السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتحاد لم يعد قوّة

الاتحاد لم يعد قوّة
28 ابريل 2010 20:54
“بات حال الاتحاد لا يسر أحد. الأمر الذي يجعلنا بإزاء أكثر من علامة استفهام وتعجب في آن” يقول الشاعر اليمني محيي الدين جرمة واصفاً حال اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي ظل أعضاؤه منذ تأسيسه في أكتوبر 1970 يتباهون بتماسكه وتوحد أهدافه الثقافية والسياسية، وأبرزها نشاطه الواضح أثناء الدعوة إلى توحيد اليمن باعتباره أوّل مؤسسة إبداعية ونقابية موحدة في عموم اليمن. بعد إعلان الوحدة اليمنية (22 مايو 1990) تنوعت وتعددت مشاغل أعضاء الاتحاد لتصبح مع السنوات دليل اختلافات وصراعات حادة الوضوح والتوجه، وهي إذ تبتعد كثيراً عن الفعل الثقافي بكل أشكاله فقد بدت خلافات على الإدارة والمنصب ومكتسباتهما. تشير الشاعرة هدى أبلان الأمينة العامة للاتحاد إلى هذه الخلافات التي شملت أعضاء الأمانة العامة أيضاً وترى “أن أي عمل نقابي يصاب بالكثير من الخلافات والشقاقات لأن كل طرف، أحياناً، يعتقد أنه يمتلك الحقيقة وأن ما لديه هو الأفضل، وهذه المؤسسات الثقافية تعيش على الحرية وليس على الصرامة الإدارية والتتابعية الهيكلية، وبالتالي من حق كل فرد في أي هيئة من هيئات هذه المؤسسة أن يرفع صوته رافضاً ومحتجاً ضد زملائه”. انتخابات ودسائس في فبراير 2009 أعلن عن تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر العام العاشر للاتحاد وإلى الآن لم يعقد المؤتمر، فيما أسفرت انتخابات الفروع في معظم المحافظات اليمنية على خلافات حول طريقة الانتخاب ونتائجها أدت إلى قيام اللجنة التحضيرية العليا بتجميد صلاحيات الهيئات الإدارية في فروع صنعاء وتعز وأبين . تعتقد أبلان أن “المفروض أن لدى الجميع مشروعاً ثقافياً ونقابياً عالياً داخل الاتحاد، نلتف حوله ونلتقي عنده، وأن نحترم نظامنا الأساسي ولوائحنا الداخلية وتاريخ الاتحاد العريق الذي كانت قاماته السابقة تترفع عن الصغائر والدس والوقيعة، وتتعالى إلى مستوى الوطن بوحدته وثقافته وديمقراطيته”. الدكتور سعيد الجريري رئيس فرع الاتحاد في حضرموت ينظر إلى المشكلة من وجهة عامة، إذ قال “اتحادنا ليس هو المأزوم الوحيد، فالأزمة تلف كثيراً من الاتحادات الأدبية العربية، وهي أزمة تمثل مظهراً لخيبة النخبة، لكنها تتأسس على معطى ينسف فكرة الاتحاد من جذورها”، فلو سألت عن اتحادات للأدباء والكتاب في بريطانيا أو أميركا أو اليابان، كما ينقل الجريري عن الروائية العراقية لطفية الدليمي “لواجهت استغراباً ودهشة. فالأدب ليس عملاً نقابياً ليدرج في خانة اتحاد أو نقابة، شأنه شأن نقابة الخياطين أو النجارين أو الطباخين . إنما هو عمل فردي ونشاط شخصي جداً، فضاؤه المخيلة، وشرطه الحرية والتحليق خارج القفص والحدود والتجمعات”. علامات الموت السريري وأزمة اتحاد الأدباء تلخص لدى الجريري “أزمةَ وطنٍ في خصوصية تضعه في مأزق تاريخي، لا يخرج منه إلا بإرادة