الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الساتر الرملي

13 مارس 2011 20:45
بينما كنت أتصفح تلك الصور القديمة والتي كانت تحمل أجمل أيام طفولتي، وجدت صورا منذ العام 1985، وكنت وقتها في الثامنة من عمري، وكانت الصورة تضم أبي وأخي وأنا أتوسطهما وكنا واقفين أمام الباب الخارجي للمنزل، وكانت كمية المياه المتجمعة أمام المنزل كبيرة، ومنظر الصورة يدل على وجود مطر غزير جدا. في الصورة ظهر حاجز من الرمل يعزل المياه عن الوصول لمدخل منزلنا، قام والدي وأخي وساهمت كذلك معهما، في وضع هذه الكمية من الرمل والتي كانت تشبه الساتر، الذي من خلاله نعزل الماء عن الدخول لمنزلنا، وتلك عملية سنوية كنا نقوم بها قبل قدوم الشتاء. لا أخفيكم القول كنت أكره هذه العملية، ودائما كنت أقول لأبي إنك تتعبنا في عملية تجميع الرمل لبناء هذا الحاجز، وكان عذري بأن هذا الحاجز الصغير غير قادر على منع كمية المياه الهائلة التي تسببها الأمطار، خاصة وأن منزلنا يقع على مستوى منخفض من سطح الأرض، مما يؤدي هذا الموقع إلى تجمع المياه حوله، ولكن رد والدي قائلا: صحيح أنه لن يمنع تلك الكمية الهائلة من المياه من الدخول للمنزل، ولكنه قادر على تقليلها وإن دخلت المياه إلى منزلنا بعد استعدادنا فهي مشيئة الله وهو قدرنا. الآن وبعد 25 سنة دارت الأيام لاتخصص بهذا المجال ولأكون أحد الباحثين في مجال إدارة المخاطر الطبيعية، فالعمل الذي كنت أكره القيام به قبل 25 عاما صرت أعشقه، وتخصصي أحد العلامات الفارقة على مستوى الدولة، ولا أبالغ إن قلت على المستوى العربي، فمن تجميع رمل بسيط أضعه كحاجز حصلت على الدكتوراه في إدارة المخاطر الطبيعية، وماجستير في إدارة الأزمات والكوارث. ما يهمنا من خلال هذا الحديث أن عبارة من العبارات التي قالها والدي ليوضح مدى أهمية العمل التي كنا نقوم به في ذلك الوقت، بقيت عالقة في ذهني وأخذت فصلا كاملا في أطروحة الدكتوراه وهي الحاجز الرملي الصغير، الذي لن يمنع تلك الكمية الهائلة من المياه من الدخول للمنزل ولكنه قادر على تقليلها. إن ما كنا نقوم به هو ما نسميه الآن إدارة المخاطر، وهو علم بات الجميع في وقتنا الحالي يتسابق على الانخراط فيه، ولكن أهل الإمارات من جيل والدي والاكبر منه كانوا بالفطرة يجيدون إدارة المخاطر، واليوم إدارة المخاطر هي واحدة من الأفكار المنطقية المتماسكة و المنضبطة، وهي أحد أركان إدارة المستقبل ونهج يتخذ للاستعداد للمستقبل والتأهب لأي طارئ يحدث فيه. من خلال إدارة المخاطر نستطيع العيش والتعايش مع الأخطار بحكمة، وبذلك نتجنب المخاطر كمانتجنب الإهدار غير الضروري للموارد أو الوقت والوصول للهدف المراد تحقيقه، ورغم إن القضاء و القدر أمر لا نختلف عليه، ولكنا لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي وننتظر الأجل، لأننا لا نعلم الغيب ولا المقدر، أما عن الحظ فهو يصنع ولا ينتظر، فلما لا نصنع حظنا السعيد باستعدادنا من خلال التركيز على إدارة المخاطر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©