحكام المسبقة الشائعة لدى الجزائريين في هذا الجانب. وغالباً ما تكون هؤلاء المتخرجات ريفيات، وبرغم عدم وجود نسبة عزوبية كبيرة بها مقارنة بالمدن كما أسلفنا، إلا أن الريفيين يعزفون عن الزواج بهن في الغالب على خلفية تدهور سمعة الجامعيات في السنوات الأخيرة بسبب السلوكيات «المنحرفة» التي تقترفها بعضُهن في الأحياء الجامعية بالمدن بعيداً عن رقابة الأهل. ومع أن المسألة تتعلق ببعض الجامعيات فقط، إلا أن كثرة حديث الصحافة الجزائرية عن هذه الانحرافات الأخلاقية، جعل الرجال يقعون في فخِّ التعميم الخاطئ ويصدرون أحكاماً قاسية ضد الجامعيات ويتجنبون الاقتران بهن تفادياً لنظرات الاحتقار من المجتمع. واشتكت الجامعيات كثيراً من هذه الظاهرة على صفحات الصحف المحلية، إلا أن استمرار مظاهر الفساد الأخلاقي في مختلف الأحياء الجامعية بالمدن الجزائرية، أبقى على نفس الأحكام المسبقة التعميمية ضدهن. وبالنتيجة، فإن أعلى نسبة للعزوبية بين الفتيات في الجزائر سجلت بين المتخرجات في الجامعية، وهو ما يؤكده تحقيق وزارة الصحة الذي يشير إلى 76.9 بالمائة من الجامعيات يجدن أنفسهن دون زواج بينما لا تتعدى النسبة 36.9 بالمائة لدى الحاصلات على المستوى الابتدائي. وصفاتٌ عاجزة على الرغم من ارتفاع حالات الزواج في العشرية الأخيرة في الجزائر وتجاوزها الـ300 ألف زيجة كل سنة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهو تطوُّرٌ ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة التي لم تكن تسجِّل حتى نصف هذا العدد سنوياً، فإن نسبة العنوسة في تفاقم أيضاً، حيث يدخل هنا عاملُ النموِّ الديمجرافي. وتأمل الجزائر بتخفيف حدة الظاهرة من خلال بناء مليون سكن بين 2004 و2009 وكذا الإعلان عن الانطلاق في مشروع جديد لبناء مليون سكن آخر بين 2009 و2014، فضلاً عن إنشاء 3 ملايين وظيفة إلى غاية 2014 لمكافحة البطالة والهجرة غير الشرعية للشباب الجزائري وتحسين ظروفه المعيشية. وتأمل السلطاتُ أن يؤدي هذا البرنامج الطموح إلى استقرار اجتماعي واسع وبالتالي مكافحة مختلف الآفات ومنها العنوسة وما ينجر عنها من انحرافاتٍ أخلاقية. التعدد لمحاربة العنوسة رفع الشيخ شمس الدين بوروبي، لواء التعدد منذ نحو 18 سنة، وقال إنه الحل الأمثل لمشكل العنوسة وقد ألَّف في ذلك كتاباً شهيراً عنوانه «تأنيس العوانس» وأنشأ جمعية خيرية جعلت هذه المسألة من مهامها. إلا أن هذا الحل اصطدم في البداية برفض بعض العوانس معالجة مشكلتهن بالتعدد، ثم اصطدم منذ مارس 2005 بإصدار السلطات قانوناً يقيِّد التعدُّد ويمنع الزوج من الزواج ثانية إلا إذا وافقت الزوجة الأولى كتابياً أمام قاضٍ، وهو الأمر الذي نسف مشروع التعدد لمكافحة العنوسة من الأساس، في حين بدأ آخرون يستعدون لتنظيم حملة جديدة للتكيُّف مع هذا القانون شعارُها «اخطبي لزوجك».
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©