تاريخية لا تحشر الوطن في جيوب المناورات، أو الترتيبات الأمنية، بالمعنى الشعري طبعاً، لأنها إنْ مارست ذلك أو حاولته مجدداً، فستمضي في ضَلالٍ آخر يمد جسوره المعلقة إلى حيث ألقتْ رحلَه”. وتساءل “أين الاتحاد من رؤيةٍ ثقافية استراتيجية وشيجة بتاريخه، في خضم الأحداث التي ينوء بها الوطن، وما يتهدد الإنسانَ فيه من احتمالاتٍ مفتوحة على مجهول، في غمرة الفزَع إلى لغة المواجهة لا الحوار، التي كان للاتحاد أدوارٌ مشهودة في العدول عنها إلى لغة موضوعية في إدارة أزمات سابقة، دلت على رياديته وطليعيته، وأعلته منارةً لغد محلوم به، كالشعر والجمال والحرية؟” لكن الاتحاد “وهو يعلن أزمته، اليوم، مُقرفصاً على قارعة تاريخه المجيد، إنما يعلن أزمة الوطن في أدبائه اللائذين بفراغ اللحظة، وتلك واحدة لعلها من علامات الموت السريري”. بدوره يرى محيي جرمة أن “الانقسام في الاتحاد ليس إلا نتاج طبيعي لحالة سياسية واجتماعية بالمعنى الوطني تمضي باتجاه استقرار غير طبيعية لتأمين حالة انهيار عام”. وهذه الخلافات أو المشاكل كما يصفها “غالباً ما تأخذ طابع (الكولسة) والإغارة الليلية بين مجموع الأمناء في هيئة الاتحاد المركزية، وكذلك بين رؤساء وهيئات الفروع”. ويلحظ جرمة أن الاتحاد حاول “النأي عن التأثيرات الحزبية الضيقة لكن من دون جدوى” فعلى الرغم أن “أغلب من ساهموا في بلورة فكرة الاتحاد ككيان وحدوي منذ أوائل السبعينات، كانوا هم أنفسهم منظمين سياسياً؛ لكنهم كانوا يفرقون بين وجودهم في الاتحاد وبين أفكارهم أو قناعاتهم السياسية من دون أن يؤثر ذلك على طبيعة وظيفتهم كأدباء مثقفين وأصحاب تنوير أولًا قبل كونهم سياسيين ، ولم يكونوا “ليغلبوا أي قناعات أيدلوجية ضيقة على حساب الرسالة الأدبية ودور المثقف النظيف والعضوي في اتحادهم الذي كان بحجم وفكرة وطن حقيق بالفعل”. حيث “لم يرضخ اتحاد الأدباء في اليمن لإملاءات تسيّر دفته بالشكل الذي حصل في اتحادات مشابهة له في غير بلد عربي لصالح معاطف المؤسسة الرسمية”. وأشار بذلك إلى “بيانات سيئة الصيت لم تكن من طبيعة خطاب الاتحاد، خدمت أبعاداً أخرى خرجت عن طور الوظيفة المناطة بهيئاته. فكانت النتيجة شرعنة فساد ثقافي، وانحداراً في تاريخ الاتحاد بعد أن كان يمثل ذكراً حسناً لكل من يرثي أحواله اليوم”. صنم من صنع أيدينا ولتجاوز واقع الاتحاد يرى سعيد الجريري أهمية “إعادة صياغة الاتحاد بما ينسجم وأهدافه الجوهرية بما هو كيان ثقافي وليس مجرد نقابة، أو صندوقاً خيرياً للأدباء. فالاتحاد طليعي التوجُّه والإرادة والاختيار منذ التأسيس، وحريٌّ به اليوم أن يفكر في صيغة جديدة تخرجه من نفق التسويات والتكتلات والطفيليات، لكن ليس باستبدالها بأخرى، فهذا عبثٌ آخر، وإنما بفتح أفق الرؤية بعيداً عن ضغط الأيديولوجيا أو الجغرافيا أياً كان جنسها، أو عبادة صنمٍ من صنع أيدينا. فالاتحاد صيغة تتطور وفق المتغيرات والتحولات، ولعل إعادة صياغة بنيته وفق عقد جديد يشيع مناخات الحرية والإبداع، ويشرع فضاءاتها الحقيقية في امتداد الوطن الجغرافي هو ما أُسس الاتحاد عليه، وليس من أجل صنع نظام موازٍ لأي سلطة في مركزيتها، لتظل الأطراف مهمشة ثقافياً، ما يصيب فكرة الاتحاد ومشروعه التنويري واستراتيجيته الثقافية في مقتل”. وبعبارة أكثر تحديداً يضيف الجريري “لعل الصيغة الملبية لإنجاز مشروعية بقاء الاتحاد، تتمثل في صيغة (مجلس اتحادي)، تلغى معه فكرة المركز والفرع، لتغدو الفروع جميعاً مراكز أدبية متفاعلة ومتنافسة ومتكاملة أيضاً بوصفها روافد لتنمية الوطن ثقافياً. لأن واقع الحال يحيل الفروع في المحافظات إلى وكالات للمركز. وتلك حالة شاخصة في تجليات طبيعية لرؤية شمولية ـ بدلالتها السالبة ـ لم تعد تليق بإطار إبداعي رائد في الحريات والمدنية والاستنارة الفكرية فهي حال بائسة لا تنتج إلا بؤساً ثقافياً وتذمراً وإحباطاً وتهميشاً وفساداً تنشط في مستنقعه طفيليات النفعية والفهلوة وتصفية الحسابات، والتجاذبات غير الثقافية مطوقةً بما يسميه بعض الأدباء بتسويات السياسة وتكتلات الجغرافيا على عتبات كل دورة انتخابية، وهي تسويات يحضر فيها المركوم النسقي بصور كاريكاتيرية ثقيلة الدم، ويظل الاتحاد بوصفة منارة للمدنية والديمقراطية والتحديث هو الغائب المقروءة على روحه فاتحة الغياب”. بالنسبة لجرمة فلن يصلح حال الاتحاد “ما لم يتم هيكلة الاتحاد بصورة جديدة وإدخال تعديلات أساسية تقتضيها طبيعة التحولات الثقافية والمفاهيم المتطورة في العالم للإبداع بأجناسه المختلفة وبخاصة في ظل موجة متحولة من التحديات والوسائط المواكبة لها”. ويشير إلى أهمية “فحص وعضوية اتحاد الأدباء وتنقيتها وضبطها باتجاه تحقيق النوعية وجودة الإبداع”. وكذلك “إعادة النظر في شأن خطابه الثقافي متمثلًا في مجلة (الحكمة) لسان حال الاتحاد بحيث لا تبقى قيد اللامبالاة بيد أشخاص هم سبب التخلف في خطاب الاتحاد الثقافي وأصوليته”. ويرى أهمية العمل على ضرورة تفعيل العلاقات الداخلية والخارجية للاتحاد واقتراح آلية حديثة ومتطورة للعمل وتوافر الشفافية و”تحريك رأسمال ثقافي للاتحاد وتدويره وتعيين حجم عقاره وممتلكاته واستعراض ذلك أمام أعضاء المؤتمر العام، لتحديد رؤى سليمة. والخروج بحزمة تغييرات تعيد الاتحاد إلى حالته الطبيعية والصحية”. ورأى جرمة “ضروة وضع مسؤولي الاتحاد على محك العمل المؤسسي لجهة هيكلة الاتحاد وتعيين آليات جديدة لضبط طبيعة ومعايير المصروفات والإدارة” وهذا ما يجب أو يفترض، كما يقول، أن يكونه “اتحادنا بعد انتخابات المؤتمر القادم. لا أن يكتفي أغلب أعضائه بالصمت أو بالسكوت السلبي. وحيناً بالتواطؤ لقاء فتات أو وعود بمكافأة مخزية، وطوراً بوصولية ما لدرجة وظيفية وولاءات ضيقة”. ووظيفة الاتحاد الأساسية تبقى عنده متمثلة “في رعاية الأديب وتنمية حريته وتجربته وترويج أعماله. إضافة إلى الدفاع عن موقفه تجاه أي اضطهاد أو انتهاك قد يلحق به إلى جانب تعزيز دوره وحضوره الإبداعي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©